صفحات الرأي

الأمية المهنية: داء يهدد الإعلام/ د. أحمد عبد الملك

 

 

نظراً للتهافت على الوصول إلى وظائف في وسائل الإعلام المختلفة، ولأن كثيرين يستسهلون العمل الإعلامي، فإن بوادر أمية إعلامية بدأت تظهر في السماء العربية، سواء في الفضائيات أم في الصحافة. هذا ناهيك عن محطات الـ«أف أم»، ووسائل التواصل الاجتماعي.

ولقد لاحظنا ملامح هذه الأمية في عدة مواقف، منها:

– الزجّ بشباب غَضّ في وسائل الإعلام، دون أن يتلقوا التدريب الكافي، سواء أمام الكاميرا أو أمام المايكروفون، فظهروا بصورة مشوهة لشخصياتهم وللمهنة الإعلامية الراقية. ولا يجوز أن نضع «شماعة» لنبرر هذا الاتجاه في بعض وسائل الإعلام العربية، متنكبين إعداد المذيع والمُعد إعداداً مهنياً يساعدهما في أداء وظيفتهما على نحو مهني. ولكم شاهدنا مذيعات ومذيعين يتصبَّبون عرقاً أمام الكاميرا، ويتلقون الكلمات عبر سماعة الأذن من المُعد، كونهم لا يملكون اللغة العربية السليمة للتعليق على الحدث! وهنالك اتجاه واضح لتجاهل اللغة العربية رغم أنه لا يجوز قبول «القائم بالاتصال» ما لم يتمكن من اللغة العربية السليمة. وقد ساهم هذا الاتجاه في تزايد المحطات الناطقة باللهجات المحلية، والتي لا تؤسس لمذيع ناجح، ولو بقي ثلاثين عاماً وراء المايكروفون أو أمام الكاميرا، لأن التاريخ والموروث ولغة السياسية والأدب هي العربية، ومهما حاول المذيعون الشباب الإفلات من تعلم اللغة العربية، فإنهم سوف يحتاجونها في عملهم، إذا أرادوا أن يتطوروا ويخرجوا من دائرة اللهجة الشعبية المحدودة، خصوصاً وأن محطات الـ«أف أم» والفضائيات تنقل عبر الأقمار الصناعية ولجمهور أوسع لا يفهم اللهجة المحلية ولابد أن يأتي اليوم الذي يتغيّر فيه هذا النهج.

– الخروج الواضح على تقاليد المهنة، كأن نشاهد مقابلة تلفزيونية سياسية، ونرى الضيف وهو يتحدث باتجاه خارج الكادر، أي أن اللقطة تبرزه وهو يوجه حديثه نحو الطرف اليمين أو الشمال من الشاشة، وهذا خطأ في الإخراج يعرفه أهل الإعلام، لكن لأن التوظيف المتسرع، وعدم وجود من يتابع مثل هذه الهنات، يجعل انتشارها مستمراً، ويكون هذا الاستثناء (الخروج على تقاليد المهنة) أساساً ومرتكزاً، لاسيما في ظل تقاعد أو رفض المؤهلين في الإعلام. كما أن نقل المؤتمرات السياسية، مثل اجتماعات القمم، يحتاج مخرجين لهم إلمام بالسياسة ومعرفة برؤساء الدول ووزراء الخارجية، حتى لا يبدو المخرج كأنه «الأطرش في الزفة».

– ومن ملامح الأمية الإعلامية خروج بعض الصحفيين على تقاليد المهنة، إما لمصلحة شخصية، أو لغرض كيدي ضد أحدهم، كأن يضع عنواناً لتحقيق لا يستمده من كلام الضيوف، بل يخلق له عنواناً «مثيراً» لم يأت ضمن أحاديث المشاركين في التحقيق! وهذه مخالفة لآداب وأخلاق مهنة الصحافة!

-كما ابتُليت المنطقة بـ«أنصاف الصحافيين»، ممن لم يدرسوا الفنون الصحفية، لكنهم أصبحوا «يقتاتون» على الصحافة، دون أن يُلموا بأساسياتها، وبعضهم يقوم بـ«التأريخ» للاتجاهات السياسية والفكرية والثقافية لدول الخليج، بل «يخلعون» ألقاباً على «أصدقائهم» دون وجه حق؛ مثل «الإعلامية القديرة»، وهي ليست إعلامية وليست قديرة أيضاً! أو «الروائي الكبير»، وهو لم يكتب رواية في الأصل!

-ومن ملامح الخروج على مهنة الصحافة استثمار علاقات مع بعض المؤسسات ورموزها، بقصد الفائدة الشخصية، والقيام بعمليات «التلميع» خلافاً لأصول التغطية الإخبارية، وبالترويج لشخصيات أو وقائع غير مستحقة، فيما يتم إهمال شخصيات أو فعاليات ذات تأثير في المشهد الاجتماعي والثقافي والفني. وهذا اتجاه ابتُلي به الإعلام عندما كان يوجد «أنصاف صحافيين»، حاولوا بث «الكراهية» داخل الوسط الصحفي.

– وتتضح الأمية الإعلامية في تزوير التاريخ والقفز على الأحداث، إذ لا يجوز لصحافي وافد لم تمر ثلاثة أعوام على وجوده في البلاد، أن يتحدث عن التاريخ السياسي أو الاجتماعي أو الإبداعي لأي بلد!

إن الأمية الإعلامية مشكلة كبرى في الإعلام العربي عامة والإعلام الخليجي خاصة، ويتعين عقد ندوة متخصصة لمعالجة هذا الداء، لأن الحكومات ليس لديها الوقت لذلك. كما أن أغلب الصحف تدافع عن منتسبيها، حتى لو حدث خطأ أو عدة أخطاء، كما توجد ثقافة عدم الاعتراف بالخطأ، والتردد في مواجهة الموقف الخطأ! لذلك لابد من معالجة الأمية الإعلامية من أساسها، وأسباب انتشارها.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى