صفحات العالم

مقالات تناولت قضية توحيد المعارضة السورية


«ممثل شرعي وحيد» للمعارضة السورية… بعد الدوحة؟

جورج سمعان

«المجلس الوطني السوري» وكل أطياف المعارضة السورية التي تجتمع هذه الأيام في الدوحة أمام مفترق طرق مصيري. فإما أن تختار إعادة النظر في أسلوب عملها وخريطة تركيبتها وإما أن تواصل نهجها السابق الذي لم يثمر حتى الآن سوى مزيد من التشرذم والعجز عن مخاطبة العالم بلغة واحدة وعنوان واحد. ولا تعفيها هذه الردود الحادة على التصريح الأخير لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من مسؤوليتها التاريخية عن المسار الذي ستسلكه الثورة السورية بعد عشرين شهراً من الدم والدمار.

من حق «المجلس الوطني» بالتحديد أن يوجه نقداً لاذعاً إلى واشنطن. من حقه أن يأخذ عليها التلكؤ وغياب المبادرة بمساعدة الحراك الداخلي، وعدم الوقوف في وجه التصلب الروسي – الصيني والتدخل الإيراني الواسع إلى جانب النظام. ن حقه أن يأخذ عليها عدم إمداد المجموعات المسلحة بالعتاد اللازم لمواجهة آلة القتل والتدمير. لكن هذه الردود قد تشكل قراءة مبتورة لموقف كلينتون. لا تريد هذه أن تريح ضميرها بالتعبير صراحة عن رأيها في «المجلس»، وهي تودع بعد أيام موقعها على رأس الديبلوماسية. بل ربما سعت إلى إرشاد المعارضة السورية إلى طريق جديد سيسمح ربما بتسهيل أي تحرك قد تقدم عليه الإدارة الجديدة لباراك أوباما إذا قيضت له العودة إلى البيت الأبيض بعد أيام.

لا جدال في أن «المجلس الوطني» لا يتحمل وحده مسؤولية انتشار مجموعات «جهادية» متشددة بدأت تشوه صورة الحراك الداخلي بمقدار ما بدأت تزرع الشكوك والمخاوف في صفوف «أصدقاء سورية» من المرحلة المقبلة. في المقابل لا يمكن تحميل المجتمع الدولي مسؤولية انسداد الأفق في الأزمة السورية والمأزق الذي يعتريها. ولا حاجة إلى تعداد الأسباب التي حالت وتحول دون تدخل الولايات المتحدة وأوروبا عسكرياً لحسم القتال لمصلحة الحراك. فالأميركيون لم يتعافوا بعد من حرب العراق ولا يزالون يعانون في أفغانستان. ولا يبدي قادة البنتاغون تالياً استعداداً لفتح جبهة جديدة. كما أن التدخل في سورية محفوف بأخطار ليس أهمها تدخل إيران التي تستميت في التمسك بنظام الرئيس بشار الأسد. هنا ثمة بيئة عسكرية مختلفة، من الأسلحة الكيماوية إلى ترسانة الصواريخ إلى شبكة الرادارات. وليس سهلاً تحييد كل هذه الأهداف عن المواقع المدنية في أي تدخل لإقامة منطقة آمنة بعيدة من الغارات الجوية للنظام. فضلاً بالطبع عن تردد أوروبا ومخاوفها وعجزها الاقتصادي… وكلها عوامل سببت وتسبب في إطالة آلام السوريين.

اجتماعات قطر هذا الأسبوع فرصة ليعيد «المجلس الوطني» النظر ليس في توسيع مكوناته وانضمام قوى أخرى إلى صفوفه. ما قالته كلينتون عن «المجلس» لا يختلف كثيراً عما يقوله بعض مكوناته. صحيح أنه يمثل شرائح واسعة من السوريين، وربما كان الأكثر تمثيلاً. لكن هذا يعني أن هناك قوى لا تزال خارج هذه التركيبة، فما الضير في قيام «مجلس موقت» تتمثل فيه قوى «الوطني» وقوى أخرى، خصوصاً أولئك الذين يتحركون على الأرض في الداخل السوري، فضلاً عن قوى غادرت النظام عندما سنحت لها الفرصة؟ أليست هذه هي الصيغة التي يروج لها رياض سيف وهو عضو في «الوطني»؟

لا جدال في أن تركيا كانت لها اليد الطولى في قيام «المجلس الوطني» ورعايته، إلى جانب قطر التي تبدو أكثر داعميه مادياً وفق ما دلت أرقام موازنته المنشورة أخيراً. ولا جدال في أن هذه الرعاية راعت «الإخوان» أكبر المجموعات في داخله، لكنها في المقابل تركت حساسية لدى قوى أخرى داخله وخارجه. وقد تكون الصيغة التي حملها رياض سيف إلى لقاء عمان قبل يومين، وحملها قبل ذلك إلى واشنطن ولم تغب عنه باريس وعواصم أخرى، فرصة لقيام مجلس موقت يمثل نصفه أهل الخارج وعلى رأسهم «الوطني» والنصف الآخر يمثل قوى الحراك الداخلي.

صيغة إذا نجحت ستساعد بالتأكيد «أصدقاء سورية» وعلى رأسهم الإدارة الأميركية الجديدة على الاعتراف بالمجلس الجديد «ممثلاُ وحيداً». وهو ما يفتح الطريق لمحاصرة النظام وبعثاته الديبلوماسية في الخارج. ويدفع المجموعات المسلحة إلى توحيد قياداتها ومرجعياتها بعيداً من «القوى الجهادية»، لتكون مسؤولة عن أي سلاح قد يمدها به الخارج من أجل كسر هذا التوازن القائم حالياً. مثل هذه الخطوات سيساعد حتماً في تغيير مسار الحرب خصوصاً في شمال البلاد وشرقها. ويسهل قيام مناطق آمنة ينتقل إليها المجلس الموقت الذي يتردد أنه قد يضم خمسين شخصية: 15 منها لقوى الحراك الميداني، و15 لـ «المجلس الوطني» و20 لقوى وشخصيات معارضة في الداخل والخارج.

يمكن قطر التي لم تتوان عن دعم «المجلس الوطني» أن تدفع باتجاه إنجاح الصيغة التي يحملها ريـــاض سيف، إذا كانت باتت على اقتناع بأن التجربة الماضية لم تحقق المطلوب. ولا يبقى أمام تركيا التي رعت طويلاً التركيبة الحالية لـ «الوطني» سوى إعادة النظر في موقفها، خصوصاً أن الأشهر الطويلة أثبتت أن المجلس القائم لم يستطع جذب كثير من القوى والشخصيات والمجموعات التي لا تروق لها سيطرة الإسلاميين على تركيبته. كما أن تداعيات الأزمة السورية بدأت تلقي بظلالها وتداعياتها الثقيلة على الداخل التركي. وإضافة إلى التحرشات شبه اليومية على حدودها، عادت قضية «حزب العمال الكردستاني» تفرض نفسها على حكومة رجب طيب أردوغان.

وإذا كانـــت نار الحدود ومشاكل اللاجئين السوريين تجد لها مخارج، فإن القضية الكردية تشكل التحدي الأكبر لحزب العدالة والتنمية. وليس سهلاً أن تجد أنقرة نفسها تلجأ إلى تعزيز علاقاتها مع كردستان العراق، بعدما أقفلت في وجهها أبواب دمشق وبغداد. لكن الذهاب بعيداً نحو أربيل يبعدها أكثر عن حكومة نوري المالكي ويدفع هذه أكثر فأكثر نحو أحضان إيران. كما أن تعزيز العلاقات مع كردستان لا يقوي شوكة كرد العراق فحسب، بل ينعش آمالاً لم تكن يوماً دفينة لدى الكرد في تركيا وسورية أيضاً، لتراودهم نزعة الاستقلال وإن بحدوده الدنيا. وهو ما يهدد أحد أكبر الثوابت في السياسة التركية.

مثل هذه الحسابات الدقيقة يجب أن تشكل هاجساً لأنقرة لتمارس هي الأخرى دورها في دفع قوى «المجلس الوطني السوري»، ولا سيما منها «الإخوان» غير البعيدين عما يروج له رياض سيف، إلى التوافق على صيغة جامعة لكل معارضي نظام الأسد. ولا شك في أن أردوغان، مهما بلغت انتقاداته لإدارة أوباما وعدم مبادرتها حيال الأزمة السورية، يشارك واشنطن مخاوفها من تنامي ظاهرة التطرف في الحراك السوري. ويشاركها في الخوف الكبير من انهيار الدولة السورية وما يستتبع ذلك من انهيار المؤسسات وعلى رأسها العسكرية والأمنية، وانتشار السلاح في أيدي مجموعات لا سلطة لأحد عليها.

إن تصريحات هيلاري كلينتون تفترض قراءة أخرى، بعيداً من مسؤولية واشنطن والمجتمع الدولي عن التخاذل في دعم الحراك السوري. فالإدارة الأميركية لا يمكنها بعد الانتخابات الرئاسية مواصلة «النأي بالنفس» أو الاختباء وراء الفيتو الروسي – الصيني. لن تبدل موقفها الرافض التدخل العسكري، لكن دعوة وزيرة الخارجية إلى لم شمل كل القوى المعارضة ترسم طريقاً يؤدي إلى قيام «عنوان» واحد لجميع خصوم النظام. لعل ذلك يساهم في تبديد المخاوف من البديل المحتمل ويحدد بوضوح الجهة المسؤولة عن تلقي الدعم المالي والعسكري لاحقاً بما يقلب المعادلة القائمة التي تتيح للنظام السيطرة على الميدان عبر السيطرة على سماء البلاد.

تحرص واشنطن والعواصم الأوروبية الفاعلة على عدم تجاوز مجلس الأمن، لأسباب كثيرة تتعلق بحسابات ومصالح دولية لها علاقة بأقاليم أخرى وتفترض حداً أدنى من التفاهم بين الكبار. لذلك ليس أمام السوريين سوى رفع مظلة واحدة لكل أطياف المعارضة السياسية والعسكرية. وحدها هذه يمكنها أن تفرض واقعاً جديداً لا يضعف الموقف الروسي ويتجاوزه فحسب، بل يحرج المختبئين وراء ذرائع وحجج على رأسها تشتت المعارضة، ويفتح الباب أمام مساعدات تمهد تدريجاً لكسر ميزان القوى الداخلي على أرض المعركة.

وبمـــــا أن كل أطياف المعارضة يجمع بينها الرفــــض الصارم لأي حوار مع النظـــام والإصرار على رحيله، ألا يهون عليها تجاوز كل الاعتبارات الأخرى وملاقـــاة كلينتون إلى منتصف الطريق فلا تعود ثمة حاجـــة إلى سلوك طريق بات معروفاً أن موسكو تقفله لأسباب عدة على رأسها عدم تكريس مبدأ تدخل المؤسسات الدولية لتغيير الأنظمة؟ إن اجتماعات الدوحة هذا الأسبوع توفر فرصة ثمينة وربما أخيرة لتغيير مسار الأزمة السورية وقلب المعادلات التي حكمتها حتى الآن، فهل تترفع جميع المعارضات عن حساباتها الخاصة والضيقة لمصلحة الحراك والحراك وحده؟

الحياة

مصلحة السوريين بتفعيل المعارضة سياسياً وعسكرياً

عبدالوهاب بدرخان *

في العشية المباشرة للانتخابات الاميركية كانت الصورة في أذهان المتابعين لمسار الأزمة الســورية متأرجــحة بين غمــوض ووضــوح. والذين استمعوا الى تصريحــات الوزيــرة هيــلاري كلينــتون عن حضّ المعارضة السورية على احتواء التطرف، خصوصاً «الجهادي»، المستشري على جوانبها، وعن ضرورة تجاوز «المجلس الوطني الــسوري» مصلــحة اطار جديد للمعــارضة، افترضوا أن «ما بعد» الانتخابات بدأ فعلاً وأن واشـــنطن توشــك على «قيادة» المرحلة المقبلة بخيارات واضحة، وهو ما يتطلّع اليه «أصدقاء الشــعب الســوري» الذين أرهقـــهم انتظار حملة باراك اوباما وإحجام ادارته عن أي مبادرة، والحــظر الذي فرضته عليهم خصــوصاً بالنسبة الى توفير أسلـــحة متطورة لـ «الجيش السوري الحر». لكن كلام كلينتون فاجأ عواصم «الأصدقاء» بمقدار ما فاجأ «المجلس الوطني» وأطياف المعارضة كافة، سواء بلهجته أو بالانطباع العام الذي أشــاعه، اذ بدا كما لو أنه يملي على المعارضة ما يتــوجّب عمله من دون أن يوضح في المقابل ما هي المساهمة التي قررت الولايات المتحدة تقديمها لتغــيير مسار الأزمة باتجاه الهدف المعلن: انهاء نظام بشار الأسد.

وعندما اضطرت الخارجية الاميركية لإيضاح أن واشنطن «لا تفرض رأيها» على المعارضة، تأكد خطأ كلينتون ليس فقط في الدعوة الى تجاوز «المجلس الوطني» قبل أيام معدودة من مؤتمره في الدوحة لتوسيع تمثيله، بل أيضاً في الايحاء وكأن «هيئة المبادرة الوطنية السورية» التي اقترحها المعارض رياض سيف من صنع اميركي، وهي ليست كذلك عملياً بل ثمرة نقاش مستفيض في لجنة المتابعة السورية لأعمال لقاء المعارضة مطلع تموز (يوليو) الماضي في مقر الجامعة العربية، وهو نقاش واكبه ممثلون للدول الأساسية في «مجموعة الأصدقاء»، ومنها اميركا في طبيعة الحال. ولم يكن سرّاً أن لهذه الدول تقويمات متفاوتة لـ «المجلس»، وأنها أبدت منذ فترة طويلة اقتناعاً بضرورة بلورة قيادة موحدة تستفيد من الطاقة التمثيلية لـ «المجلس» وتستطيع أن تدير شؤون الثورة في الداخل وأن توفر ثانياً البديل من النظام.

وطوال الوقت كانت عيون الاميركيين مركّزة على حتمية توحيد العسكريين المنشقّين وعلى ظواهر التطرف التي رأوا أنها تكاثرت من دون أن تكون للمعارضة ارادة في ذلك، اذ إن بعضاً منها هو افرازات النظام الذي لا يكفّ عن تسليط الأضواء عليها لإخافة الغرب ولشراء مبررات لادعائه «محاربة الارهاب».

كانت دول «مجموعة الأصدقاء» رحّبت بـ «المجلس الوطني» منذ ولادته في تركيا باعتباره أول كيان معارض يتبنى الحراك الثوري ضد النظام وراهنت عليه لكنها حتى بعد توسيعه لا تجد أنه شكّل قيادة مرتبطة عضوياً بالداخل، وحجّتها في ذلك أن معظم قادة «المجلس» من معارضة الخارج وليسوا هم من يقودون الحراك الثوري في الداخل ولم يتمكّنوا من إيجاد لُحمة مع قادة العمل العسكري. يجدر القول إن هذه الدول لم تكن بدورها تعرف الواقع السوري بدقة، إلا أنها طوّرت اطلاعها عليه خلال العام الذي انقضى، ما مكّنها في سعيها الى تفعيل عمل المعارضة من رسم أهداف محددة: وجوب توحيد هذه المعارضة أقلّه في الرؤى السياسية، وضرورة توحيد العمل العسكري لضبط عمليات التسليح ولضمان السيطرة على الوضع في حال الانهيار المفاجئ للنظام، احتواء الجماعات المتطرفة والمنفلتة، وإدارة الشؤون الانسانية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، فضلاً عن الإعداد لما بعد نظام الأسد…

وباستثناء انتشار ظواهر التطرف الذي ينذر بنشوء حالات افغانية وعراقية ويلعب فيه النظام دوراً عبثياً بالنظر الى خبرته في صنع الجماعات الارهابية وتوجيهها، فإن خطوات كثيرة تمّت لتلبية الأهداف الاخرى. فمن جهة، أمكن ايجاد بداية معقولة لتوحيد المجالس العسكرية، وأُعدت الخطط لإنشاء منطقتين آمنتين في الشمال والجنوب، كما وضعت ورشات عمل عدة أطراً لمتطلبات المرحلة الانتقالية أو ما سمّي «اليوم التالي» وأُجريت لقاءات تنسيقية للجان المدنية المحلية.

وإذ كان مفهوماً أن يكون هناك جانب استـــخباري قامت به الدول المعنية بوسائلها الخاصة وبالتنسيق مع قادة ميدانيين، فإن العمليات الاخرى أُجريت بمشاركة من ممثلين لـ «المجلس الوطني» لكن من دون التنسيق معه. من جهة ثانية، ازدادت القوى الخارجية اقتناعاً مع الوقت بأن ثمة حاجة الى «قيادة» للمعارضة وإلى «حكومة انتقالية» تشرف على تنسيق الجهود السياسية والعسكرية ويمكن دول «مجموعة الأصدقاء» أن تعترف بها وتعمل معها ومن خلالها، لكنها ازدادت اقتناعاً أيضاً بأنه يصعب التوصل الى القيادة والحكومة هاتين بالاعتماد على السوريين وحدهم، تحديداً على «المجلس الوطني»، لأن انقساماتهم بدت دائماً عقدة كأداء ولا حلّ لها.

هذا لم يمنع أن يطرح مشروع «هيئة المبادرة الوطنية» معارضٌ منتمٍ الى «المجلس»، كما لا ينفي أن المشروع ولد في حوارات شارك فيها سوريون من مختلف الانتماءات، ومن بينهم سياسيون وديبلوماسيون منشقّون لم يسعَ «المجلس» الى استقطابهم على رغم أن القوى الخارجية اهتمّت بخبراتهم من العمل في الدولة وبمعرفتهم بدواخل النظام. كان لا بدّ لتلك الحوارات من أن تأخذ في اعتبارها الشروط التي وضعتها دول «الأصدقاء» للمساهمة في عملية تغيير النظام. وبدهي أن المعارضة لا تستطيع تحقيق طموحها هذا من دون المساعدة الخارجية. في المقابل، وعلى رغم الشروط، وجدت تلك الدول أيضاً أن التطورات على الأرض تسبقها وتفرض حقائق لا يمكن تجاوزها، خصوصاً بإضعافها سيطرة النظام على مساحات كبيرة وإنْ كان لا يزال قادراً على القتل والتدمير وارتكاب المجازر.

والأهم أن هذه التطورات أدّت أيضاً الى إضعاف احتمالات «الحل السياسي» وتبلبل سيناريواته السابقة التي تداولتها العواصم الدولية كافة، وبالأخص واشنطن وموسكو.

قد يجوز نقد المشروع «هيئة المبادرة» بأنه يقترح بداية جديدة للمعارضة وكأنه لم يبنِ شيئاً خلال عام ونصف العام، وقد يقال أيضاً إنه يلبي مصالح الدول الغربية. وأياً تكن الصيغة التي يُتفق عليها لتطبيقه، فإنه ينطلق في الواقع مما حققه الحراك الثوري بوجهيه السلمي والعسكري، ويرمي الى فتح الآفاق المتاحة لاستثماره والافادة منه لتلبية المصلحة الملحّة للسوريين. كما أنه يضع القوى الخارجية على محك تنفيذ التزاماتها الكلامية. فثمة مصلحة في أن يكون الجهد العسكري ولو بموارد محدودة موحداً ومنظماً وفاعلاً، واذا توحّد وانتظم واكتسب صدقية، يمكن مدّه بأسلحة أكثر تطوراً. وثمة مصلحة أيضاً في انتظام العمل السياسي على قاعدة الاعتراف بأن المرحلة المقبلة تتطلب تضافر كل الجهود، بما في ذلك مساهمة المنشقّين، وإلا فلماذا حُضّوا على الانشقاق ولماذا عزلهم اذا لم يكونوا من رموز الفساد وأيديهم ملوثة بالدم.

وعندما يطرح المشروع إنشاء أربعة أجسام (هيئة المبادرة، مجلس عسكري، لجنة قضائية لمحاسبة المسؤولين عن إراقة الدماء، وحكومة موقتة)، فإنه يمضي أبعد من مجرد رسم «خريطة طريق» للمعارضة الى وضع آليات للعمل.

ولذلك، فإن التأييد الغربي له أثار قلق روسيا التي تقرأ فيه أن التصور الذي تقترحه لـ «الحل السياسي» لم يعد مؤهلاً للتداول، خصوصاً أن المشروع يقول بوضوح حاسم إن «الحل السياسي لا يبدأ إلا بتنحية بشار الأسد ورموز السلطة وضمان محاسبة المسؤولين منهم عن دماء السوريين»، وليس في المعارضة من يمكن أن يساوم على هذا الشرط، حتى لو مارست القوى الخارجية عليها ضغوطاً.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

شدّ عصب المعارضة السورية تنظيمياً وميدانياً

الرهان البديل من ديبلوماسية الخلافات

    روزانا بومنصف

تنقل مصادر سياسية التقت وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو خلال زيارته لبيروت ان الخلاف لا يزال قائما مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي زار كلا من مصر والاردن مطلع هذا الاسبوع حول سبل ايجاد حل للحرب في سوريا. فالديبلوماسي الروسي وفق ما لاحظت المصادر المعنية سعى الى ابداء بعض المرونة في موقف بلاده واظهار مسعى للتقارب مع الدول العربية ورأب الصدع مع هذه الدول حول مصير النظام السوري. فاعلن وفق ما رأت هذه المصادر مجموعة امور تصب في هذا الاطار من بينها ان موسكو لا تخطط لتوقيع عقود تسليح جديدة مع دمشق بعد الانتهاء من تنفيذ العقود القديمة. كما رأى وجوب ان تأخذ الدول العربية زمام المبادرة في ايجاد حل للحرب في سوريا معربا عن تشجيعه لمبادرة الرئيس المصري محمد مرسي في لجنة تضم مصر وتركيا والمملكة العربية السعودية وايران والتي اجتمعت بكامل اعضائها مرة واحدة يتيمة واجتمعت مرة ثانية بمقاطعة سعودية. ذلك علما ان لافروف يعلم جيدا ان موقف الرئيس المصري مما يجري في سوريا يتناقض والموقف الروسي اذ اعلن مرسي موقفا قاسيا وواضحا في اتجاه الطلب من الرئيس السوري بشار الاسد بالتنحي في قمة دول عدم الانحياز في طهران كما امام الجامعة العربية وامام الاتحاد الاوروبي ايضا. كما ان لافروف التقى رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب في عمان سعيا الى ابراز انفتاح موسكو على وجهات النظر المختلفة في سوريا. الا ان لافروف لم يلبث ان اعلن في ختام زيارتيه العربيتين” اننا لا نريد ان نغير موقفنا من الملف السوري ولا ندعم المواقف المطالبة بتنحي الاسد قبل اي حوار “في ما بدا ردا مسبقا على اجتماع لافرقاء المعارضة السورية في الدوحة وسط جهود دولية واقليمية وعربية واضحة من اجل توحيد المعارضة اعربت موسكو بوضوح عن رفضها له واعتراضها عليه كما حدد نقاط الخلاف بين روسيا والدول العربية والتي لم تستطع الزيارة ازالتها مصرا على اعلان زيارة وفد من المعارضة الى موسكو كدليل على انفتاح روسيا على الطرفين السوريين المتنازعين ودحضا لما تعتبره دول عدة دعما روسيا للنظام السوري ساهم حتى الان في استمراره خصوصا نتيجة ثلاث فيتوات من روسيا والصين ضد اي قرار حاسم في مجلس الامن الدولي. الامر الذي عزز ما فهمته المصادر السياسية من وزير الخارجية المصري عن عدم ردم زيارة لافروف الهوة بين روسيا والدول العربية في انتظار ما ستسفر عنه الجلسة الثانية للحوار الاستراتيجي بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي التي ستعقد في الرياض يوم الاربعاء المقبل في الرابع عشر من الشهر الجاري والتي ستتناول العلاقات المشتركة على الصعيدين الاقتصادي والتجاري في الدرجة الاولى وكذلك طبيعة ما ستكون عليه اللقاءات المرتقبة لوزير الخارجية الروسي مع وزراء الخارجية العرب والمسؤولين السعوديين حول الموضوع السوري ايضا.

ومع ان المصادرالسياسية المعنية شأنها شأن اوساط عدة خارجية باتت تتطلع الى الادارة الاميركية بعد فوز الرئيس الاميركي باراك اوباما بولاية ثانية من اجل انخراط اميركي اكبر في الموضوع السوري وفق ما طالب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الرئيس الاميركي المنتخب لولاية ثانية في رسالة تهنئته، فان بعض المعلومات تحدث عن رهان على عاملين: احدهما هو توحيد المعارضة في هيئة متماسكة ومنسجمة قادرة على ان تكون البديل من النظام السوري وتنظيم قيادتها للمناطق التي باتت خارج سيطرة النظام وفق ما جرت الاجتماعات المتتالية هذا الاسبوع في الدوحة في حضور مسؤولين اقليميين ودوليين بارزين من رعاة هذا التوحيد. وهي خطوة تشكل بديلا نوعيا من مجموعة اصدقاء سوريا التي كانت تعقد في الاشهر الماضية بعدد اكبر من الدول الداعمة للمعارضة التي لم تتوحد حتى الان. والعامل الاخر هو التقدم على الارض الذي تحقق بحيث بات مسلما به حتى من جانب حلفاء النظام بان مناطق الريف السوري وقراه لم تعد خاضعة لسيطرة النظام وقواته في اي شكل من الاشكال وتاليا فان عدم امساكه بالارض في اجزاء كبيرة من سوريا بات يلعب ضده مع عوامل اخرى تساهم في المزيد من اضعافه. ويتم الرهان على ان يصب هذان العاملان في تقوية موقف المعارضة وشد عصبها من اجل فرض شروطها والضغط على الرئيس السوري من اجل القبول باجراء حوار. اذ حتى الان يرفض الاسد الحوار على قاعدة رفض اعترافه بالمعارضة واصراره على وصف هذه الاخيرة ووصمها بالارهاب او هو يعرض حواراً على طريقته اي حواراً شكلياً يفتقر الى اي مضمون اوالى تقديم اي تنازلات جدية تساهم في الوصول الى حل سياسي. في حين ان توحيد المعارضة على نحو يساهم في تقويتها وتوسيع تمثيلها وحتى تحسين شروطها من شأنه ان يضيق الهامش امامه مع اعتراف خارجي بهذه المعارضة بالتزامن مع مكاسب على الارض باتت تضيق عليه حتى في قلب العاصمة السورية وفق ما شهدت الايام القليلة الماضية بما يمكن المعارضة من ان تفرض شروطها عليه في الوقت الملائم في ضوء ميزان قوة مختلف بحيث يقبل بحل سياسي رفض مبدأه ومندرجاته حتى الان.

النهار

لماذا توحيد المعارضة السورية الآن؟

د. عصام نعمان

المعارضة السورية مشرذمة. هي كذلك مذّ وُلدت. محاولات عدة جرت لتوحيدها. دول وقيادات عربية وغير عربية جرّبت لكن دونما طائل.

اليوم تحاول الولايات المتحدة تحقيق الغاية المرتجاة في مقاربة مغايرة. ذلك ان التوحيد وحده لا يكفي. يجب ان يقترن، في رأيها، بشروط اخرى اهمها توسيع قاعدة التمثيل وإقصاء العناصر المتطرفة.

ماذا تبتغي واشنطن من وراء توحيد المعارضة اليوم؟ الجواب في تصريحات هيلاري كلينتون منتصفَ الاسبوع الماضي. قالت ‘إنه لم يعد من الممكن النظر الى ‘المجلس الوطني السوري’ على انه القائد المرئي للمعارضة’. اضافت ان اركان المجلس ‘لم يدخلوا الى سوريا منذ 20 و30 و40 سنة. هناك حاجة الى وجود بنية للمعارضة تمثل كل السوريين وتحميهم’.

النقص في التمثيل عيب قديم. لكن، ممن يُراد للمعارضة ان تحمي؟

كلينتون تريد من المعارضة ‘ان تقاوم بشكــــل اقوى محـــاولات المتطرفين الذين يتوجهون الى سوريا ويعملون على تحويل مسار ما كان حتى الآن ثورة مشروعة ضد نظام قمعي لصالحهم’.

المتطرفون، في مفهوم كلينتون، هم ‘الإسلاميون الجهاديون’ الذين تعتبرهم اميركا ارهابيين يعادونها كما يعادون القوى الليبرالية والعلمانية التي يتشكّل منها نحو نصف أعضاء ‘المجلس الوطني السوري’. ابرز المتطرفين ‘جبهة النصرة’ الموالية لتنظيم ‘القاعدة’. هي ترفض التعاون مع ‘الجيش السوري الحر’ رغم صدور فتاوى عدة من منظّري التيار الجهادي تشيد بالجيش المذكور. ولعل اكثر ما اخاف واشنطن واقلقها نداء زعيم ‘القاعدة’ ايمن الظواهري الاخير ودعوته المجموعات السلفية للتوجه الى سوريا والجهاد بالسلاح في ساحاتها. عقب هذا النداء، جرى تخريج تنظيمات عسكرية سلفية جديدة مثل ‘لواء الإسلام’ و’احفاد الرسول’ وغيرها.

واشنطن استشعرت منذ اشهر تصاعد نشاط المجموعات السلفية المتطرفة من جهة وقصور ‘المجلس الوطني السوري’ من جهة اخرى ما حَمَل سفيرها ‘السابق’ في دمشق روبرت فورد (الذي يمثلها في مؤتمر فصائل المعارضة المنعقد في الدوحة) الى إجراء اتصالات واسعة مع مختلف اوساط المعارضة، الداخلية والخارجية، من اجل تظهير اولويات واشنطن الراهنة بما هي توحيد المعارضة في الداخل ودعمها في التصدي للتيارات ‘الجهادية’ والإسلامية المتطرفة، وتحديداً تلك التي قدمت الى سوريا من الخارج .

في هذا الاطار، نشطت واشنطن من اجل عقد مؤتمر فصائل المعارضة السورية في الدوحة الذي يشارك فيه، الى قطر، ممثلون لفرنسا وتركيا والسعودية وبريطانيا وجامعة الدول العربية. ويتضح من تقرير نشرته مجلة ‘فورن بوليسي’ الاميركية ان واشنطن تسعى الى اقامة هيئة قيادية للمعارضة السورية تتمثل فيها قوى المعارضة في الداخل والخارج، الاحزاب المدنية كما المجموعات المسلحة، الفصائل المعبّرة عن اهل السنّة كما المجموعات والشخصيات المعبّرة عن الاقليات جميعاً، ولاسيما عن العلويين والاكراد. وقد تَرَدَدَ ان حصة ‘المجلس الوطني السوري’ في الهيئة القيادية لن تكون اكثر من 15 من اصل 50 مقعداً. غير ان المجلس رفض اي إطار بديل منه .

ماذا عن الفصائل الاخرى؟

لا مانع من تمثيلها جميعاً، بما فيها الفصائل الإسلامية ‘المعتدلة’ كالأخوان المسلمين، لكن بإستثناء المجموعات السلفية المتطرفة ذات الصلـة بتنظيم ‘القاعدة’. الى ذلك، وضعت واشنطن شرطين اضافيين لتمثيل قوى المعارضة: إقصاء المتطرفين حتى لو كانوا من غير الإسلاميين، وتعهّد الاطراف الممثَلين في الهيئة القيادية مسبقاً بالحوار والتفاوض مع اهل النظام.

هل توحي هذه الترتيبات بأن واشنطن تخطط لتنظيم جولة مفاوضات قريبة بين الاطراف المتصارعين؟

لا تبدو واشنطن مستعجلة في هذا المجال وإن كان مجمل تحركاتها يوحي بأنها لم تعد تعوّل، بعد نحو عشرين شهر من الصراع الدموي، على قدرة المعارضة المسلحة على هزيمة النظام والحلول محله. ثم انها تريد، قبل مباشرة المفاوضات، ان تتوصل مع اطراف عربية ودولية ذات صلة حميمة بالصراع، الى اطارٍ للمفاوضات، وربما قبل ذلك، الى تفاهم معها حول قضايا اخرى ساخنة كالبرنامج النووي الإيراني والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي .

في ضوء هذه المعطيات، تركّز واشنطن في الوقت الحاضر على مهمات محددة للهيئة القيادية العتيدة :

أولاها، التصدي للتيارات ‘الجهادية’ والإسلامية المتطرفة، وتعميق التعاون مع الاقليات عموماً والعلويين والاكراد والمسيحيين خصوصاً.

ثانيتها، مضاعفة الضغوط على النظام من اجل ضمان وجود ‘مناطق محررة’ خارجة عن سيطرته .

ثالثتها، تعيين مسؤولين من قبل المعارضة لتأمين ادارة مدنية فاعلة في ‘المناطق المحررة’ ما يضفي عليها جدية وصدقية في مواجهة النظام .

رابعتها، التنسيق مع الدول التي تضــــمها مجمــــوعة ‘اصدقاء الشعب السوري’ والمنـــظمات الدولـــية مثل الامم المتحدة وجامعة الدول العربية في توزيع المساعدات الإنسانية والتقنية.

خامستها، تطوير البنية القيادية الجديدة الى ‘حكومة منفى’.

غير ان خبراء في الشأن السوري لدى ‘معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى’ وآخرين في صحيفة ‘واشنطن بوست’ اعربوا عن شكوكهم في ان تلعب المعارضة السورية المشرذمة دوراً في الوحدة الوطنية المطلوبة. يرجّحون ان الخطة التي تعتمدها واشنطن لتوحيد المعارضة ‘وضعت الاساس لإعتراف دولي بحكومة المعارضة’ في المستقبل. غير ان مسؤولاً اميركياً رفيع المستوى اعتبر ان هذه الخطوة ما زالت بعيدة عن التنفيذ على ارض الواقع، ووصف وظيفة القيادة الجديدة بأنها لبناء ‘صدقية اساسية’ بين المعارضة ومؤيدي النظام السوري .

الى ذلك، يستبعد قياديون في المعارضة السياسية ان تتوصل اطرافها وفصائلها بسهولة الى صيغة توحيدية. كما إنهم يستبعدون ما تردد حول ان النائب السابق رياض سيف او ان رئيس الوزراء السابق رياض حجاب سيترأس ‘حكومة المنفى’ العتيدة. غير انهم لم يستبعدوا ان تُسند اليهما مهمات تفاوضية اذا قيّض للمفاوضات ان تنطلق في يوم من الايام .

ثمة اعتباران آخران يقتضي وضعهما في الحسبان. فقيادة الجيش السوري ترفض رفضاً باتاً التفاوض مع ضباط منشقين او فارين حتى لو كانوا مكلفين من قبل الهيئة القيادية بتمثيل المعارضة في المفاوضات. ذلك يتطلب حلاً او تسوية ربما تكون في تمثيل ‘الجيش الحر’ في الهيئة القيادية على ان تُسنِد تمثيلها في المفاوضات الى قياديين سياسيين لا صلة تنظيمية لهم بالقوات المسلحة .

ثم، هناك مسألة اخرى بالغة الاهمية هي ما اذا كانت المفاوضات ستجري اصلاً. ذلك ان دولاً عربية عدة تدعم المعارضة السورية بالمال والسلاح لم يصدر عنها، سراً او علناً، ما يشير الى انها وافقت او ستوافق على وقف الضغط على النظام السوري. بالعكس، ثمة ما يشير الى ان هذه الدول، واطرافاً اقليمية اخرى، ما زالت منخرطة في سياسة الضغط على النظام من جهة، وعدم القبول بمحاورته او مفاوضته من جهة اخرى قبل التوصل مع ايران الى تسوية بشأن برنامجها النووي.

كل ذلك يطرح من جديد سؤالاً ساذجاً:

‘ كاتب لبناني

القدس العربي

حكومة المنفى السورية

عبد الباري عطوان

هذا الحراك غير المسبوق على صعيد ملف الأزمة السورية الذي نرى إرهاصاته في اكثر من مكان، وفي اكثر من شكل، لا يمكن الا ان يتأتى في اطار وجود ‘مشروع ما’ جرى التحضير له في غرف مغلقة لتحقيق احد هدفين، الاول: اسقاط النظام بالقوة العسكرية، داخلية (المعارضة المسلحة)، او خارجية (التدخل العسكري). الثاني: هو التفاوض معه من اجل التوصل الى حل سياسي.

هناك مؤشران فيما يتعلق بالهدف الاول لا بدّ من التوقف عندهما، ومؤشر ثالث يمكن من خلاله ترجيح الهدف الثاني.

نشرح اكثر ونقول ان التصريحات التي ادلى بها ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا وقال فيها ان بلاده تدرس تسليح الثوار في سورية بصورة مباشرة، واهمية هذا التحول الخطير في الموقف البريطاني تنبع من كون رئيس وزرائها لا ينطق عن هوى، وغالبا ما يردد، او يمهّد، لموقف امريكي في هذا الصدد.

واذا ربطنا هذه التصريحات بعودة الحديث بقوة عن اقامة مناطق آمنة في شمالي سورية، حيث يسيطر الجيش السوري الحر، والجماعات الجهادية على مدن وارياف ومعابر حدودية، فإن الصورة تبدو اكثر وضوحا.

الاجتماعات المكثفة للمعارضات السورية التي تحتضنها الدوحة هذه الايام، تنفيذا لاقتراحات السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية، وبعض القوى الاقليمية، لتكوين جسم جديد جامع يمثل الداخل والخارج، ربما يكون بهدف التفاوض على حل سياسي مستقبلا اكد عليه المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي.

اللافت ان التيار الثالث الذي يتمتع بوجود قوي على الارض، ونعني بذلك الجماعات الجهادية المتشددة، غير ممثل في اجتماعات الدوحة، الأمر الذي سيثير العديد من علامات الاستفهام حول مدى التزام هذا التيار بأي اتفاقات او هياكل جديدة للمعارضة ومبادراتها.

‘ ‘ ‘

مهمة توحيد فصائل المعارضة قد تكون اصعب من اطاحة النظام في دمشق، فمعظم المشاركين يعتقدون انهم الأكثر تأهيلا واستحقاقا للقيادة من غيرهم ، وهذا ما يفسر ‘حرب المبادرات’ التي اشتعل فتيلها يوم امس في اروقة فندق الشيراتون في الدوحة، ويحاول اطفاءها المستر روبرت فورد، السفير الامريكي السابق في سورية، الذي يعتقد البعض انه يلعب دورا مماثلا لدور الجنرال بول بريمر الحاكم العسكري الامريكي الاول للعراق في ايام الاحتلال الاولى.

القوى الدولية والإقليمية الداعمة للمعارضة تريد حكومة منفى تضم كفاءات سورية، وتشكل قاعدة تمثيلية واسعة، لتولي السلطة فور سقوط النظام على غرار ما حدث في ليبيا، ولكن التجربة الليبية ليست وردية تماما، فبعد عام على سقوط نظام العقيد القذافي وقتل زعيمه، ما زالت الاوضاع متوترة على الارض بسبب غياب المصالحة الوطنية، وتفاقم الصراعات القبلية والمناطقية،واستفحال قوة الميليشيات المسلحة.

ومن هنا فإن السؤال الأهم سيظل حول مدى قدرة الكيان السوري الجديد الذي تتبلور ملامحه في الدوحة، على السيطرة على الاوضاع على الارض في سورية، خاصة الكتائب المسلحة، ناهيك عن الجماعات الجهادية، وفرض الانضباط عليها، والالتزام بتعليمات القيادة السياسية الجديدة.

صحيفة ‘نيويورك تايمز’ الامريكية نشرت تقريرا مرعبا في عددها الصادر امس عن ‘تجاوزات’ التنظيمات المسلحة في المناطق ‘المحررة’ مثل الإعدامات الميدانية للجنود الاسرى بدم بارد، وتنامي حالة من خيبة الأمل في اوساط قطاعات من الشعب السوري المؤيد للثورة المسلحة، بسبب هذه التجاوزات الموثقة بالصوت والصورة.

تقرير الصحيفة المذكور وما تضمنه من معلومات حول التعذيب والإهانات والإعدامات لا يمكن ان يكتب مثله اشهر كتّاب النظام السوري واكثرهم قدرة على الفبركة وتشويه الحقائق، ولا نعتقد ان صحيفة ‘نيويورك تايمز’ موالية للنظام او بوق من ابواقه.

‘ابو احمد’ احد مواطني مدينة معرة النعمان قال للصحيفة ‘ان متحف الموزاييك تعرض للنهب اولا من قوات النظام، ثم بعد ذلك من قبل الجنود المتمردين’ وكأنه يريد ان يقول ان لا فرق كبير بين الطرفين.

‘ ‘ ‘

الأزمة السورية وبعد عشـــرين شهرا تـــــزداد تعقــــيدا، وتغرق اكثر فأكثر في الحلول العسكرية من قــــبل الطرفــين المتحاربين على الارض، وان كان وصول التفجيرات الى قلب دمشق، والقصف الى القصر الجمهوري وحي المزّة الراقي، لا يحمل فألا طيبا للنظام.

عندما يقول الرئيس بشار الاسد انه ليس دمية وانه صنيعة سورية، وسيعيش ويموت في سورية، وعندما يقول المتحدثون باسم المعارضة انهم لن يتفاوضوا مع نظام ملطخة يداه بدماء الشعب السوري، فإن علينا ان لا نتوقع نهاية قريبة لسفك الدماء، ونتيقن ان هذه الأزمة ستطول.

ربما تنجح اجتماعات الدوحة في تحقيق اهدافها في تشكيل حكومة المنفى برئاسة رياض سيف او غيره، بفعل الضغوطات الامريكية والخليجية على فصائل المعارضة، ولكن اي سورية ستحكمها هذه الحكومة اذا ما وصلت فعلا الى السلطة، وكيف ستكون هويتها الجغرافية والبشرية ونسيجها الاجتماعي، ثم كيف سيكون الوصول الى السلطة،عبر التدخل ام التسليح الخارجي، وما هو المقابل؟

لا نعتقد ان احدا يملك الإجابة على هذه التساؤلات، او يريد التفكير فيها في الاساس، فإذا كانت السيدة كلينتون اكتشفت وبعد عشرين شهرا ان قيادات المجلس الوطني السوري تعيش في المنفى ولا تعرف البلاد منذ اربعين عاما، فهل ستملك إجابات كهذه؟ نشك في ذلك كثيرا.

القدس العربي

المعارضة السورية تعارض نفسها!

عماد الدين أديب

في يقيني أن المعارضة السورية ليست على مستوى الحدث والأخطار الجسيمة التي تعيشها البلاد. وفي يقيني أيضا أن سوء إدارة أقطاب المعارضة لملف إسقاط النظام الأسدي سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا هو أحد أسباب قوة نظام بشار الأسد وأحد العناصر المهمة في إطالة أمد هذا النظام الدموي.

المعارضة القوية المنظمة قادرة على زلزلة أركان أي نظام استبدادي، أما المعارضة المتفرقة المتناحرة فهي أفضل ما يتمناه الطاغية.

إن أزمة المعارضة السورية، في مجملها، أنها معارضة ذات علاقات ممتدة بقوى إقليمية أو دولية تقوم برعايتها سياسيا وماليا وتسليحيا. هذه الرعاية هي «نقطة التمكن» في سيادة وسلامة قرار المعارضة السوري.

في الحالة السورية نحن إزاء وضع تشترك فيه أجهزة استخبارات عشر دول إقليمية جارة أو بعيدة أو دولية ذات مصالح متشابكة داخل هذا الصراع. كل طرف له امتداده الخارجي، والقوى الخارجية قررت ألا تتفق، وقررت أن تمارس صراع الإرادات لديها من خلال أقطاب المعارضة.

أزمة أي معارضة، خاصة إذا كانت في المنفى الإجباري أو بحاجة إلى تمويل للإعاشة والتسليح، أنها تقع تحت نفوذ أو سيطرة من يدفع. وأخطر ما يواجه المعارضة السورية هذه الأيام هو حالة الانقسام، وتفتت التيارات المختلفة إزاء بعضها البعض، وعدم وجود تصور واضح لسوريا ما بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وإذا استمر الحال على ما هو عليه فإنني أعتقد أن الجهود التي تبذلها أنقرة من ناحية، والدوحة من ناحية أخرى، ستكون في خطر شديد. تسعى الدوحة وأنقرة إلى توحيد رؤية الفصائل المنقسمة على نفسها، وإيجاد صيغة تربط معارضة الداخل بالخارج، ومعارضة الدبلوماسية بمعارضة البندقية. وتسعى الدوحة وأنقرة إلى ربط التيارات الإسلامية بانقساماتها المختلفة مع بعضها البعض، وربط كل هذه التيارات بالمعارضة المدنية غير الدينية.

كل هذه الأمور هي إشكاليات معقدة وصعبة داخل الملف السوري. وفي يقيني أن محاولة الخروج بحكومة منفى خلال هذه الساعات، في اجتماعات الدوحة التي بدأت عشية أول من أمس في العاصمة القطرية، والتي تضم أكبر تجمع لأقطاب المعارضة، لن تكون الحل النهائي أو الدواء الشافي لأزمة هذه التيارات. المشكلة ليست في الإطار أو الشكل السياسي، ولكن في النوايا والاتجاهات والأفعال لفصائل المعارضة.

ويصبح مقياس الحكم على هذه الفصائل هو هل هي «فصائل قطاع خاص» تعمل لصالح القوى التي تدعمها، أم هي من ذلك النوع الذي يضع المصلحة العليا فوق كل اعتبار في زمن التطهير العرقي والمجازر الدموية؟!

هذا هو السؤال.. وتلك هي المسألة.

نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية

المجلس الوطني السوري أمام امتحان استقلال الإرادة

د. بشير موسى نافع

بدأ، في الرابع من هذا الشهر، اللقاء المرتقب للمجلس الوطني السوري، الإطار الأوسع لقوى المعارضة والثورة، في العاصمة القطرية؛ ويتوقع أن يستمر لثلاثة أيام أخرى. وتنبع أهمية لقاء المجلس هذا من جملة أسباب:

أولها، إن مسيرة الثورة في سورية طالت أكثر مما توقعت قوى الثورة والأطراف الإقليمية والدولية. أخفق النظام، بالرغم من العنف المفرط الذي وظفه ضد الشعب وقواه المختلفة، في إخماد الثورة وإخضاع السوريين؛ وقد شهدت قوات النظام وأجهزة حكمه انشقاقات ملموسة؛ كما إن أذرع الثورة المسلحة تحرز انتصارات يومية، وتكسب مواقع جديدة. ولكن النظام لم يصل بعد إلى لحظة الانكسار القاصمة، والمتوقع بالتالي أن يستمر التدافع بين النظام والشعب لفترة أخرى، يصعب تحديدها. وكلما طال أمد التدافع، ازدادت الأزمة السورية تعقيداً، يضاف إلى التعقيد البالغ الذي بات يحيط بمصير سورية وشعبها. ولأن المجلس الوطني هو الإطار الأكثر تمثيلاً للثورة وقواها المختلفة، والأكثر مصداقية في تعبيره عن إرادة الشعب السوري، يتحتم عليه في هذا اللقاء أن يتقدم للشعب بتصور مقنع لكيفية خوض غمار المرحلة المقبلة من الثورة، وأن يرسم للشعب صورة واضحة لمواقف القوى الإقليمية والدولية، سواء تلك التي تقف إلى جانب الشعب وثورته، أو تلك التي تقف إلى جانب النظام وآلته الدموية، وكيفية التعامل مع هذه القوى. ولأن عنف النظام، من جهة، واتساع نطاق الثورة، من جهة أخرى، ضاعف من الاعباء الملقاة على كاهل الشعب، لاجئين وأسر شهداء وجرحى وأسرى وعاطلين، يحمل المجلس الوطني مسؤولية رئيسية في العمل على تخفيف هذه الاعباء.

الثاني، أن خارطة الثورة السورية نفسها لم تتوقف عن التغيير طوال العام ونصف العام الماضيين. قوى وتجمعات جديدة انخرطت في صفوف الثورة، وأخرى أصبحت أقل فعالية؛ قوى تخوض غمار العمل المسلح، وأخرى تعمل في مجالات الإعلام والإغاثة. وبالرغم من أن المجلس برز من البداية باعتباره إطاراً تمثيلياً لقوى الثورة والمعارضة في الداخل والخارج، فقد أصبح من الضروري إعادة النظر في بنية المجلس وعديد القوى المنضوية في هيئته وأمانته العامة. والمعروف أن المجلس يعمل منذ شهور على التوسع وإعادة الهيكلة، وأن لقاء هذا الأسبوع كان من المفترض أن يعقد قبل شهرين من الآن، وأن ملفات المجلس تشير إلى أنه نجح بالفعل في التواصل مع القطاع الأكبر من فعاليات الثورة، والمجالس المحلية التي أسست في المناطق المحررة أو شبه المحررة من سيطرة النظام؛ إضافة إلى المجالس العسكرية. ما بات ضرورياً الآن أن تفتح أطر المجلس لكافة القوى والفعاليات والتجمعات السورية، ولقطاع أكبر من الشخصيات المستقلة، ورجال الدولة الشجعان، الذين اتخذوا قرار الانحياز للثورة والشعب؛ وأن يشعر هؤلاء أن المجلس هو بيت السوريين الكبير، حيث يمكن للجميع أن يصدع برأيه ويصرح بموقفه، بلا خوف، وأن قرار المجلس في النهاية هو قرار الأغلبية السورية الحرة.

الثالث، والأكثر أهمية وحساسية، أن السياسة التي اتبعها النظام في مواجهة الشعب قد أدت إلى انتقال سورية من موقع الدولة صاحبة الدور الفعال في إقليمها إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية. ولا يتجلى هذا الصراع في تباين المواقف من الثورة وأهدافها وحسب، ولكن من قيادة الثورة أيضاً. ثمة دول تقف إلى جانب الشعب وثورته وتتجنب التدخل في الكيفية التي ينظم بها السوريون شؤونهم، سواء في الساحة السياسية أو العسكرية. ودول أخرى، حاولت لفترة ما، وربما تحاول من جديد، استغلال انقسام الساحة السياسية بين المجلس الوطني وهيئة التنسيق، أو ما يوصف أحياناً بمعارضة الخارج ومعارضة الداخل، ظناً بأن الهيئة قد تصلح لإقامة شراكة بين المعارضة والنظام، تسحب البساط من تحت أقدام المجلس وقوى المعارضة الأخرى. ولكن عدم اكتراث النظام ببدء تفاوض جاد مع أي من الجهات المعارضة، وضعف الدعم الشعبي للهيئة، جعلها الجهة الأقل فعالية في الساحة السياسية، وأفسد محاولات احتواء الثورة وقواها. في الشهور القليلة الماضية، سلك عدد ثالث من الدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، سلوكاً أكثر تدخلية في شؤون الثورة وعلاقات قواها السياسية. والمشكلة في نظر المسؤولين الأميركيين المكلفين بمتابعة الأزمة السورية هي في المجلس الوطني، الذي لابد أن يفسح المجال لبروز قيادة جديدة للثورة والمعارضة.

كان مؤتمر القاهرة، الذي نظمه مركز بروكنغز الدوحة، للمعارضة السورية في تموز/يوليو الماضي، بحضور ممثلين عن المجلس الوطني ودبلوماسيين أمريكيين وأوروبيين، المحاولة الأولى، الأكثر صراحة، لتجاوز المجلس الوطني، وتشكيل قيادة سورية جديدة. ولكن الجميع يعرف أن المجلس أصبح الرقم الصعب في الساحة السياسية السورية، وأن أية محاولة لتجاوزه لابد أن يمهد لها بموافقة المجلس نفسه. برفض المجلس تحويل لقاء القاهرة إلى قابلة للقيادة الجديدة، فشلت محاولة تجاوز المجلس، بدون أن تتوقف. مؤخراً، طرح رياض سيف، النائب المعارض السابق في مجلس الشعب السوري، فكرة جديدة، تتلخص في تشكيل قيادة من خمسين عضواً للمعارضة السورية، تتوزع مقاعدها على جهات مختلفة، بما في ذلك المجلس الوطني. ثمة مجموعة صغيرة من أعضاء المجلس تؤيد اقتراح رياض سيف، وأخرى من خارج المجلس وجدت في الاقتراح فرصة لتعزيز موقعها القيادي وتلبية طموحاتها. ولكن الدعم الأكبر للاقتراح جاء من الولايات المتحدة، حيث عبرت وزيرة الخارجية الأميركية عن تأييدها للفكرة في لغة أقرب إلى التهديد للمجلس الوطني وقيادته. والمفترض أن تناقش هيئة المجلس العامة في لقاء الدوحة هذا الاقتراح، وتتخذ موقفاً منه.

لا يختلف مشروع قيادة الخمسين عن سالفه الذي طرح في لقاء القاهرة؛ حيث يفترض أن تعرض على المجلس الوطني حصة، تتراوح بين الخمسة عشر والعشرين عضواً، على أن توزع المقاعد الأخرى على مستقلين ومجالس محلية وعسكريين منشقين أو من قادة المجموعات المقاتلة من غير العسكريين، وعلى ما يسمى بالهيئة العامة للثورة السورية، التي تضم ناشطين سياسيين، وليس ثمة دليل على أن هناك ما يميزها عن مجموعات ناشطي الثورة الأخرى، لا من حيث الحجم ولا من حيث مساحة الانتشار. في حال وافق المجلس الوطني على المشروع، فسيعقد اجتماع لاحق للمعارضة السورية مباشرة عقب نهاية لقاء المجلس، يتفق فيه على لائحة الخمسين. والمؤكد أن تسمية رئيس للحكومة الانتقالية ستكون أولى مهمات الهيئة القيادية الجديدة. وليس ثمة شك في أن الأميركيين يرغبون في أن يقود رياض سيف، وليس أية شخصية معارضة أخرى، هذه الحكومة. فأين المشكلة في هذا كله، ولماذا يبرز مشروع الهيئة القيادية الجديدة باعتباره امتحان استقلال الإرادة السورية الأكبر للمجلس الوطني وقياداته الرئيسة؟

ولد المجلس الوطني في تشرين أول/اكتوبر من العام الماضي على مرحلتين. في المرحلة الأولى، لم تتجاوز عضوية المجلس المائة عضو، اقتصروا في أغلبهم على نشطاء سياسيين من الداخل والخارج، من خلفيات متنوعة، وعلى بعض مما تبقى من كتلة إعلان دمشق. في المرحلة الثانية، نجح المجلس في ضم ممثلين عن الإخوان المسلمين السوريين وعدد من الشخصيات البارزة في الساحة السياسية السورية، بما في ذلك برهان غليون، الرئيس الأول للمجلس. ومنذ ذلك الوقت، والمجلس في حالة من النمو والتوسع المستمرين؛ وربما تعتبر خطوة إعادة الهيكلة في لقاء الدوحة هذا الأسبوع أكثرها طموحاً. ولكن المجلس، الذي استقبل عند ولادته بتأييد شعبي واسع في المدن السورية، تعرض بعد ذلك لانتقادات متزايدة. بعض هذه الانتقادات مبرر ومسوغ، ولكن أكثرها غير ذلك. ثمة عدد من الشخصيات، التي يعتقد كل منها أنه الأكثر تأهيلاً وشرعية لقيادة الحركة الشعبية؛ أغلب هؤلاء إما غادر المجلس بعد فترات عمل متفاوتة في هيئاته، أو بدأ في إثارة شكوك لا تنقطع حول سياساته وطرائق عمله. مشكلة أكثر هؤلاء ليست مع المجلس الوطني؛ لأن قلة فقط من السوريين قد تقبل قيادتهم لحركة الثورة أو للبلاد. من جهة أخرى، أشيع، في الساحة السورية وخارجها، بما في ذلك عواصم الدول الغربية، أن المجلس خاضع لنفوذ الإخوان المسلمين؛ بل إن المحاولات الدائرة لتجاوز المجلس تطرح عادة في سياق العمل من أجل تحجيم الإخوان وتأثيرهم على قيادة المجلس ومجريات الثورة. وهذه، بالطبع، واحدة من أبرز مبالغات الجدل السياسي السوري؛ فتمثيل الإخوان في هيئات المجلس محدود إلى حد كبير، وليس ثمة موقف اتخذه المجلس منذ تأسيسه يمكن وصفه بالمنحاز إخوانياً أو إسلامياً.

باعتباره كياناً إئتلافياً، ولد في ظل ظروف استثنائية، وبعد عقود من الاختناق السياسي، لم تكن حركة المجلس سريعة دائماً، ولا كانت استجاباته للمتغيرات مكافئة دائماً. ولكن السبب الرئيسي لإطالة أمد الثورة وتعقيد الأزمة السورية لا يتعلق بالمجلس وأدائه، بل بحجم الدعم الذي يقدمه حلفاء النظام لآلته العسكرية والاستجابة لحاجاته المالية والاقتصادية؛ وبضعف مواقف القوى والدول التي تعمل الآن على تجاوز المجلس ودوره. ترك الشعب السوري، منذ آذار/مارس 2011، وحيداً في مواجهة نظام قمعي، دموي، وحلفاء إقليميين ودوليين، لا يكترثون سوى لمصالحهم ونفوذهم، لا لضحايا الشعب وحجم الدمار الذي أوقع بسورية ومقدراتها. الحقيقة أن عنصر القوة الرئيسي في المجلس الوطني هو مشكلته الرئيسة في التعامل مع القوى الدولية والإقليمية، سيما الولايات المتحدة. أسس المجلس الوطني بإرادة سورية حرة، وبعد حوار وتوافق بين قوى وطنية سورية، وليس ثمة جهة الآن تمثل الإرادة الوطنية السورية المستقلة أكثر من المجلس. وإن كان هناك من يثير قلقه مثل هذا الاستقلال، فإن المسؤولية الأولية للمجلس الوطني وقيادته المنتخبة اليوم لابد أن تكون الحفاظ على استقلال الإرادة الوطنية لسورية وشعبها وثورتها.

‘ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

القدس العربي

مسيحي وشيوعي رئيساً للمجلس الوطني السوري

جاسر عبد العزيز الجاسر

بعد عبدالباسط سيد القيادي الكردي السوري انتخب المجلس الوطني السوري المسيحي الشيوعي جورج صبرة ليلغي كل الاعتراضات التي انصبت على المجلس الوطني السوري بزعم سيطرة الإخوان المسلمين على هذه المؤسسة السياسية التي تشكل العمود الفقري للمعارضة السورية التي تقود الثورة على نظام بشار الأسد.

ومع انتخاب جورج صبرة لرئاسة المجلس الوطني السوري إلا أن الاعتراضات لا تزال تطال هذه المؤسسة السياسية للمعارضة السورية، إذ تسعى قوى غربية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية إلى إشراك قوى معارضة أخرى خاصة من الداخل السوري لتخفيف سيطرة الإخوان المسلمين مثلما يزعمون رغم أن المجلس الوطني السوري يضم عدداً كبيراً من التنظيمات الأخرى وأن الإخوان المسلمين غير ممثلين في المكتب التنفيذي سوى بأربعة أشخاص.

وهدف اجتماع الدوحة هو توحيد المعارضة ودراسة المبادرة التي قدمها رياض سيف، وتقول وكالة الأنباء الفرنسية إن المشاركين كانوا قريبين من الاتفاق لكن المجلس الوطني، المتحفظ على المبادرة، طلب مهلة لإعلان موقفه النهائي.

والمبادرة المستوحاة أساساً من مقترح رياض سيف تنص على إقامة هيئة سياسية موحدة من 60 عضوا يمثلون مختلف المجموعات المدنية الناشطة في الحراك الداخلي والتشكيلات العسكرية.

ويفترض أن تشكل هذه الهيئة حكومة مؤقتة من عشرة أعضاء ومجلس عسكري أعلى للإشراف على المجموعات العسكرية وجهاز قضائي.

وأبدى المعارض هيثم المالح انزعاجه من قرار المجلس الوطني. وقال لفرانس برس: «هذا أمر سيء، لأن المجلس (الوطني) يريد احتكار كل شيء ولا يريد إنجاز شيء» مضيفا: «الجماعة هناك لا يهمهم إلا من يقود العملية، فيما الدماء السورية السائلة أهم».

ويخشى المجلس الوطني تهميشه داخل هذه الهيئة الجديدة لذلك قدم الأربعاء مبادرة خاصة به لتوحيد المعارضة من خلال تشكيل «مؤتمر وطني» في «الأراضي المحررة» يضم 300 عضو يمثلون المجلس الوطني والتنسيقيات المحلية والجيش الوطني الحر والشخصيات المنشقة، على أن تنبثق عن هذا المؤتمر حكومة انتقالية تدير المناطق المحررة شمال سوريا وتوزع المساعدات الإنسانية وتدير المجموعات العسكرية، حسب ما قال عضو المجلس الوطني نجاتي طيارة لفرانس برس.

وتنعقد اجتماعات المعارضة هذه تحت إشراف قطر والجامعة العربية وسط أجواء من الضغوط على المعارضين السوريين من دول عربية وغربية لتشكيل هيئة سياسية تحظى باعتراف دولي.

وبعد أن حظي المجلس الوطني بصفة «الممثل الشرعي» للمعارضة السورية بعد قيامه في تشرين الأول – أكتوبر 2011، تعرض لاحقا لانتقادات عنيفة خصوصا من قبل الإدارة الأميركية مع التشكيك في تمثيله الحقيقي.

وكان نحو 400 شخص يشكلون الهيئة العامة للمجلس الوطني انتخبوا الأربعاء أمانة عامة جديدة من 41 عضواً انتخبت بدورها الجمعة مكتبا تنفيذيا جديدا من 11 عضوا.

والأعضاء الـ11 هم هشام مروة، سالم المسلط، حسين السيد، جمال الورد، فاروق طيفور، جورج صبرة، عبد الباسط سيدا، نذير الحكيم، عبد الأحد اسطيفو، خالد الصالح، أحمد رمضان.

ومن بين الأعضاء الأحد عشر للمكتب التنفيذي هناك أربعة جدد هم جمال الورد وحسين السيد عن الحراك الثوري وسالم المسلط عن العشائر، وهشام مروة كمستقل وثلاثة إسلاميين.

اعتبر صبرة قبل انتخابه أن تشكيلة المكتب التنفيذي أتاحت تمثيل «الحراك الثوري في الداخل والإسلاميين والعلمانيين والأكراد والأشوريين والمسيحيين ولأول مرة ممثل عن العشائر».

وينظر إلى انتخاب مسيحي على رأس المجلس الوطني كإشارة قوية في مواجهة النظام السوري الذي يقدم نفسه على أنه مدافع عن المسيحيين في مواجهة «المجموعات الإرهابية الإسلامية».

ولفت وائل ميرزا الأمين العام السابق للمجلس الوطني، إلى أن «الرئيس الأول للمجلس الوطني (برهان غليون) كان مسلما سنيا والثاني (عبد الباسط سيدا) كردي وها هو الثالث (جورج صبرا) مسيحي».

ومن جانبه قال المرشد العام السابق للإخوان المسلمين صدر الدين البيانوني إن صبرة «كان مرشحنا في مرحلة سابقة» وأضاف قائلا: «نحن نرحب بأي شخص يتوافق حوله الإخوان في المجلس الوطني فليس لدينا مشكلة مع أحد منهم».

الجزيرة السعودية

مسيحي زعيما للمعارضة السورية

طارق الحميد

قل في المعارضة السورية ما تشاء، وحتى في إخوان سوريا، لكن الأهم أنهم استطاعوا انتخاب زعيم مسيحي للمعارضة الممثلة بالمجلس الوطني، وقد يقول قائل إن ذلك ما كان ليتم لولا الجهد الدولي المكثف بالدوحة، عربيا وإقليميا، ودوليا، وهذا صحيح، وهو ما كنا نقوله منذ انطلاق الثورة السورية تماما.

فمنذ انطلاق الثورة الشجاعة كان البعض يتحجج صادقا، أو بكلمة حق يراد بها باطل، بأن إشكالية الثورة السورية أنها بلا معارضة موحدة، وكنا نفند، ومعنا آخرون، وإن تأخروا، بأن هذا كلام غير دقيق، فالمعارضة السورية ستتوحد حالما تجد دعما دوليا حقيقيا، على غرار ما حدث للمعارضة العراقية بمؤتمر لندن قبل احتلال العراق، والأمر نفسه بالنسبة للمعارضة الليبية قبل تدخل الناتو ضد قوات معمر القذافي، ولو كان بشار الأسد يعي ما يرى، وما يدور حوله، فإن عليه أن يتمعن جيدا في الصورة التاريخية التي بثتها وكالات الأنباء العالمية من الدوحة، وتصدرت صدر صحيفتنا يوم الجمعة لكل من رئيس وزراء قطر، ووزيري خارجية كل من الإمارات وتركيا، فلو كان لدى الأسد ذرة من وعي فإن تلك الصورة تشبه تماما صورا مماثلة وقت مؤتمر أصدقاء ليبيا الذي أسقط القذافي.

وعليه فقد استوعبت المعارضة السورية، ومعها بالطبع إخوان سوريا، أن المشهد الدولي قد اختلف، وأن المسألة تتطلب كثيرا من الجدية الآن، وإنكار الذات، من أجل تجهيز اللحظات ما قبل النهائية لإسقاط الأسد، سياسيا، أو عسكريا، ولذا فقد تم انتخاب زعيم مسيحي للمجلس الوطني السوري، وهو السيد جورج صبرا، والحقيقة أنه مرونة من قبل المعارضة، وإصرار من قبل الرعاة العرب، والإقليميين، والدوليين بمؤتمر الدوحة، مما نجم عنه انتخاب زعيم سوري مسيحي ليسقط ورقة الخوف على الأقليات التي لوّح بها الأسد في مقابلته الأخيرة مع قناة «روسيا اليوم»، والمضحك أنه يمكن اعتبار أن الأسد هو من أعطى الدفعة القوية الأخيرة للمعارضة السورية لتنتخب زعيما مسيحيا، خصوصا عندما قال إن نظامه يمثل «المعقل الأخير للعلمانية، والتعايش في المنطقة»، فعلينا ألا ننكر أن أحد أبرز أسباب الثورة السورية هو الأسد نفسه بقراراته المتعنتة والخاطئة، وأعماله الإجرامية، حيث كان بمقدوره، أي الأسد، أن يقدم على تنازلات لا تذكر مقارنة بأنظمة عربية أخرى سقطت، ليبقى في الحكم، لكنه عمى البصيرة.

وبالطبع فإن انتخاب صبرا لا يمثل غاية الأمل بالإصلاح المنشود في منطقتنا، فقبل عقود من الزمان، وتحديدا قبل الانقلابات العسكرية الكارثية التي لم تجلب لمنطقتنا إلا الخسائر والتخلف، لم تكن هناك إشكالية في تولي الأقليات، مسيحيين، وغيرهم، للمناصب العامة، أو الحضور النجومي بالمجتمعات العربية، سياسيا، واقتصاديا، وفنيا، والأمر نفسه كان ينطبق على الأكراد، وغيرهم من ديانات أخرى حتى يهود المنطقة، لكن أهمية انتخاب صبرا تكمن في إسقاط ورقة الأقليات، كما أنه يحد من جشع الإخوان المسلمين الذين أحرقوا بغبائهم السياسي كل رصيدهم في عام واحد، وذلك بسبب الجشع السياسي والإقصاء.

المهم اليوم أن المعارضة السورية خطت خطوة مهمة، وبإشراف عربي ودولي، وهذا ما كنا نردده طوال عامين، مما يرسل رسالة للأسد مفادها: إن أيامك معدودة.

الشرق الأوسط

معارضة سورية بمقاييس مختلفة

                                            ياسر الزعاترة

كانت تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون المشككة في تمثيل المجلس الوطني السوري لكل المعارضة هي شرارة البداية لإطلاق جهود سياسية من أجل إنتاج معارضة تلبي شروط أميركا والغرب وبعض الأطراف الداعمة؛ كل بحسب المعايير التي يتبناها وتلبي مصالحه.

لا خلاف ابتداءً على أن المجلس الوطني السوري لم يلبِّ الطموح من حيث أدائه السياسي وغير السياسي، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أنه كان الأكثر تمثيلا لأطياف المجتمع السوري من أي كيان آخر، سواءً أكان من تلك التي نشأت في الخارج وتدور في فلك أشخاص بعينهم، أم كان من كيانات الداخل التي تعد بعشرات الفصائل يسعى البعض إلى اختزالها بمسمى معارضة الداخل، مع أنها أشبه بمعادلة “سمك، لبن تمر هندي” الشهيرة، حيث كشفت الاجتماعات الأخيرة لهذه المعارضة في دمشق بحضور ممثلي الدول الداعمة للأسد أن هناك قدرا هائلا من التناقض فيما بينها وكمًّا أكبر من الشخصنة التي تتفوق على ما يعانيه المجلس الوطني الذي يبدو أكثر جماعية من سواه.

وحين يكون داعمو بعض فصائل الداخل هم حلفاء النظام السوري على سبيل المثال، كما هو حال هيئة تنسيق هيثم مناع، فإن ذلك لا يمكن أن يكون مقبولا من قبل الشارع، لا سيما أنه لا يكف عن هجاء المجموعات المسلحة التي تقاتل النظام، في وقت لا نجد فيه له جهدا يذكر في تكريس المعارضة السلمية. وبتعبير أدق فإن جهود مناع في هجاء الثورة تبدو أكبر بكثير من جهوده في معارضة النظام.

ما يمكن قوله والحالة هذه هو أن الاستهداف الأميركي للمجلس الوطني لا يتعلق أصلا بالحرص على إيجاد جسم سياسي يعبر عن الثورة السورية وأشواق الشعب السوري، بقدر ما يعكس رغبة في استيعاب الوضع لصالحها، وبالضرورة لصالح حليفتها الدولة العبرية، لا سيما أن المجلس ليس لديه أي مانع في توسيع مروحته لتشمل كافة الأطياف غير الممثلة فيه.

في قراءة المشهد السياسي المتعلق بمساعي إعادة إنتاج المعارضة السورية يمكن القول إننا إزاء جملة من الأسباب، أقله من وجهة النظر الأميركية الغربية، لعل أولها ذلك التقدم الذي يحرزه الثوار على الأرض، والذي يبث الخوف من إمكانية تداعي النظام بين لحظة وأخرى، أو سرعة التقدم وصولا إلى حسم سيكون من الصعب السيطرة على تداعياته، لا سيما أن على الأرض أسلحة كيماوية ومنصات صواريخ لا يُراد لها أن تقع في الأيدي الخطأ كما هو التعبير الأميركي الإسرائيلي الشائع (هي الآن في الأيدي الأمينة بالطبع!!).

هنا يدرك الأميركان أن المشهد العام على الأرض من حيث قدرة النظام على الصمود لفترة أطول قد يكون مضللا، لا سيما أن نظاما أمنيا من هذا اللون يصعب التنبؤ بلحظة انهياره في ظل تراجع معنويات جيشه وشعور العلويين بأنهم يدفعون ثمنا باهظا في مواجهة تبدو بلا أفق حقيقي للانتصار.

سبب آخر من أسباب الحراك الغربي لإعادة إنتاج المعارضة يتعلق بالخوف من اتساع نطاق الفعل الجهادي بمرور الوقت، أعني السلفي الجهادي الذي يتطور وجوده بشكل مفزغ بالنسبة إليهم، وصولا إلى حالة قد تهدد لاحقا مصالح العدو الصهيوني، وهم تابعوا دون شك كيف أدى انتصار الثوار في ليبيا إلى تدفق أسلحة كانت بحوزة النظام في شتى الاتجاهات من الشمال الأفريقي إلى سوريا إلى قطاع غزة. أما هنا بجوار دولة الاحتلال “الحبيبة للغرب”، فإن الأمر يغدو أكثر خطورة بكثير.

ولا شك أيضا أن شعور الأميركان والغربيين بوجود حضور كبير للإخوان وعموم الإسلاميين في المجلس الوطني قد جعله “غير ذي صلة”، ولا بد من إعادة إنتاجه حتى “يتعلمن” أكثر، أو يتأمرك بتعبير أدق، وبالتالي فإن أية صيغة جديدة ينبغي أن يكون حضور سائر الإسلاميين فيها محدودا.

سبب آخر للتفكير في حرص الغرب على إعادة إنتاج المعارضة هو أن المخطط الإسرائيلي، الذي سانده الغرب ممثلا في إطالة أمد المعركة وصولا إلى تدمير البلد، قد حقق الجزء الأكبر من أهدافه، ولم يبق سوى السيطرة على الأسلحة الكيماوية ومنصات الصواريخ حتى تكون سوريا الجديدة في حالة ضعف شديد لن تشكل أي ضغط على أعصاب الكيان الصهيوني، خصوصا إذا جرى التخلص من الجهاديين بشتى تنويعاتهم وأعيد إنتاج البلد برمته على أسس جديدة مع تركه ينشغل بنفسه ومشاكله لزمن طويل قد يمتد لعقود.

هناك سبب آخر يتعلق بمخاوف معتبرة من اتساع نطاق النزاع على نحو يؤثر على دول الجوار ويقسم البلاد ويهدد الكثير من المصالح الغربية، وبالتالي فإن من الأفضل إيجاد حل سياسي يضمن هامشا ولو محدودا من الهدوء والاستقرار وترك البلد موحدا ينشغل بنفسه ومشاكله إلى أمد طويل، ولا شك أن الحصول على معارضة علمانية سيضمن خياراتها السياسية من ناحية الدولة العبرية في ظل وجود أقليات تشكل ربع السكان سيكون لها دورها في تقليم أظافر الحالة الإسلامية ومنح الآخرين فرصة حكم البلاد حتى لو جرى الاحتكام  لصناديق الاقتراع التي قد يجري ترتيب أمرها من قبل من يمسكون بالوضع الجديد في مراحله الأولى.

في هذا السياق هناك من يعتقدون أن دولا داعمة للثورة قد تؤيد الصيغة الأميركية، وبالطبع لأنها لا تريد لسوريا أن تكون امتدادا للربيع العربي الذي ينقل عدواه إليها، بقدر ما تريد نجاحا ما ضد إيران مع نهاية غير جاذبة لثورة ترث بلدا مدمرا، وبالتالي فإن تلك الدول ستنسجم مع التوجه الجديد.

في المقابل هناك دول أخرى لا يمكنها مواجهة الرغبة الأميركية، وهي تسعى للتوصل إلى حل وسط بين ما تريد واشنطن وبين ما تراه هي ممثلا في إعادة هيكلة المعارضة على نحو يمكنها من تشكيل حكومة انتقالية مقبولة دوليا، ويمكنها التفاوض من أجل الحل، أو الحلول محل النظام في حال إنجاز الحسم. وعلى هذا الأساس انطلقت اجتماعات الدوحة لتوحيد المعارضة من دون اشتراط حل المجلس الوطني، بل إعادة هيكلته ليحقق المطلوب.

وفيما لا يجد الإسلاميون، وفي المقدمة منهم الإخوان، حرجا في قبول قدر ما من التهميش إذا كان ذلك سيؤدي إلى حل الأزمة ووقف نزيف الدماء، فإن المسار العام يبدو متوقفا بقدر كبير على تقبل خطة جديدة لإنتاج معارضة مقبولة تفاوض النظام لتصل إلى نتيجة ما، أو تحصل على دعم يكفي لحسم عسكري كما ذهبت غارديان البريطانية في حال العجز عن التوصل إلى حل سياسي. هذا المسار يبدو مرضيا أيضا لدول تدعم الثورة وترى أنها دخلت نفقا من المراوحة لا بد له من حل عبر مجلس موسع يفضي إلى حكومة انتقالية يعترف بها العالم أجمع.

وإذا جرى توحيد المعارضة (هيئة التنسيق رفضت حضور اجتماعات الدوحة)، واقتنع الغرب بالصيغة الجديدة، فسيكون بوسعها تسويق حل سياسي لروسيا والصين، الأمر الذي سيفرض نفسه على إيران بعد ذلك. وقد لاحظ المراقبون كيف أن الخطة التي قدمتها بكين للأخضر الإبراهيمي لم تشترط بقاء الأسد في السلطة، مما يعني إمكانية الحفاظ على مؤسسات النظام الأساسية كما يرى الإسرائيليون (بخاصة العسكرية والأمنية المجربة)، مع تغيير في الهيكلية السياسية (المسار ذاته قد يكون مقبولا من طرف إيران).

وفي حين تبدو جميع الظروف مواتية للحل المشار إليه، أكان سياسيا أم عبر حسم عسكري من خلال سلاح نوعي قد يأتي لاحقا بعد نهاية الانتخابات الأميركية، فإن أسئلة النجاح تظل معلقة، لا سيما أن التحكم في الكتائب والألوية الفاعلة على الأرض يظل صعبا، وهي التي لا تعدم بدورها جهات تدعمها وتوفر لها إمكانية البقاء والتأثير.

ثم إنه ما بين العمل الحثيث على إنتاج المعارضة الجديدة (نكتب قبل اختتام اجتماعات الدوحة) وبعدها تبني خطط التسويات أو الحسم، وبين النجاح مساحة زمنية لا أحد يدري كيف ستتطور الأوضاع خلالها، إذا لا يُستبعد انهيار النظام ووصول الموقف حدا تصعب السيطرة عليه.

في أي حال، فإن كثيرا من المؤشرات باتت تقول إن الأزمة السورية تقترب من نهايتها الأولية المتعلقة بالتسوية أو الحسم، لكن الأسئلة التالية الكثيرة تظل معلقة وصعبة الإجابة إلى حين، في بلد مدجج بالتناقضات العرقية والمذهبية والطائفية، فضلا عن الحزبية والأيديولوجية والشخصية أيضا.

يبقى القول إن ذلك كله لا صلة له البتة بمسلسل الرجولة والعطاء الطويل الذي كان بطله بامتياز هو شعب سوريا العظيم الذي قدّم أروع التضحيات من أجل حريته وكرامته، وليس من أجل أي شيء آخر، ولا لإرضاء أي طرف مهما كان.

الجزيرة نت

أهداف المعارضة السورية الجديدة

عماد عبدالله عياصرة

لقد شاهدنا مؤخراً مساعي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الحثيثة لإعادة إحياء ما تم الاتفاق عليه في جنيف، حتى أنه ظهرت بوادر تراجع من الغرب عن شرط تنحي الأسد من أجل تطبيق الاتفاق. لكن فجأة تطل هيلاري كلينتون لتقول أن المجلس السوري لم يكن فعالاً ولم يحل القضايا المتعلقة بسورية، وهو لا يمثل جميع أطراف المعارضة. وها نحن الآن نشهد مساراً مختلفاً ومفاجئاً في الملف السوري مع الدعوات الأخيرة لإنشاء معارضة سورية جديدة بدعم من واشنطن وحلفائها.

إن هذا يعد بمثابة إعدام مزدوج للمجلس الوطني وللوساطة الدولية بقيادة الإبراهيمي؛ فالدعوة لإنشاء الحكومة المؤقتة كانت من باب أولى أن تكون من قبل الوساطة الدولية لا من قبل واشنطن. لذا يمكن أن نقول الآن أن الوساطة الدولية بقيادة الإبراهيمي قد انتهت مهمتها. والواقع أن مثل هذا الأمر لن يحل الأزمة السورية، بل سيقود سورية نحو مزيد من الدماء.

تسارعت وتيرة الأحداث الدامية في سورية مذ تم تجاهل تطبيق اتفاق جنيف كحل سلمي منطقي ينهي الأزمة، والمعارضة السورية ممثلة بالمجلس الوطني عارضت المفاوضات واضعة شرط تنحي بشار الأسد أمراً أساسياً للحل، واللافت اليوم أيضاً أن أول تصريحات اجتماع عمّان الممهد لإجتماع الدوحة الموسع من أجل تشكيل المعارضة الجديدة تنص على اشتراط رحيل الأسد لتسوية الأزمة في سورية سلمياً. و أنه لا يمكن إجراء حوار مع نظام الأسد.

و السؤال الذي يطرح نفسه الآن: طالما أن المعارضة الجديدة تقدم أفكار المجلس الوطني نفسها، وهي لم تأت لاسترضاء الدعوات الروسية لإعادة إحياء اتفاق جنيف. إذا ما هو هدفها؟

أعتقد أن الإسراع في مبادرة المعارضة الجديدة وإنشاء الحكومة المؤقتة جاء ليعزز الانقسام في سورية، فالهدف منها تشكيل أوسع جبهة ممكنة من التيارات المدنية في إطار رسمي حكومي من أجل مدها بالسلاح الثقيل والمال لتمكينها من إحكام سيطرتها على المناطق المحررة، وبالتالي ستدخل حتماً في صراع ثلاثي يضم -بالإضافة إليها- النظام السوري والتيارات الاسلامية المتشددة وعلى رأسها القاعدة مما يؤدي إلى مزيد من الدمار في سورية، وسنشاهد المزيد من حمام الدم، والخشية أن تنهار مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش السوري مع تعاظم الاقتتال، وعندها سينتشر الرعب إلى دول الجوار.

أليس من الأولى أن نتدارك الخراب الذي سنحتاج بعده سنين طوال لإصلاحه؟ ثم أليست العراق خير مثال؟!

باحث ومحلل سياسي

ايلاف

مشروع كلينتون للحسم في سورية

عبد الباري عطوان

فجأة، وبعد تصريحات نارية صريحة من السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية، اصبحت المعارضة السورية وخلافاتها تحتل العناوين الرئيسية في معظم الصحف ونشرات أخبار التلفزة العربية والاجنبية. فماذا حدث بالضبط، ولماذا كل هذه الجهود والاجتماعات، وفي مثل هذا التوقيت بالذات؟

من المؤكد ان السيدة كلينتون لم تبادر بسحب الشرعية التمثيلية من المجلس الوطني السوري، وبمثل هذه القسوة والحسم، وتطالب بجسم تمثيلي اوسع يضم فصائل الداخل المقاتلة، واعطائها دورا اكبر في قيادة العمل السياسي السوري المعارض، لولا وجود مشروع تدخل امريكي من المرجّح ان يكون عسكريا.

السيدة كلينتون كانت من ابرز المساندين للمجلس الوطني السوري طوال العشرين شهرا الماضية، وكادت ان تستصدر قرارا ملزما من تحالف اصدقاء سورية، الذي يضم مئة دولة، بالاعتراف به كممثل شرعي وحيد للمعارضة، وكبديل للنظام الحاكم في دمشق، ولكن اقتحام القنصلية الامريكية في بنغازي، وانفجار العنف في مختلف انحاء ليبيا كان نقطة التحول الرئيسية في موقف كلينتون وحكومتها.

الدور المحوري الذي تلعبه الجماعات الجهادية في سورية حاليا، والمناطق الواقعة خارج سيطرة النظام في ادلب وحلب ومعرة النعمان واعزاز، وتصاعد وتيرة السيارات المفخخة التي تستهدف مؤسسات امنية تابعة للنظام، يثير قلق واشنطن وعواصم اوروبية اخرى من تحول سورية الى قاعدة جديدة لتنظيم القاعدة، والفصائل التي تتبنى عقيدته السلفية الجهادية المتشددة.

هناك نظرية تقول ان النظام السوري ربما انسحب من بعض المناطق، ولم يحاول الدفاع عنها بشراسة، خاصة في ادلب وحلب، بسبب عاملين رئيسيين: الاول هو تقليص خسائره، وبعد ادراكه بأن الهزيمة محققة، والثاني رغبته في خلق فتنة بين المقاتلين السوريين والجماعات الجهادية، ثم بين هذه الجماعات وقطاع من المواطنين السوريين الذين يفضلون مجتمعا مدنيا، ولا يستطيعون العيش في ظل تطبيقات متشددة للشريعة الاسلامية.

‘ ‘ ‘

في مدينة حلب، على سبيل المثال لا الحصر، اعترف بعض العناصر التابعة للجيش السوري الحر بعدم رضا بعض اهالي المدينة على اسلوب إدارتهم لبعض المناطق، كما وقعت اشتباكات بين عناصر الجيش والاكراد في الأحياء الكردية في المدينة.

وليس ادل على وجود خطة للنظام لتأجيج هذه الخلافات والصدامات بين المواطنين، او بعضهم، وقوات المعارضة المسلحة، استمراره، اي النظام، في تزويد المناطق الواقعة تحت سيطرة الاخيرة بالكهرباء والماء.

الإدارة الامريكية، باتت تعطي الأولوية في الوقت الراهن لمحاربة الجماعات الاسلامية المتشددة، والقضاء عليها قضاء مبرما، ولهذا تخطط حاليا لتدخل عسكري للقضاء على هذه الجماعات في شمالي مالي ومنطقة الساحل الافريقي بشكل عام، وشن حرب بطائرات بدون طيار في ليبيا للغرض نفسه.

من الواضح ان واشنطن تريد اطاحة النظام السوري، ولكن من خلال تسليح مكثف للمعارضة السورية، على غرار ما فعلته في افغانستان لطرد القوات السوفييتية منها واسقاط النظام الشيوعي الذي تدخلت لحمايته والحفاظ على استمراره في السلطة، ولكن عمليات التسليح المتفق عليها، لا يمكن ان تتم في ظل وجود قوي للجماعات الاسلامية المتشددة.

السيدة كلينتون تريد ان يقوم الجيش السوري الحر، والفصائل العسكرية الاخرى المنشقة عن الجيش النظامي بالدخول في حرب لتصفية الجماعات الجهادية بأسرع وقت ممكن، و’تطهير’ الاماكن ‘المحررة’ منها كشرط لتزويد هذه الفصائل بأسلحة حديثة ومتطورة مثل صواريخ ستينغر المضادة للطائرات، وصواريخ مضادة للدروع والدبابات، لأن هذه هي الضمانة الوحيدة لعدم وقوع هذه الصواريخ في ايدي الفصائل الاسلامية المتشددة، وبما يؤدي الى استخدامها ضد اسرائيل في مراحل لاحقة في حال اسقاط النظام.

السيد رياض سيف المرشح لرئاسة حكومة المنفى السورية التي ستكون البديل للنظام وحكومته، تحدث بطريقة ذكية عن هذا المخطط عندما قال ان واشنطن تريد تزويد المعارضة بأسلحة حديثة متطورة اذا ما توحّدت المعارضة واقامت جسما تمثيليا تنضوي فيه معظم او كل فصائل المعارضة.

لقاء الدوحة الذي بدأ امس ويستمر لثلاثة ايام، وتشارك فيه اكثر من 400 شخصية سياسية سورية معارضة من مختلف ألوان الطيف السوري السياسي سيكون هو الاختبار الحقيقي لهذا المخطط الامريكي الجديد، وسيكون التحدي الأكبر يوم الخميس المقبل عندما تنضم فصائل معارضة الداخل، او ممثلون عنها، الى الجسم السياسي الجديد وانتخاب مكتب سياسي وحكومة بديلة، وتوزيع المناصب والوزارات بالتالي بطريقة مرضية للجميع.

‘ ‘ ‘

لا جدال في ان هناك خلافات كبيرة ستحدث بسبب التنافس على المقاعد، ولا غرابة اذا ما قرر البعض تكوين معارضة ضــد المعارضة، ولن يكون مفاجئا اذا ما اعـترضت قــوى اقليمــية على التشكيل الجديد. فاتهامات التخوين والعمــالة لامريكا بدأت تتطـــاير ضـــد هـــذا او ذاك في مواقع التواصل الاجتماعي، وكان لافتا ان تركيا التي كانت القابلة التي ولد على يديها المجلس الوطني السوري بدأت ترفع الكارت الأصفر، وربما الأحمر لاحقا، اذا لم ترق لها التشكيلة الجديدة، واجتماع السيد احمد داوود اوغلو المفاجئ مع قيادة المجلس الوطني في اسطنبول قبل ثلاثة ايام، وقبل توجههم الى الدوحة يطرح العديد من علامات الاستفهام.

الاربعاء المقبل سيسدل الستار على الانتخابات الامريكية، وتنتهي بذلك مرحلة الانتظار وتأجيل القضايا الملحّة، ومن بينها الملف السوري، وكل ما يمكن التنبؤ به هو ان الاسابيع والشهور المقبلة قد تشهد تحركات حاسمة، ومعارك دموية طاحنة، وسقوط المزيد من الضحايا، وربما بأعداد كبيرة.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل سينجح المخطط الامريكي الجديد في توحيد المعارضة وتسليحها بعد ذلك، واسقاط النظام بالتالي؟

التريث في الإجابة هو قمة العقل والتعقل، والانتظار وعدم القفز الى النتائج هو عين الحكمة،لأن كل المفاجآت واردة والأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى