صفحات العالم

المذبحة في سوريا بين التقصير والتدبير


د. رضوان السيد

منذ حوالي العام ينتظر الإيرانيون والروس (على اختلاف الأهداف) من يأتي إليهم أو يأتون إليه، للمساومة على رأس “الأسد” ليس بالطريقة الرمزية، بل بالطريقة العملية. وقد التهينا نحن المعلِّقين شهوراً بشتْم الروس والإيرانيين، ثم دخلْنا في محاولة شتْم تخاذُل الأتراك والأميركيين، ونوشكُ أن نعود إلى السطر الأول: أنه لا حلَّ للأزمة والقتل إلاّ بانتصار الثوار على الأسد، وبمساعدة عربية.

لماذا كان هذا الطواف الطويل؟ لأننا تعودنا منذ عقد أو عقدين أن الولايات المتحدة هي فاعلة أي شيء وتاركة أي شيء، ولا أحدَ سواها في الساحة إقبالاً وإدباراً. وفوجئنا في الأزمة السورية بأمرين: التردد الأميركي بين الإقدام والإحجام، والهجوم الروسي إلى الآخر بعد أن نسينا روسيا في الشؤون العالمية منذ عقدين ونصف، أو منذ انسحابها من أفغانستان بين العامين 1987 و1989. وما فوجئنا بالطبع بإيران بعد أن تعودْنا على هجماتها منذ حوالي العقد ونصف العقد. فقد هاجمتنا في العراق (مع الأميركيين)، وفي غزة ولبنان (مع الإسرائيليين بحجة الدفاع عنا ضدهم!)، وفي اليمن والبحرين(بمفردها). وما كان منتظراً إلا أن تُهاجم أو تستمر في الهجوم دعماً للأسد، باعتباره عماد المحور الذي أقامته. وعندها سبب آخَر وهو الحصار الغربي لها، والذي ترجو أن تستطيع المساومة عليه بالأوراق القليلة التي تملكها ومنها نظام الأسد.

ماذا صار في مواجهة الهجمة الروسية؟ لقد تفاوضت مع روسيا في البداية جهاتُ المعارضة السورية، ثم تفاوضت معها جهات عربية رسمية وغير رسمية. ثم تفاوض معها المبعوثان الدوليان. وقد تعددت خطاباتها لكل جهة: قالت للمعارضين عليكم أن تتوحدوا وأن تقبلوا المفاوضات مع النظام على مرحلة انتقالية. وقالت للرسميين وغير الرسميين العرب إن روسيا لا يفرض عليها الأميركيون أو غيرهم شيئاً، وإنها تخاف من الإسلام الأصولي على سوريا وعلى روسيا، وإن أحداً ما عرض عليها عرضاً جاداً ومضموناً من أجل مستقبل سوريا وضمانات لمصالحها فيها. أما مع المفاوضين الدوليين فقالت إن الأسد باق ولا حلَّ سياسي أو غير سياسي بدونه!

اتسم الشهران الماضيان من عمر الأزمة السورية بالجمود، وكان للجمود عدة تفسيرات أو تأويلات: التأويل الذي يقول لابد من انتظار الانتخابات الأميركية. وقد أُجيب على ذلك بأن الانتظار غير مفيد لأن أميركا إنما ترددت حتى الآن بسبب عدم التأكد من ضمان أمن إسرائيل بعد الأسد كما كان مضموناً أيامه، وما تغير في ذلك شيء قبل الانتخابات أو بعدها. بيد أن أهل الانتظار قالوا: بل إنه أضمن حتى لأمن إسرائيل، أن تشارك الولايات المتحدة في حل الأزمة السورية، لأنها حينها تملك نفوذاً في تشكيل النظام اللاحق! أما التفسير الآخَرُ للجمود فهو بحث العرب عن حل بالتعاون مع تركيا: لكن أردوغان أظهر تردداً كبيراً. فتركيا لا تريد الاصطدام بإيران، ولا بالروس. ثم إنها تريد إجماعاً عربياً وإذناً أميركياً. والأردن يريد ضمانات عربيةً ودولية. وقد ظهرت حيرةُ أردوغان واضحةً في المثلثات التي عرضها لحل الأزمة: إما إيران وتركيا ومصر، أو إيران وروسيا وتركيا، أو تركيا والسعودية ومصر. وهكذا نلاحظ أن السعودية- الطرف العربي الرئيسي حتى الآن- لا تظهر إلا في مثلث واحد. ويظهر أيضاً أن الرباعية التي اقترحتها مصر قد فشلت، لأن السعودية تغيبت عنها، ولأن إيران ما أظهرت تنازلاً عن شيء!

وللجمود أيضاً تفسير ثالث، وهو انتظار الأطراف ماذا يفعل الإبراهيمي. وأفظع أفكاره النيرة أخيراً: اقتراح وقف للنار خلال أيام الأضحى، “لتقليل القتل”، كما قال! وكان قد قال بالعراق وإيران إنه يزور الدول المؤثرة وذات النفوذ، والتي يمكن أن تساعد في حل الأزمة. وهو يعرف أن صديقه عنان إنما فشل لإيثاره هذا المخرج من الأزمة، أي إرضاء روسيا والصين وإيران، أنصار الأسد، دون معارضيه! فالإبراهيمي وعنان تعاملا ويتعاملان مع الأزمة كأنها بين نظامين. والواقع أنّ الأزمة بين نظام وشعبه. صحيح أن الإبراهيمي تحدث إلى المعارضين المسلحين وغير المسلحين في القاهرة وغيرها، لكن بسبب الفكرة المسبقة تلك، فقد ظل يعتقد أنه بإقامة جسر اتصال بين مؤيدي الأسد من الدول، ومؤيدي المعارضة من الدول، يمكن الوصول إلى حل للأزمة. ويبدو أن الأمر صار أسوأ من ذلك في الأيام الأخيرة، لأنه يعتقد أن الهدنة لأيام خلال الأضحى، يمكن أن تفتح المجال للحل السياسي المنشود الذي يُبقي على الأسد ويُدخلُ المعارضة إلى الحكومة بموافقته!

ما معنى هذا كله؟ أن المذبحة مستمرة، وأن الأطراف الدولية منقسمة، وأن الأمر -بسبب هذا الوضع- يجب أن يعود إلى أيدي العرب، لكنّ العرب ما استطاعوا إخراج حلٍّ يتطلب تدخلاً عسكرياً من نوع ما، إمّا لفرض منطقة آمِنة، أو لترجيح كفة الثوار بحيث يضطر النظام للمغادرة أو لقَبول الحل السياسي الذي يتضمن تنحي الأسد. لقد استبشرنا خيراً بدخول مصر على الخط، إذ منذ سنين ما عاد للنظام العربي ظهر إلا في دول الخليج. وقد ترددت مصر طويلاً أيام المجلس العسكري قبل أن تهجم على النظام السوري أيام الرئيس مرسي، والذي قال للإيرانيين أيضاً: لابد من ذهاب الأسد! وظننا جميعاً أنه عندما اقترح الرباعية، وفيها إيران وتركيا ومصر والسعودية، تشاور مع إيران على الأقل، وتقاضى منها ثمناً لإشراكها في هذا الشأن العربي. فقد كانت مشكلتنا مع النظام الإيراني كما سبق القول إنه يتدخل في الشؤون العربية بطرائق تخريبية. وما بدت السعودية راضيةً لكنها ما قالت شيئاً في العلن ضد مبادرة مرسي. وقد جاء الإيرانيون بالفعل مرتين إلى القاهرة، وعقدوا اجتماعاً ثالثاً مع المصريين والأتراك في نيويورك. إنما في الاجتماعات كلها قصدوا إلى تضييع الوقت مثل اقتراح إدخال فنزويلا والعراق إلى اللجنة! إلى أن قالوا أخيراً إن الحل لابد أن يكون بإشراف الرئيس الأسد، الذي لا يقاتل معه المهدي فقط، بحسب الرئيس نجاد، بل يقاتل معه المالكي ونصرالله أيضاً! ولذا يصبح غريباً أن يعتبر الإبراهيمي أن العراق وإيران مؤثران، وأن آراءه لا تختلف عن آراء العراقيين على الأقل!

ينبغي إذن استبعاد إيران بل اعتبارها خصماً في المسألة السورية على الخصوص. ولابد من العودة للحل العربي الذي يطوره ويُخرجه الخليجيون، والذي يعتمد دعم المعارضين بالداخل والخارج بشتى الوسائل. وهذا الحل الأخير الذي يحصل على إجماع أو شبه إجماع عربي، لابد أن تجري الموافقة عليه بالجامعة العربية، لأنه بعد الدعم وسقوط النظام، سيُرسل العرب قوات من أجل السلام وإعادة بناء الدولة السورية بالفعل. وما أرادت مصر الجديدة القيام به بمعونة إيران وتركيا، تستطيع القيام به مع أشقائها في الخليج وغير الخليج!

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى