صفحات الناس

سوريون عبروا الموت.. بحثاً عن “الجنة في أوروبا”/ فادي الداهوك

 

 

وصل طارق برفقة رأفت وإيهاب، إلى لبنان قادمين من سوريا مع بداية العام الحالي. وكان بحوزة كل واحد منهم، مبلغ مالي كبير وتذاكر سفر من شركة طيران “الشرق الأوسط” للسفر إلى تركيا، تطبيقاً للشروط التي باتت تفرضها السلطات اللبنانية على الراغبين في الدخول إلى لبنان من السوريين، وكان مخططهم أن ينتقلوا لاحقاً من تركيا إلى ألمانيا بطريقة غير شرعية.

على الجانب اللبناني، في نقطة المصنع الحدودية بين لبنان وسوريا، نصحهم أحد العساكر أن لا يبرزوا تذاكر سفرهم إلى تركيا لأن ذلك قد يعرضهم إلى تأخير وتحقيق عن أسباب سفرهم إلى هناك، فاستغلوا بنداً يتوافر في الشروط التي فرضتها السلطات اللبنانية مع بداية العام 2015 وهو أن يكون بحوزتهم حجز في أحد الفنادق. وبالفعل، تواصلوا مع صديق لهم في مدينة عاليه ليقوم بالحجز لهم في أحد فنادق المدينة.

“بردتوا؟..” سأل العنصر، الذي يتولى مهمة حفظ النظام أمام نوافذ الحصول على إذن الدخول، طابور الأشخاص المنتظر في العراء للحصول على ختم الدخول إلى لبنان. “أجبناه لا..” يقول طارق، لكن الجواب لم يعجبه فأمرهم “قولوا لي وحوش لما اسألكم.. مثل ما تعلمتم بالجيش”. يقول طارق إنه لم يكن قادراً على تقرير ماذا سيفعل، هل يعود إلى سوريا أم يتابع طريقه متجاوزاً الإهانات التي يتلقاها ورفاقه.

جاء دورهم أخيراً، فدخلَ إيهاب وأصبح في الأراضي اللبنانية. “معك 1000 دولار؟”. وجه الضابط سؤاله إلى طارق، فأجابه “معي 5000 دولار”. وخاض بعدها جولة من الأسئلة “من أين حصلت عليهم؟ أين ستصرفهم؟”، ثم سُمح له بالدخول. وحين جاء دور رأفت منعوه في البداية من الدخول بحجّة أن الحجز الفندقي في “ريجنت بالاس” في مدينة عاليه وهمي، علماً أن الثلاثة حجزوا معاً ومعهم نسخٌ عن الحجوزات، أرسلها صديقهم إليهم عبر “واتساب” وطبعوها في محل صغير من الجانب اللبناني للحدود لقاء 7 دولارات للنسخة الواحدة.

سمحوا لرأفت بالدخول، وعلى الرغم من أن رحلته متأخرة عن رحلة صديقيه 12 ساعة، إلا أنهم أعطوه مهلة 24 ساعة مدة إقامة في لبنان ريثما يسافر، فاضطر إلى الانتظار في الوقت المتبقي داخل مطار رفيق الحريري الدولي حتى لا يخالف شروط الإقامة ويواجه مشكلات في اللحظة الأخيرة من تحقيقه لحلم الوصول إلى أوروبا.

وفقاً لتقرير وكالة حماية الحدود الأوروبية (فرونتكس) فإن 207 ألاف شخص من مناطق النزاع في الشرق الأوسط، كسوريا والعراق وفلسطين، خاضوا مغامرة مميتة للوصول إلى السواحل الأوروبية عن طريق البحر خلال العام الماضي، نجح 182156 منهم بالوصول، فيما غرق 3419 مهاجراً. يعلّق طارق على هذا الموضوع بالقول إن احتمال غرقهم وارد، ويضيف ساخراً “صديقنا في تركيا ينتظرنا لنسافر معاً كان عندما يسألنا عن ساعة وصولنا يقول متى ستصلون لنموت معاً؟”. يتابع طارق حديثه بحزن “لو أن الظروف مناسبة للعيش في سوريا لما خرجت. بكت أمي كثيراً وهي تودعني.. لا أعرف إن كنت سعيداً أم حزيناً”.

في تركيا وجدوا المهرب، عرّاب الرحلة إلى أوروبا، ومحطتهم التالية ستكون اليونان مقابل دفع 1100 دولار عن كل شخص. “نحن مجرد يورو. هكذا يرانا المهرب، والفندق، وأي شخص نحتاجه لمساعدتنا في الوصول إلى أوروبا” يقول طارق. وتعثّرت الرحلة ثلاث مرات بسبب تعطّل محرك القارب المليء بالمهاجرين، حتى أنهم في المحاولة الثالثة، اضطروا إلى التجديف بمفردهم ليعيدوا القارب إلى السواحل التركية لأن المهرب تركهم في عرض البحر وكان الموج عالياً وهناك من يبكي ويصرخ من الخوف. وهنا يقول طارق إن رفيقيه انسحبا من هذه المغامرة بعدما بات القلق والخوف يتملّكهما، لكنّه ظلّ مصمّماً على خوضها حتى النهاية.

الوصول إلى “الجنة.. أوروبا” لم يكن سهلاً، إذ اضطر إلى التنقل بين ثلاثة دول سيراً على قدميه، وكان برفقة مجموعة من السوريين تعرّف إليهم على القارب في البحر عندما وصلوا إلى اليونان مبحرين من تركيا. وقبل يومين، وصل أخيراً إلى فيينا، لكن تلك المغامرة تخللتها عوائق كثيرة، حيث ألقي القبض عليه في ألبانيا من قبل السلطات مع 12 شخصاً آخرين.

قبل إلقاء القبض عليه، كان طارق عضواً في المجموعة التي اتفقت مع مهربَين ليوصلوهم إلى ألبانيا، لكن المهربين قاما بتوزيعهم على مجموعتين، تنطلق الأولى بفارق زمني معين عن الثانية، وتبيّن في ما بعد أن تلك العملية كانت بهدف جعل المجموعة الأولى طعماً للسلطات الألبانية لتلقي القبض عليها ويصبح الطريق أمام المجموعة الثانية التي يقودها المهربان سالكاً. وبالفعل، تمكّنت إحدى المجموعتين من الهرب وتابعت طريقها إلى صربيا، حيث وصلت قبل خمسة أيام من وصول طارق، الذي ألقي القبض عليه بعد عملية مطاردة اضطر خلالها إلى رمي حقيبته التي يحملها على ظهره ليتخلص من عبئها ويسهل عليه الركض في الثلج، ثم قضى يومين ضائعاً في ألبانيا بعدما أطلقت السلطات الألبانية سراحه، فتعرّف إلى مهرّب أوصله لاحقاً إلى الجبل الأسود، أو مونتينيغرو، إحدى جمهوريتي يوغسلافيا الجديدة في جنوب القارة الأوروبية، واستغرق الطريق 15 ساعة للوصول إلى صربيا حيث حصل هناك على أوراق من مركز للشرطة تابع لوزارة الداخلية حتى يصبح تواجده شرعياً، وكانت النهاية مثيرة عندما التقى مع رفاقه الذين سبقوه إلى بلغراد، وتابع الرحلة معهم إلى فيينا.

يعتبر طارق أن ألمانيا، التي كانت هدف كل هذه المخاطرة النادرة، أنه بات يمسك بها بملء كفيه. سيتابع فيها دراسته، التي أنهاها في ظروف قاسية في جامعة البعث في حمص، حيث تخرج منها مهندس بترول على وقع أصوات الرصاص والتفجيرات، وسينسى الأيام التعيسة والمرعبة في سوريا، وكلّ ما عاناه خلال رحلة استغرقت قرابة شهرين في البحر والغابات والصقيع والثلوج، بين ألبانيا ومقدونيا وصربيا. “أشعر أنني أملك طاقة لا حدود لها.. بإمكاني فعل أي شيء الآن. أنا قوي” يختم طارق حديثه.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى