صفحات الثقافة

ترايسي سميث الحائزة جائزة بوليتزر للشعر لعام 2012:


نحن جزء من هذا الكون ولسنا ضيوفاً فيه

ترجمة وتقديم فوزي محيدلي

حين عادت ترايسي سميث من جولة الركض اليومية الى بيتها، فاجأها زوجها الذي كان يطالع صفحة النيويورك تايمز على الإنترنت بخبر فوزها بجائزة بوليتزر للشعر لعام 2012. قالت اللجنة المانحة للجائزة إن الشاعرة الأفرو-أميركية السمراء استحقت اللقب عن ديوانها الثالث «الحياة على سطح المريخ» لأن الديوان «يحوي مجموعة من القصائد الجسورة الماهرة، التي تأخذ القرّاء الى رحاب الكون وتحرّك فيهم مزيجاً أصيلاً من مشاعر الفرح والألم». وقالت سميث بعد سماعها النبأ: هذا الخبر مدعاة للبهجة خاصة أني أفكر بالديوان كتكريم لوالدي».

وقد كتبتْ جويل بروار حول هذه المجموعة الشعرية: «تُبين قصائد سميث على أنها شاعرة ذات مدى وطموح غير عاديين… تماماً كما يفعل كل ما هو أفضل الشعر. يرسلنا الديوان أولاً الى حالة قشعريرة بديعة للمخيلة ومن ثم يعيدنا الى أنفسنا، متغيرين ومتواسين».

في مجموعتها الشعرية الثالثة، بعد الأولى «سؤال الجسد» (2003) والثانية «ديونيد» (1907)، تتطلع سميث المولودة عام 1972، نحو النجوم بحثاً عن مجال واسع وعن عزاء لتباريح الخسارة، لكن الصور التي تتطلع إليها أقرب الى أرض الوطن وليست مجرد الفضاء. والد سميث كان مهندساً عمل على مشروع تيلسكوب هابل الهائل وتوفي عام 2008. في مراثيها التي تنوح فيها على فقدانه، يؤدي الفضاء الخارجي دور الاستعارة للمنطقة المجهولة التي اختفى فيها والدها وكذلك كطريقة للتعبير عن الأمل بعدم انقطاع وجوده، بل حصل مجرد تحوير لذلك الوجود. تدرك سميث أن «الكون وفي التسجيل الصوتي للفيلم الأصلي»، أو لنقل ليس فقط تدرك بل تتمنى أن «كل شيء يختفي/ يختفي وكأنه سيعود للظهور في مكان ما». ولا نملك كقراء إلا تذكر نيتشه في الأبيات الآتية «إذا ما حدقت طويلاً الى الهاوية، فالهاوية ستحدث بدورها فيك». لكن الهاوية بالنسبة لسميث هي أقرب الى حيّز للنسيان والسلوان:

«لعل الخطأ الأعظم هو اعتقادنا

أننا وحيدون،

إن الآخرين أتوا وذهبوا-

مجرد إشارة رادار لحظوية-

في حين أن الفضاء قد يكون ينفزر من شدة السير

المنفجر عند الحاشية بطاقة لا نستشعرها

ولا نراها متدفقة بمواجهتنا، إذ نحن نعيش، نموت، نقرر،

واضعين أقداماً ثابتة على الكواكب في كل مكان،

منحنين للنجوم الجليلة التي تأمر، ناقفين الحصى

على أقمار تلك الكواكب. يعيش الناس في حالة

تساؤل عما إذا كانوا الوحيدين، وليس في ذهنهم

سوى الرغبة في المعرفة، وفيه أيضاً المسافة السوداء العظيمة

التي تخفق فيها الأقمار أو نخفق نحن».

تسارع سميث الى الاقتراح أن الشيء المهم ليس اكتشاف ما إذا كنا وحيدين أم لا داخل الكون، بل إنه عملية تقبل أو على الأقل تحمل غموض الكون ولغزه.

الإنسان يلجأ الى الدين والعلم والفن سعياً وراء أجوبة، لكن الأسئلة تبقى قائمة، لا سيما في أوقات الحزن. يتميّز الاقتران الذي تجريه سميث بين القصائد الفلسفية التوجه في القسم الأول من الديوان مع المرثاة الطويلة لوالدها في الجزء الثاني بأنها باهرة. ترينا الشاعرة كم هي تميل للهرب الى التجريد والخيال محدقة طوال اليوم بذاك السديم المخروطي لكنها لا تلبث أن تذكّرنا بمقدار ضرورة أن نواجه الحقيقة أو واقع وجودنا هنا على الأرض.

كما فعل وليم كارلوس وليامز سابقاً من خلال إخباره النائحين في مأتم في قصيدته «بقعة» أن المضمون البسيط لحزنهم أقوى من أي حزن يمكن استحضاره من قبل «فرقة من الفنانين»، لذا نرى سميث مصمّمة هي الأخرى على رفض العبارات التزيينية حين تصف أسى والدها على وفاة جدها، ومن ثم أساها الموازي على والدها:

حين توفي والدك الحبيب

استيقظت قبل تباشير الفجر

وتناولت نصف طبق من البيض والجريش،

وشربت كوباً من الحليب.

بعد أن رحلت، جلست في مكانك

وأنهيت بقايا الخبز المحمص مع المربى

كما البيض البارد، واللحم المقدد

الرافل في السمن، مستمتعة بالمذاق.

القسم الأخير من الديوان حيث قصيدة «سرعة الإيمان» كما القصيدة الرثائية «إنها ليست كذلك»، من ضمن قصائد عدة، تعرض لخليط من حالات الرعب المأخوذة من عناوين صحافية حديثة بما في ذلك الوالد «الذي أبقى ابنته/ مقفلاً عليها داخل حجرة احتجاز لعقود»، وكذلك قضية مثل تعذيب السجناء في أبو غريب، الى الأزمة الاقتصادية والبيئية في شرق إفريقيا التي دفعت بالمواطنين الى القرصنة. تبدو سميث ميالة في هذا القسم للكتابة عن الظلم لذا نراها في القصيدة الطويلة «قد يحبون كل ما يكون هو قد اختاره ويكرهون كل ما يكون قد رفضه» تلجأ الى تذكر خمس جرائم مروعة اقترفت بين السادس من أيار والعاشر من حزيران من عام 2009.

يصل الديوان الى خاتمته مع مجموعة أخرى متنوّعة من القصائد لكن هنا الاهتمامات أكثر راحة على صعيد البال، وأكثر شخصية ومنزلية: مواجهة عدم قدرة الشاعر على الكتابة، أخذ الكلب في نزهة، الشكوى من أولاد الجيران في الطابق الأعلى.

«الحياة في المريخ» عبارة عن مرثاة متطاولة للوالد، رجل العلم والفضاء. وينبع امتدادها الكوني الى جانب التركيز الحميم كذلك من الوضع المشترك للشعراء وعلماء الفلك، وذلك عبر التحديق في الكون لرؤية الضخامة المترامية في الأمام: «الانحناء أمام العين الحكيمة الموثوقة، جائعة لما قد تجده». مع أن التركيز الشعري لسميث هو مصقول، مثل عدسات هابل، إلا أنه عادة ما نراه موجهاً الى الهنا والآن: الديوان حميم، وحتى اعترافي، ينظر الى الحياة الخاصة على ضوء فنائها المحتمل، كما وأن الديوان يضمّ صدى سياسياً محذراً من مستقبل «غير الذي كان عادة».

خيال سميث يسمح لها ان ترانا، ترى لحظتنا، كذرات في مرآة المنظر الخلفي. حالات المستقبل والماضي، سواء في علم الفلك أو الشعر، متمازجة، الصور المنقولة إلى أجهزة تلسكوبنا من الفضاء هي «قديمة»، كما يعلم حتى التلامذة الصغار، ومع ذلك فانها، الصور، تقدم مشهداً تفكر على «انه المستقبل«، لذا للكتابة عن «عصر الفضاء» تلجأ سميث الى اشكال تفترس العالم المعاصر. ويلاحظ أن قصيدتها «خيال علمي» تحكي الطرق التي سيصار فيها الى «استبدال التاريخ بعموده الفقري الصلب وزواياه الأشبه بأذني الكلب، يصار الى استبداله بما يمثل فارقاً بسيطاً عنه ويسلم مع دلائل أخرى من الكفاح الانساني الى متحف الزوال والأهمال:

تجهيزات خاصة تأتي وتروح. «الحب»

اعتلى الخشبة لموسم، متبرعاً «بالمرض»

مفاهيم من الصعب استيعابها. آخر شيء ترينه

(بعد رؤية المرآة – أفكرة أحدهم عن دعابة؟) هو

صورة الكوكب العتيق مأخوذة من الفضاء.

نختتم ما قالته سميث «نحن جزء من الكون وألغازه لسنا مجرد ضيوف» وكذلك قولها عن قصيدة الشعر بشكل عام، «بالنسبة لي، القصيدة فرصة لي لمساءلة نفسي ولو قليلاً، أن أرى بأية طرق أنا معقودة بل مرتبطة بمواقف معينة، أو حتى – لا أدري أقرب الى ان اكون مرتبطة بها بطرق قد لا تكون مريحة».

فيما يلي عدد من قصائد ديوان «الحياة على المريخ».

[الحياة الطيبة

حين يتكلم بعض الناس عن المال

يتحدثون عنه كأنه معشوق غامض

ذهب ليشتري الحليب دون

ان يعود ابداً، وآه من المال يجعلني

أحن الى الأيام التي عشت فيها على القهوة والخبز،

جوعانة طوال الوقت، اسير على قدمي الى العمل

في يوم الدفع مثل امرأة تقوم برحلة لاحضار الماء

من قرية لا بئر فيها، والعيش من ثم ليلة أو اثنتين

مثل غيري على الدجاج المحمر والشراب المعتق.

[الطقس في الفضاء

أكينونة الرب أم القوة الخالصة الريح

أم ما يأمرها؟ حين تتهاوى حيواتنا

ويصبح بمقدورنا الامساك بكل ما نحبه، تراها

تنتشر بكل فوضوية في أحضاننا كدمية لعصابة ما

حين تقوم العاصفة بالرفس ولا يعود ثمة ما هو لنا

ننطلق لمطاردة كل ما نحن متأكدون في خسارته،

هو مشهد حي جداً – الوجوه تشع هلعاً.

[الضمير «هو» لغير العاقل وشركاه

نحن جزء منه، لسنا ضيوفاً فيه

هل هو نحن، أم أنه ما يحتوينا؟

كيف يمكن ان يكون اي شيء سوى فكرة،

شيء يلعب «الطالعة يا نازلة» على العمود الفقري

لرقم الحرف هاء (في كلمة هو)؟ أنيق هو

لكنه خجول. انه يتجنب الأطراف المتبلدة

لأصابعنا خلال استعمالها للاشارة

قصدنا كل الأمكنة بحثاً عنه:

في الأناجيل وفي اتساع الذبذبات، ينفتح

كما جرح في قعر المحيط.

ومع ذلك تراه يعارض مقولة الزائف مقابل الحقيقي

غير مقتنع بحماستنا، ليس بالامكان

تهدئته انه اشبه ببعض الروايات

شاسع هو ولا يمكن قراءته.

[يا الهي، انه مليء بالنجوم

نهوى التفكير فيه كشيء مواز لما تعرفه،

لكنه يتميز بأنه أكبر. رجل بمفرده ضد السلطات

أو أنه رجل واحد ضد مدينة من جماعة الزومبي. رجل واحد

واقعاً، هو ليس رجلاً، ارسل لفهم قافلة الرجال الذين يطارودونه الآن كالنمل الأحمر

الذي أطلق داخل سروال اميركا. رجل يهرول فارّاً.

رجل يسعى للحاق بسفينة، حمل مدفوع ثمنه برسم الاسقاط،

هذه الرسالة خارجة صوب كل الفضاء.. مع انها

قد تكون اشبه بالحياة تحت سطح البحر. صامتة

طافية، حميدة بشكل مستهجن، آثار

تصميم دارس، يروق للبعض تخيل

أماً كونية تراقب رشة من النجوم

نمتص أجل، ونحن ندبدب باتجاه النور

عاضين لها شفتها اذ نحن نتأرجح فوق حافة..

وفيما هي مشتاقة لدفعنا صوب ثديها، تأمل بكل الخير

فيما الوالد يقتحم الغرف المجاورة

متحدثاً بصمت «هلي أيتها المملكة«،

غير مكترث بعد الآن بما قد ينهشنا بين فكيه.

ما اراه أحياناً هو مكتبة ضمن مجتمع ريفي

كل الرفوف الطويلة موجودة في الغرفة المترامية.

واقلام الرصاص داخل كوب يدور ليقضمها كل

التعداد السكاني

عاشت الكتب ها هنا طوال الوقت، لتؤول

مرة لأسابيع معينة لشخص ما او لآخر ضمن

مسلسل العائلات متحدثة (معظم الأحيان ليلا)

الى وجه

الى زوج من العيون.. متحدثة عن اكثر الأكاذيب إثارة للاهتمام.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى