صفحات العالم

ذاكرة الربيع العربي أمام الأسد


سعود البلوي

يشهد النظام الأسدي هذه الأيام تخلي أقرب أركانه عنه، سواء أولئك الذين قضوا وهم يحاولون منع سقوط النظام، أو أولئك الذين انشقوا عنه، ونذكر أولهم نائب الرئيس السابق عبدالحليم خدام

لرمضان نكهة خاصة في ذاكرة الشعوب العربية والمسلمة، فإضافة إلى الجانب الديني والاجتماعي الخاص بهذا الشهر، يحفل التاريخ العربي بالانتصارات الكبرى التي حدثت في رمضان منذ زمن الانتصار الشهير في غزوة بدر الكبرى.. حتى حرب الأيام الستة التي انتصر فيها العرب على إسرائيل في أوائل سبعينات القرن الماضي.

وإذا ما أخذنا مسألة الربيع العربي بالحسبان فسنجد أن دولاً اقتربت خلال رمضان من حسم أمرها ضد الطاغية، مثل ليبيا، ويبدو أن الدور اليوم على سورية لإسقاط طُغاتها-وليس طاغيتها فقط- وخاصة بعد العملية النوعية التي أودت بقادة الحكومة في تفجير الجيش الحر لمبنى الأمن القومي.

هذا ما ورّثه الأسد الأب لابنه الذي قدم من مستوى الطب البشري إلى دهاليز السياسة وارثاً جمهورية عربية قسراً وغصباً.. ولكن لأن دوام الحال من المحال لم يستمر له الأمر أكثر من عشرة أعوام، لأنه ورث تركة الظلم والفساد والفقر، وكرّس هذه الأمور بفعل الدوائر الكبرى والصغرى المرتبطة بالنظام.. وهذا ما قصم ظهر الجمل بما حمل!

العرب لا يستفيدون من دروس التاريخ، ولا يقرؤون الماضي ولا يستشرفون المستقبل بعقلانية تسمح لهم بتحليل الأمور منطقياً. ومن يتتبع سلسلة الأحداث لدول الربيع العربي فسيجد أن زعماء تلك الدول، في تونس ومصر واليمن وليبيا، أعاد كل منهم إنتاج الحمق السياسي؛ بعدم القدرة على إثارة الحوار وتحقيق الإصلاح للشعوب كما كانوا يدّعون. وبشار الأسد ليس استثناءً من هؤلاء، بل هو يسير على خطى أسلافه الذين تساقطوا كأحجار الدومينو وهم غير مصدقين لما يجري حولهم، ولذلك سيكون مصيره مقارباً لمصير صدام والقذافي-إلا إذا استطاع أن يختار مصير هتلر- بعد أن تحين ساعة الحسم ويتحقق انتصار ثورة الشعب السوري.

النظام في مرحلة الانهيار التنازلي، ولا سيما بعد الضربة الأخيرة الفارقة بالنسبة للجيش السوري الحر والتي أودت حتى اللحظة بحياة أهم جنرالات النظام (داود راجحة، آصف شوكت، حسن توركماني، هشام اختيار)، وهذا ما أحدث مزيداً من الانشقاقات النوعية لقادة الفرق والكتائب في الجيش النظامي الذي تحوّل- بفعل فاعل- إلى آلة للقتل والتدمير البشري، فما يعرض من صور مرعبة لقتل الناس من كافة الأعمار هو أشد رعباً من صور ضحايا الحرب العالمية الثانية!

دروس التاريخ اليوم أمام الأسد، وهو رجل ذكي لا أظن أن شيئاً يفوته، يستطيع أن يفكر بعمق وأن يحسب الأمور ويضعها في نصابها، ولكني أشك بأنه يملك زمام الأمور إلى هذه الدرجة التي تمكنه من إعلان تنحيه بأسرع وقت ممكن لإيقاف نهر الدم المتدفق، وخاصة أنه في موقف لا يحسد عليه الآن، وإذا ما تمادى فسوف تصل إليه كتائب الثورة في مكانه هو ومن في دائرته، وعندها لن تجد أي محاولات لاستحضار ذاكرة التاريخ.

يشهد النظام الأسدي هذه الأيام تخلي أقرب أركانه عنه، سواء أولئك الذين قضوا وهم يحاولون منع سقوط النظام، أو أولئك الذين انشقوا عنه، ونذكر أولهم نائب الرئيس السابق عبدالحليم خدام ثم السفير السوري في العراق نواف الفارس ومن بعده العميد مناف طلاس، وإن كان انشقاقهما مدوياً إلا أن الأيام القادمة حبلى بما هو أكثر وأدهى وأكثر تأثيراً.. فالحل العاجل أمام الرئيس السوري هو استقلال الطائرة الرئاسية والذهاب إلى موسكو تاركاً الشعب يقرر مصيره بشكل طبيعي عبر صناديق الانتخاب.

على الساسة في نظام الأسد الحالي أن يعتبروا من دروس التاريخ، وأن يراجعوا تاريخ بلادهم جيداً ليعرفوا مدى قوته وعدم تراجعه إلى الخلف مهما كانت الأسباب، ولا سيما خلال التطورات الدولية الأخيرة التي هددت خلالها إسرائيل بالتدخل في حال محاولة النظام السوري نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله.

أظن أن بشار الأسد اليوم هو أكثر الناس حاجة إلى استعادة ذاكرة الأيام لقراءة التاريخ، عليه أن يسترجع رسالة والده الرئيس حافظ الأسد إلى صدام حسين حين نصحه بالخروج من الكويت إذعاناً للقرارات الدولية وفتح صفحة جديدة لطي خلافات الماضي، إلا أن صدام رد عليه برفض تلك النصيحة بكل غطرسة فآل مصيره بعد سنوات إلى تلك الحفرة الضيقة ومن بعدها التف حبل المشنقة على رقبته.

يقترب النصر من الثورة السورية، بل بات وشيكاً، ويقترب معه مصير الأسد من غياهب الضياع وترك بلاده التي دمّرها بسياسة إنتاج الحمق والعناد، وفي لحظة سقوطه سيتخلى عنه القريبون منه قبل حلفائه السياسيين.

الوطن السعودية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى