صفحات العالم

تفويض الكرملين


ساطع نور الدين

بعض صحف روسيا نشر في اليومين الماضيين معلومات وتقديرات تفيد بأن الوفد الروسي المكون من رئيس جهاز الاستخبارات ميخائيل فرادكوف ووزير الخارجية سيرغي لافروف كلفهما الرئيس فلاديمير بوتين بالسفر الى دمشق لإقناع الرئيس السوري بشار الاسد بالشروع في إطلاق عملية سياسية تقود في نهاية المطاف الى نقل السلطة.

وجاء التكليف حسب الصحف الروسية، ليعكس اعتقاد موسكو بأن النظام الحالي في سوريا غير قادر على البقاء على النحو الحالي، لا من حيث تركيبته ولا من حيث سلوكه. وهو موقف يتقاطع الى حد ما مع المواقف العربية والغربية التي تطالب الاسد بالتنحي، لكنها لم تستخدم حتى الآن عبارة «فورا» التي استخدمت في مخاطبة الرؤساء السابقين التونسي زين العابدين بن علي أو المصري حسني مبارك أو الليبي معمر القذافي، أو طبعا اليمني علي عبد الله صالح.

ليست روسيا دولة خارقة الذكاء والدهاء، لكنها تعرف بلا أدنى شك ما تعرفه معظم دول العالم الكبرى والصغرى، ان النظام السوري ينفذ سياسة انتحارية لا جدال فيها. وهي اذا كانت قد استخدمت الفيتو في مجلس الأمن الدولي، فلأنها أرادت أن توقف هذه السياسة، وأن تتولى بنفسها القيام بمثل هذه المهمة الصعبة، بما يحفظ مصالحها السورية ودورها العربي وصورتها الدولية.

ومن دون الحاجة الى قراءة الصحف الروسية، قال الكرملين علنا ان وفده ذاهب الى دمشق للسعي الى إقناع الرئيس الاسد ببدء عملية إصلاح ديموقراطي سريع، توقف سقوط النظام وانهيار الدولة وتفكك المجتمع. بعبارة اخرى، تريد موسكو ثمناً للفيتو الذي استخدمته في مجلس الأمن، يكون بمثابة تفويض لها بالإشراف على تلك العملية السياسية، ورعايتها وربما أيضاً استضافتها.

وهو ما يعني أن الموقف الروسي يضغط الآن على النظام لكي يغير سلوكه ثم يوسع قاعدته السياسية في مرحلة لاحقة، على النحو الذي كان عليه الموقف العربي والغربي طوال الأشهر الـ١١ الماضية. الحملة العسكرية الرسمية التي عنفت في الأيام القليلة هي في الغالب جزء من الحوار الدائر بين موسكو ودمشق، ونوع من الجهد لتعديل موازين القوى على الارض، أو حتى لتأديب المدن والأرياف السورية المعارضة.

المقياس الاول والأوحد لنجاح هذه المهمة الروسية هو التوصل الى وقف شامل ودائم لإطلاق النار. وهو ما يبدو مستحيلا في الظرف الراهن في ضوء ارتفاع منسوب الدم السوري المسفوح، الذي يعزز التشدد المتبادل بين النظام والمعارضة.. وفي ضوء عدم وضوح المدى الذي يمكن أن تبلغه موسكو في الدفاع عن موقعها السوري.. الذي وضع بعد الفيتو، على جدول أعمال التدخل الأمني ثم العسكري الدولي الذي تكسبه الحرب الأهلية السورية مزيدا من المصداقية، بقدر ما تكسبه المهمة الروسية مزيدا من الشرعية، لان الكرملين حصل على فرصة لتنفيذ مطلوب عربي وغربي ودولي، لكنه لم يحصل على فسحة لإحياء الحرب الباردة التي صارت من التاريخ.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى