صفحات الناس

حكاية هشام السوري الذي تحدّى البحر وسبح إلى اليونان/ حنين عتيق

 

 

ترى ما الذي قاله للبحر؟ وبماذا أجابه البحر خلال ساعات السباحة الطويلة والمرعبة؟

هشام المعضماني، هذا الشاب السوري الذي كسرت الحرب في سورية حياته وشبابه، وأجبره تخلّي العالم كلّه عن السوريين، على قضاء ثلاث سنوات ونصف السنة نازحاً من بلد إلى آخر، قاطعاً أحد عشر بلداً قبل أن يصل إلى ألمانيا.

فمن سورية إلى لبنان ثم إلى مصر فتركيا ثم سورية فالأردن، بعدها إلى تركيا فاليونان ولاحقاً مقدونيا وصربيا ومنها إلى هنغاريا فالنمسا ليصل أخيرا إلى ألمانيا.

لكن ما لا يصدق في قصّة هشام وما يميّزها عن باقي قصص السوريين المهجّرين، هو التجربة القاسية والصعبة والخطرة جداً التي قام بها هشام كآخر محاولة للاستمرار على قيد الحياة. إذ كانت هذه هي المرّة الأولى التي يسبح فيها هشام كلّ هذه الساعات الطويلة، ولوحده، دون أيّ منقذ قريب أو ممكن.

مرّتين فقط نزل هشام قبل هذه التجربة إلى البحر، وكانت سباحة قصيرة، لكنّها هذه المرة كانت الخيار بين الموت والحياة. ثلاث سنوات ونصف السنة منذ نزح هشام من سورية، أنفق خلالها كلّ ما كان يملك من نقود وأحلام، وحين وصل إلى تركيا كان خاوياً تماماً إلا من تحدّيه العجز.

فقد كان من المستحيل أن يجمع النقود التي يريدها المهرّب كي ينقله مع الكثيرين على قارب مطاطي صغير.. لذا فقد وقف هشام على الشاطئ وخاطب الجزيرة اليونانية البعيدة قائلا: “سآتيك سباحة مهما كلّفني الأمر، لم يعد لديّ ما أخسره سوى البقاء على قيد الحياة، وماذا يعني البقاء على قيد الحياة بدون البقاء على قيد الأمل، قد يقتلني هنا الجوع والقهر والذلّ، لذا فلا بدّ أن أسبح”.

هكذا واجه هشام جبروت البحر وقوّته. البحر الذي ابتلع آلاف السوريين ولم يشبع، ترى هل كان هشام يخاطب البحر طيلة ساعات سباحته الطويلة؟ ويقنعه بأنّه يملك روحاً متحدية مثل روح الموج بالبحر، أم أنّه كان يحدّث البحر عن أجداده الفينيقيين، وأنّهم أوّل من روّضه، وأوّل من استطاع فهم لغة البحر العصية؟

هل قطع معه اتفاقاً بأنّه سيسبح بكلّ جهده وبدون تردّد شرط ألا يخذله. هل نفّذ البحر فعلا وعده؟ أم أنّه لا يمكن الوثوق بوعود الملح. أم أنّ هذا البحر قد اكتفى أخيراً من جثث الأطفال السوريين الذين لم يكونوا يتقنون السباحة؟ وقد أشبعت ملوحته من دموع أمهاتهم؟

لا نعرف ولن يعرف أحد حقيقة هذا الحوار وحقيقة التعب والخوف اللذين عرفهما هشام… لكن ما نعرفه أنّ قوّة الحياة وقوة التحدي التي في داخل هشام هي ما أنقذه. فللبحر وجه غير وجهه الأزرق الجميل، وجه كوجوه الطغاة لا يفهم إلا لغة التحدي والقوّة.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى