صفحات الناس

من باب توما إلى كراجات العباسيين/ سامر السليمان

 

الشارع الممتد من باب توما وصولاً إلى كراج العباسيين، يكاد يخلو من السيارات والبشر. على الرغم من أن كراج العباسيين ينطلق منه الركاب من العاصمة إلى حمص والمنطقة الشرقية والشمالية وقرى القلمون. في الطريق عدة حواجز أمنية، تبدأ من الشارع الذي يدخل نحو باب توما، وهنا يحمي الحاجز نفسه بكتل إسمنتية يصل ارتفاعها إلى ثلاثة أمتار، وهي تشبه الكتل الأسمنتية التي تواجه أهالي جرمانا على طريق المطار، وصولاً إلى كراج العباسيين. وفي قلب العاصمة يوجد الكثير من هذه الكتل، وتحديداً أمام المراكز الأمنية.

في ساحة العباسيين تجد سيارة أصابتها قذيفة وعطلت محركها، وبعض الشباب يدفعون بها لركنها جانباً. وبعد قليل تشاهد رجلاً مدمى يساعده الناس للوصول إلى أقرب مستشفى. لا يوجد إلا قلة من الناس في الشوارع، وهم يعرفون أن القذائف تنهال عليهم، ولكنّهم يتابعون سيرهم إلى أماكن ذهابهم. أصوات الاشتباكات ليست قوية على هذا المحور في هذا اليوم، هناك فقط بعض طلقات المدفعية المتقطعة، والتي قد ترتفع حدتها كثيرا في أيام أخرى، وتغلق الطريق نهائياً.

تقول سيدة قرب الكراج: “منذ عدة أيام، حينما كنت متجهة نحو الكراج، رأيت جنودا يركضون في الشارع، فركضت مثلهم، ولكن سرعان ما نبهوني أن المستهدفين هم أفراد الجيش فقط”. فساحة العباسيين صارت على مرمى نيران قناصة فصائل المعارضة، وهي تستهدف قوات النظام فحسب. والمنازل المحيطة بجانبي الطريق الرئيسية والطرق المتفرعة منها، والمقابلة عملياً لمنطقة جوبر، مسدلة الستائر أو مظلمة، حتى في أوقات إمداد الكهرباء. أي أن أصحابها غادروا البلاد، أو انتقلوا للسكن في مناطق أخرى. ولكن الحديث اليومي لغالبية الموطنين يدور حول الهجرة وإجراءاتها. وقد نشرت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الموالية، إنذاراً للأهالي في منطقة العباسيين بإخلاء الأبنية فيها.

هجرة

عند الكراج، عادة ما تكون المنطقة مليئة بالسكان وخاصة يوم الخميس. في بعض الأيام لا شيء يشير إلى أن السكان يذهبون في نهاية الأسبوع إلى المدن. وحركة السير أقرب لأن تكون بين حي وحي، حيث تتجمع السرافيس لنقل الركاب. وطريق حمص القديم مغلق تماماً. خلف الكراج بمئتي متر هناك بناء عال مدمر بأكمله، فطوابقه تحولت إلى كتلة من الإسمنت المتدلي، وآثار قذائف المدافع واضحة عليه. والدبابات مركونة في الشوارع الخلفية، أو في المراكز العسكرية المنتشرة هناك بكثافة. والحواجز العسكرية منتشرة بشكل كثيف عند ساحة العباسيين، في حين أن الطريق المؤدي إلى جوبر، والطريق الواصل إلى كفربطنا مغلقتان. أي أن الطرق إلى الغوطة الشرقية مغلقة. والملفت أن الشارع بأكمله ملوّن بألوان العلم السوري، وهناك لوحات وصور كثيرة للرئيس بشار الأسد.

في الطريق من حي التجارة إلى ساحة العباسيين، تنتشر الحواجز العسكرية وقوات الدفاع الوطني “الشبيحة”، وحركة الناس قليلة تماماً. محل نبيل نفسية للحلويات، أحد أشهر محال الحلويات في دمشق، وهو عادة ما يغص بالناس، لم يكن فيه سوى شخص واحد. قال مستغرباً “كنا نقف أكثر من عشر دقائق حتى نأخذ طلبنا. الناس تهاجر بكثافة، فالحياة لم تعد محتملة”.

في سوق الهال الشهير، وهو أكبر موزع للخضار والفواكه والمواد الغذائية في دمشق، لم يكن الحال أفضل. قال أحد التجار مبرراً: إنه يوم خميس وعادة ما تخف حركة البيع. وأكد أنه بسبب الأوضاع، أحياناً ما يغلق السوق نهائياً. يكاد أهم سوق في العاصمة يتحول إلى سوق صغير لحي واحد. في كراج العباسيين لم يكن هناك إلا بضعاً من الباصات الصغيرة “المكاري”، وعدد أقل من السرافيس. الأمر ذاته في كراج صيدنايا.

يرفض معظم الناس السير في ذلك الطريق، ويعد السفر إلى المدن بمثابة مخاطرة عادة ما يتم تجنبها. طبعاً أغلب الناس تشعر بالخوف بسبب حدة المعارك على المتحلق الجنوبي وطريق العباسيين. هذا عدا عن القذائف التي أمطرت دمشق بعد تنفيذ أجناد الشام تهديدهم بقصف العاصمة، رداً على قصف النظام للغوطة الشرقية أثناء عيد الفطر. ولقد قتلت هذه القذائف أكثر من عشرين شخصاً غالبيتهم من المدنيين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى