صفحات العالم

الوضع السوري إلى مزيد من تصعيد!


مرزوق الحلبي

نتائج التصويت في مجلس الأمن تفسّر لماذا «تنجو» إسرائيل في العادة من تبعة احتلالها وحروبها ومجازرها. فالطريقة ذاتها التي تفتح لإسرائيل بوابات الهروب إلى أمام، منحت النظام السوري المزيد من الوقت. ما حصل هو ترجمة واضحة لتوازن المصالح – وليس القوى – في سياسة مُعوْلمة. أما ترجمة هذه الترجمة على الأرض هذه المرة فلم تكن في فلسطين وإنما شمالها، في حمص وريف دمشق وربوع الشام حيث حصدت قذائف النظام ومدفعيته «المقاوِمة» عشرات البيوت الحمصية ومئات من أهلها في مجزرة معلنة مسبقاً، الجديد فيها هو هولها وضحاياها بأسمائهم وعوالمهم.

ما الذي يُمكن أن نستخلصه من الحالة السورية وما آلت إليه؟ سؤال سيقضّ مضجع الإنسان الإنسان – وليس الإنسان الشبّيح – ردحاً غير قصير من الزمن. فهل سكوت العالم حيال نكبة فلسطين في حينه هو السكوت ذاته من قبل عن حصول المحرقة بحقّ اليهود؟ وهل هذا «التوازن» في المصالح هو التوازن نفسه الذي ترك الروس يعيثون في الشيشان فساداً، والفرنسيين فـــي الجزائر قــتلاً، وإندونيسيا في تيمور الشرقية والبيض في أفارقة جنوب أفريقيا ظلماً؟ يبدو أنه «التوازن» ذاته الذي يُتيح مثل هذه المشاهد المرّوعة. فروسيا والصين في الشأن السوري هما الولايات المتحدة في الشأن الإسرائيلي، مع تبادل في الأدوار. كل قوة تدافع عن ربيبها، وكل عرّاب يحــــمي مبعوثيه. و «التوازن» اسم هذه اللعبة القذرة! إنها لعبة الذين في السرايا بدم الذين في القرايا، إنه ضحك الذين «فوق» على ذقون الذين «تحت»! فهل يُقلق أصحاب المعالي الروس المنتفعين من صفقات السلاح مع دمشق، المدفوعة من إيران أو من دم السوريين وأحـــلامهم، ما يفعله النظام؟ وهل يُقلق الشيوعيين في الصين غير تزودهم بالنفط الإيراني لضمان وقود التحول الرأسمالي المندفع إلى أقصاه؟ تماماً مثل السادة في البيت الأبيض وإن كانوا سمر البشرة، هل يُقلقهم سوى مصالحهم في المنطقة؟ إنها الديناميكا ذاتها وقواعد اللعبة اللعينة ذاتها والضحايا ذاتهم – الشعوب بل الفقراء بين الشعوب ومجــــموعات المـــستضعفين والأقليات! يقلقون عندما يُهدد النظام الذي يدافعون عنه مصالحهم أو عندما تظهر لهم في الأفق مصالح بديلة!

قرار مجلس الأمن يُعيد الكرة إلى ملعب الداخل السوري الذي خذله موقف الداخل العربي. وهو ملعب سيغيّر في الأيام القليلة قواعد لعبته. فتخاذل العالم باسم «توازنات» كونية حيال مأساة الشعب السوري سيمنح نظام الأسد متسعاً من الوقت لتجريب درجات جديدة من الترويع والقتل والتهديم. لكنه سيقنع الداخل السوري المنتفض بألا ينتظر فرجاً وأن يلجأ إلى أوراق لعبه هو وأولها تصعيد موجات الممانعة والعصيان وزيادة نشاطات الجيش الحرّ والمناوشات العسكرية ضد النظام ومراكزه.

حركتان ستُفضيان إلى تصعيد المواجهة وتحويلها بسرعة إلى حرب أهلية غير مستحبة. فالنظام الذي ناور بالتركيبة الطائفية للمجتمع السوري سيدفع المناورات المكشوفة في السنة الأخيرة إلى أقصى درجة ممكنة بزج الأقليات درعاً للنظام ليكون أبناؤها أول الذين يسقطون في المعارك الأهلية… فتُقام لهم مراسم الشهادة التي تشدّ الأقليات أكثر إلى خانة النظام فلا تستطيع الفكاك من عناقه ولا تستطيع تدبّر أمرها إذا ما دارت الدوائر – في هذا لا يختلف النظام في سورية عن النظام في إسرائيل مع المواطنين الدروز! والدول التي أخفقت في حمل مجلس الأمن على اتخاذ قرار يُدين النظام السوري ستعمد إلى تدبّر أمرها من دون المجلس، وهذا يعني البحث عن سبل لتقويض النظام الدموي. وستفعل حماية لمصالحها ومشاريعها و «توازنات» تخدمها.

تُحسن المعارضة السورية صنعاً لو أقامت هي أيضاً، توزاناً صحيحاً بين الحاجة إلى دعم دولي متعدد الأشكال والحاجة إلى تنظيم الداخل وحشد موارده لغرض الحسم واعتماد المبادرة من خلال الاتكاء على القدرات الهائلة للشعب كما تجسّدت في عصيان مستمر منذ سنة. نرجح أن «التوازن» الدولي سيستمرّ إلى أجل غير منظور. وهو «التوازن» ذاته الذي يُتيح لديكتاتوريات وطُغم عسكرية أن تواصل حصد الأرواح واحتلال أوطانها. والملاحظ أن الحدث الذي يُمكن أن يعدّل هذه التوازنات ويقلبها هو ذاك الذي تجترحه الشعوب بقياداتها ونُخبها البديلة. الممانعة في أشكالها المختلفة هي واجب الساعة ليس داخل سورية فحسب بل حيث يُمكن أن يؤثّر ذلك في سورية. ممانعة في الداخل ومثلها في الخارج. مقاطعة كل ما يمتّ إلى النظام بصلة وطرد السفراء (أن يبدأ الأمر مرة أخرى من تونس فيه أكثر من دلالة) والممثلين ومقاطعة الشبيحة وكلاء النظام المكلّفين مدفوعي الأجر والمتطوعين منهم، سيكونان مورداً مهماً في المواجهة. والأمر ذاته ينبغي أن يحصل حيال الذين يحمون الطاغية ومجازره، إيران وروسيا والصين. ولكن يظل الدور الأساس هو زيادة فاعلية التنظيم الداخلي للممانعة الشعبية في الداخل السوري وزيادة الضغط على عصب النظام ومقوماته. والمعارضة تعرفها أكثر من أي كان!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى