صفحات العالم

كيف تطورت ثقة الثوار السوريين بأنفسهم؟


كان يُقال عن مقاتلي “الجيش السوري الحرّ” أنهم غير مزودين بالسلاح اللازم، غير منظمين، غير مجرِّبين. ولكن المعركة المباشرة التي بدأوها في 16 تموز الجاري ضد نظام بشار الأسد غيرت هذه السمعة. وإذا لم يكن بوسع أحد ضمان انتصار مقاتلي المعارضة هؤلاء، فانهم بالتأكيد فاجأوا الجميع، وأثبتوا أن المخرج العسكري لثورتهم لم يعد من المستحيلات.

بات “الجيش السوري الحرّ” يعبّر عن ثقة جديدة، اكتسبها بعدما أظهر مقاتلوه شجاعة فائقة في معارك دمشق، بل صارت حماستهم أعظم بعد عملية 18 تموز الجاري، التي فقد فيها أربعة مسؤولين أمنيين كبار حياتهم، ثم ما تلاها من انشقاقات في صفوف الجيش، غير مسبوقة بكثافتها. فهد المصري، مدير المكتب الاعلامي لقيادة “الجيش السوري الحرّ” في الخارج، المقيم في باريس يقول ان “أيام بشار الأسد باتت معدودة”، ويضيف بثقة: “قد نحتفل بنهاية شهر رمضان المبارك مع نهاية بشار في الآن عينه”.

إن صعود “الجيش السوري الحرّ” أخذ بعداً جديداً في صبيحة 17 تموز الجاري. المقاتلون في ذاك اليوم باشروا بنتفيذ خطتهم؛ فهاجموا كل الحواجز التابعة للجيش السوري الرسمي، وكذلك مكاتب أجهزة المخابرات ومراكز حرس الحدود. وعمّدوا عمليتهم تحت اسم “بركان دمشق زلزال سوريا”.

أضواء الإعلام ركزت يومها على دمشق فحسب، خصوصاً على أحيائها الجنوبية مثل الميدان والتضامن. ولكن القتال كان مندلعاً في كل انحاء البلاد؛ في أعزاز، وهي بلدة تقع شمال حلب، حيث استولى الثوار على مركز المخابرات العسكرية، وقبضوا على ثلاث مسؤولين كبار، ومن بينهم، كفاح ملحم، أحد المقربين من بشار الأسد، والحافظ للعديد من أسرار النظام. الناطق باسم “الجيش السوري الحرّ” يؤكد بأن معركة تحرير سوريا قد بدأت.

هذه المعركة المفاجئة بزخمها وجرأتها هي في الواقع نتيجة هيكلة بطيئة قام بها “الجيش السوري الحرّ” لقواته، وأيضاً، نتيجة لإستقلاليته عن الضباط الذين أسسوه في تموز من العام الماضي. معظم هؤلاء الضباط الأوائل لجأوا إلى تركيا، كما فعل الكولونيل رياض الأسعد، الذي لم يفلح بضبط عناصره وتنظيمهم ميدانياً. في شهر أيار الماضي، انشق الثوار نهائياً عن الأسعد، ورفضوا وقف اطلاق النار الذي كان كوفي أنان يسعى لإلزامهم به، تبعاً للخطة الأممية والعربية. فالمقاتلون على الأرض كانوا قد اختاروا العصيان ومواجهة التحدي العسكري الذي يفرضه النظام بقواهم الذاتية. يقول فهد المصري: “من يود أن يصبح قائداً عليه العمل ميدانيا. وتأثير الضباط الباقين في تركيا لا يتجاوز حدود مخيمهم”.

ومن ذيول هذا الإنشقاق أيضاً إنشاء القيادة الموحّدة للـ”الجيش السوري الحرّ” في الداخل. هذه القيادة تتألف من عشرة مجالس عسكرية محلية تضم عدة كتائب، وترمي بطابعها الجماعي إلى التعامل مع الفوضى التي سادت في الأيام الأولى للعسكرة. يقول الديبلوماسي الفرنسي، إنياس لوفيرييه الذي كان مركزه دمشق: “السوريون في الداخل فهموا أن عليهم توحيد قواهم، بعد الضربات التي تلقوها. انهم غير مسيسين، ولا دينيين، وهم على هذا الأساس استطاعوا أن يوسعوا صفوف كتائبهم”.

الضربات المتتالية التي تلقاها النظام، منذ بدء الهجوم، هي نتيجة جهود إعادة التنظيم هذه. بفضلها، تمكن المئات من المقاتلين من درعا من التوجه إلى دمشق، ما شجع قوات الثورة في دمشق وأثار حماستها. هيثم المناع، رئيس هئية التنسيق للتغيير الديموقراطي، يقول: “هناك تقدم، هناك تكثيف للتنظيم وتطوير للاستراتيجية، ولكن السرعات تختلف من منطقة إلى أخرى. بعض المجموعات تستفيد من تجربة المنشقين، وبعض المجموعات الأخرى ما زالت تعمل بطرق بدائية. ليس هناك جيش سوري حرّ واحد، انما عدة جيوش” (…).

بانجمان كوستان

صحيفة “لوموند” الفرنسية (23 تموز 2012)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى