صفحات سورية

سورية.. إني خيرتكِ فاختاري!/ خالد عبد الحميد

 

 

في البلاد التي تحكمها أنظمة ديكتاتورية، على غرار بلدان العالم الثالث، وبلادنا العربية، لا يمكن أن تطرح أمامك، كشعب، خيارات متعددة، حتى، وإن وُجدت هذه الخيارات، فإنها تقتصر على خيارين اثنين، لا ثالث لهما، وهما، كما قال أبو فراس الحمداني، “أحلاهما مرُّ”.

في بداية الثورة السورية، والتي كانت صرخة مدوّية في وجه النظام الأسدي، الذي حكم سورية بالحديد والنار وبقوانين الطوارئ، والاحكام العرفية، بينما كان أفراد جيش النظام ينظفون البلاد من رجس العصابات المسلحة “على حد تعبيرهم”، والتي اقتصر سلاحها في البدايات على غصن زيتون ولافتة وأغنية، كان جنود النظام يكتبون، على جدران الأحياء، بعد اقتحامها عبارة “الأسد أو نحرق البلد”، واضعين الشعب أمام خيارين، بشار الأسد بغطرسته وظلمه وطائفيته البشعة وجرائمه منقطعة النظير، أو إحراق البلد بمن فيها.

وقبل الثورة، كانت الخيارات المطروحة أمام الشعب لا تقل سوءاً عما بعدها، فقد كان على الشعب الاختيار بين “العيش بكرامة مع جوع وفقر وانتهاك للحقوق، أو العيش في ظل الظلم والقهر مع توفر الأمان والطعام”. وبعد الثورة، أصبحت الخيارات متعددة، ومتنوعة، وخصوصاً مع دخول تنظيمي الدولة الإسلامية في الشام والعراق وجبهة النصرة، والمجموعات الكردية المسلحة والجيش الحر، وجيش النظام وقوات الدفاع الوطني وكتائب البعث، وغيرها من الفصائل المسلحة، بالإضافة إلى حماة المقامات القادمين من خلف الحدود، متسلحين بطائفيتهم، وبوجود هؤلاء أصبحت الخيارات متعددة لكنها لا تقل سوءاً عن سابقاتها.

بعد أن قُسِّم الشعب بين موالاة ومعارضة، أصبح لزاماً على النظام أن يسعى إلى تقسيم الطرف الآخر، لكي يسهل عليه التحكم به والسيطرة عليه. فأصبح هناك علمانيون وإسلاميون، وأصبح هناك من ينادي بالطائفية، ومن ينادي بالعدالة الاجتماعية، وأصبح هناك من يسعى إلى توحيد الصفوف بإنتاج فصيل كل يوم، ويبتدئ بيان التشكيل “فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”، وهو بتشكيله هذا أول من فرّق الصفوف، وبعثرها.

وبالعودة إلى الخيارات، فإن سكان المناطق، التي تقع تحت سيطرة الجيش الحر أمام خيارين، البراميل التي تسقط عليهم كل يوم حاصدةً أرواحهم وممتلكاتهم، أو النظام بظلمه وقهره، فيما سكان المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات النظام، ليسوا بأحسن حال، على الرغم من محاولة النظام إقناع الآخرين بأنه الخيار الأصح في هذه المعادلة المعقدة، فخياراتهم إما النظام بالغلاء المستشري وطائفيته القبيحة، وقذائف هاون المعارضة، أو اللجوء إلى مناطق سيطرة الجيش الحر بخياراتها.

ويحمل الكلام عن خيارات سكان مناطق سيطرة الدولة الإسلامية الكثير من الألم، بين أن يختاروا النظام وخيارات مناطقه، وأن يختاروا الجيش الحر وخيارات مناطقه، وبين أن يبقوا على خيارات الدولة الإسلامية، التي وضعت خيار الموت ضمن أجندتها، مما جعلها الأسوأ على الإطلاق. في ظل هذه الخيارات المتاحة أمام الشعب السوري، لا يمكننا أن ننسى خياراته في اللجوء، ويبقى الموت الشيء الوحيد، الذي استعصى على الشعب السوري ترويضه، فهو يداهمهم غرقاً أو قنصاً أو حرقاً أو تعذيباً أو جوعاً في ظل صمت الجميع.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى