صفحات الناس

باسيل للاجئين السوريين: لماذا الإنجاب والطبابة والتعليم؟/ منير الربيع

 

 

لا يترك بعض اللبنانيين مجالاً لتمويه عنصريّتهم، أو على الأقلّ لتغييبها لفترة، هي طبيعتهم المكتسبة من مفهوم مغلوط للقيم الإنسانية. “البريستيج” وحده من يحدد قواعد العيش، وأنماط الحياة، يبدأ التعاطي بفوقية وعنصريّة من المسؤولين في الدولة، وزراء ومسؤولين، غالباً ما تكون مقارباتهم لا ترتبط سوى بحسابات المصالح الناجمة عما تفرضه الديموغرافيا المذهبية والطائفية، لا اعتراف في لبنان بالإنسان وقيمته الإنسانية الجوهرية، مقاربة النفس البشرية لا تنضج لبنانياً إلّا وفق لغة الأرقام، على هذه القاعدة تتعاطى الدولة اللبنانية مع موضوع اللاجئين السوريين، لا تنظر إليهم كبشر، بل ككتل لحمية متحركة، جلّ ما تقدّمه لها إلى جانب الكلام العنصري، هو تعداد أرقامها، أرقام الهاربين من الموت بحثاً عن حياة.

تبدأ المشكلة مع السوريين اللاجئين بالإسم، ترفض الدولة اللبنانية توصيف الوجود السوري بدقة، تعارض وصفهم باللاجئين. تتعمّق جذور المشكلة في مقاربة وزير الخارجية جبران باسيل لها. هو اعتبر في مؤتمر صحافي أن “النزوح” ليس سياسياً بل هو إقتصادي، غاب عنه حتى التوصيف الإنساني، منذ البداية وتيار باسيل يحارب وجود الهاربين من الفناء إلى العراء، بالأرقام قارب باسيل الملف. أشار إلى أن لبنان يعطي النازحين كهرباء بقيمة 100 مليون دولار شهرياً، والمستشفيات تسجل 80 حالة ولادة سورية مقابل 40 ولادة لبنانية، مضيفاً أن هناك محاولة لفرض أمر واقع وإقامة مخيّمات داخل الأراضي اللبنانية. وكأن من يعيش في عراء عرسال وجرودها يأتي إلى لبنان نزهة لا أكثر.

وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس لديه نظرة مختلفة كما عدد كبير من الوزراء داخل الحكومة تتناقض مع وجهة نظر باسيل، يشير درباس لـ”المدن” الى أن الحكومة بدأت بتنفيذ خطتها حول موضوع النازحين وأبلغت ذلك للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وتتمحور الخطّة حول رفض دخول لاجئين من مناطق بعيدة عن لبنان كإدلب مثلاً، إضافة الى إسقاط صفة اللجوء عمن يدخل إلى الاراضي السورية.

الشقّ الأبرز من هذه الخطّة والتي تتمحور حولها الإختلافات بين وزراء تكتل التغيير والإصلاح وباقي الوزراء هي إنشاء أماكن لإقامة اللاجئين داخل الأراضي اللبنانية وبعيداً عن المناطق الآهلة، حيث يقول درباس:” يجري الآن درس كيفية إقامة مخيمات للنازحين داخل الأراضي اللبنانية، لكن هذا يرفضه الوزير باسيل بذريعة أن هذا يعيد انتاج فكرة التوطين”. مضيفاً: “برأيي يجب إقامة المخيمات داخل لبنان حرصاً على سلامة اللاجئين لأن النظام السوري سيقوم بقتلهم خصوصاً في ظل عدم إمكانية حمايتهم”.

وحسبما تشير معلومات “المدن”، فإن البحث بدأ جدياً عن المناطق التي قد تقام فيها المخيمات، وستكون في سهل عكار، وسفح سلسلة الجبال الشرقية، كذلك في منطقة جديدة يابوس، لكن الجهود تنصبّ على كيفية تأمين الخدمات اللازمة، وتوفير مقومات الحياة الكريمة للاجئين داخل هذه المخيمات، وهنا يكشف درباس عن إتصالات مكثفة تجري مع الدول العربية والجهات المانحة، لتوفير التمويل لهذا المشروع، إضافة إلى الغطاء الدولي اللازم.

يحمّل باسيل مسؤولية الوضع الصعب الناجم عن النزوح السوري إلى الأمم المتحدة، يطالبها بتحمّل مسؤولياتها ورفع الأعباء عن لبنان، لكنّه يتناسى أن طرحه ترحيل السوريين إلى خارج الحدود اللبنانية يتنافى مع صفة اللجوء، التي تجبر الأمم المتحدة على تحمّل مسؤولياتها، ففي القانون الدولي لا تقدّم المساعدات للاجئين إلاّ إن كانوا خارج حدود بلدهم بمسافة معيّنة، كذلك يتناسى وزير الخارجية أن الحكومة السابقة هي من يتحمّل مسؤولية ما وصلت إليه الأمور، إذ أنها لم تقم بأي تحرّك لتنظيم الوجود السوري، ولم تكن فعّالة مع الجهات الدولية للضغط عليها للحصول على المساعدات اللازمة.

يعيب باسيل على اللاجئين إنجابهم، يتناسى أن أكثر من ثلث السكان اللبنانيين الموجودين اليوم ولدوا خلال سنوات الحرب الأهلية، يعيب عليهم أيضاً التعلّم، والطبابة. لا يدرك الوزير باسيل أن هؤلاء، لا يمكن للبنان أن ينفصل عنهم (حتى حين يعودون إلى بلادهم) بحكم الجغرافيا والتاريخ والامتداد.

عودة بسيطة بالذاكرة تظهر هشاشة قيم اللبناني، ما يجري مع السوريين جرى مع اللجوء الفلسطيني سابقاً، حيث رحّب اللبنانيون بالفلسطينيين الميسورين وأصحاب الأموال، لجوء الفلسطينيين عام 1948 حرّك عجلة الإقتصاد اللبناني، ووصفوا حينها بأنهم مناجم ذهب، ومع دخول فقراء فلسطين تغيّرت النظرة، كذلك اليوم، السورّي الميسور مرحّب به أما الفقير فيجب ترحيله..

أهلاً بكم داخل المقاطعة المذهبية اللبنانية.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى