أجندات ثلاث تصطرع في سوريا وعليها
عريب الرنتاوي
ثلاث أجندات تصطرع في سوريا وعليها.. الأجندة الاصلاحية- التغييريّة التي يرفع لواءها مُحقاً، الشعب السوري بقواه وفصائله وتنسيقياته وحراكاته الشبابية والشعبية والاجتماعية.. أجندة الثورة المضادة لربيع العرب، والتي تقودها دول وأنظمة، لطالما ناصبت جميع ثورات العرب وحراكاتهم خلال الستين عاماً الفائتة، أشد أنواع العداء، وهي “تختطف” اليوم الجامعة العربية، وتحيلها الى حصان طروادة لتمرير مشاريعها.. وأجندة ثالثة، هي الأجندة الاسرائيلية المحكومة بهواجس “نظرية الأمن الاسرائيلية”، والمتحكمة الى حد كبير بمواقف بعض مراكز القرار الدولي.
ان مستقبل سوريا، شعباً وثورة وكياناً.. ان مصير سوريا والسوريين بأسره، رهن بنجاح قوى الثورة والمعارضة فيها، في التمييز بين هذه الأجندات، وتمييز أجندتها الوطنية الديمقراطية عن بقية الأجندات، حتى وهي تعمل بوحي من التكتيك القائل: “السير منفردين والضرب في نفس الاتجاه”.. فأية “اختلاطات” و”تشريكات” و”تشبيكات” لن يترتب عليها سوى أوخم العواقب على مستقبل سوريا ومصائر أبنائها.
ندرك صعوبة رسم تخوم قاطعة في وضوحها بين هذه الأجندات الثلاث.. فهي تلتقي حيناً وتفترق أحياناً.. وندرك أيضاً أن القوى الرافعة للواء كل واحدة منها، قد تأتلف وتتحالف، وقد تختلف وتتنافر، حد الصراع والاصطدام.. ولكننا ندرك كذلك عظم المخاطر المترتبة على اختلاط الأجندات والأولويات، وحجم الضرر المترتب على محاولات “امتطاء صهوة الثورة” للوصول بها الى أهداف الثورة المضادة.
من الأمثلة العديدة الدالّة على ما نقول، نشير فقط، الى محاولات فرض التماهي بين أجندة الاصلاح والتغيير وأجندة المعسكر المضاد للثورة وربيع العرب.. والا كيف يمكن تفسير هذا التناغم بين طروحات بعض المعارضة السورية من جهة وأجندة الثورة المضادة – عربياً – التي تعبر عنها دول بعينها، أو الجامعة بعينها من جهة ثانية؟.. كيف يمكن تفسير كل هذا الاحتضان والكرم الحاتمي الذي تبديه عواصم بعينها للمعارضة السورية، وهي التي تكره المعارضة لديها، حتى وان كانت من صنف “الأم تيريزا”.. كيف يمكن تفسير هذه “الصحوة” غير المسبوقة للجامعة العربية التي حوّلت وزراء الخارجية العرب، الى ما يشبه “هيئة الأركان” لجيش في حالة حرب ضروس؟.. كيف يمكن تفسير كل هذه الغيرة على الاصلاح في سوريا، من لدن أطراف هي أحوج للاصلاح والتغيير من حاجة سوريا اليه؟.. هذا ضرب من التقاء الأجندات، نأمل أن يكون عارضاً وتكتيكياً، حتى لا تُختطف الثورة السورية كما اختُطِف العمل العربي المشترك.
ومن الأمثلة الدالة على ما نقول: أن معسكر الثورة في الحالة السورية، كما هو معسكر الثورة المضادة، منقسم على نفسه حد الاشتباك بكل الطرق والأدوات، وفي مختلف الميادين والساحات.. فكيف يمكن قبول الاتهامات واللكمات التي وجهها “شبيحة المعارضة” لمناضلين سوريين قضوا السنوات الأجمل من حيواتهم في أقبية سجون التظام وزنازينه، وقبل أن يتعلم هؤلاء “الشبيحة” ومحركيهم، الدرس الأول في مساق المعارضة.. وفي المقابل، كيف يمكن تفسير هذا الصراع المحتدم بين نظام الأسد الذي هو موضوعياً في قلب “الثورة المضادة” من جهة، وقوى الثورة المضادة على الساحة العربية من جهة ثانية.. أنها حالة غير مسبوقة في تونس ومصر على سبيل المثال، ولها ما يشبهها تماماً في الحالة الليبية وجزئياً في الحالة اليمنية.
نربأ بأجندة الاصلاح والتغيير من التماهي أو التوحد مع الأجندة الاسرائيلية، التي قد تتخذ بعض التجليات “الأطلسية” أو أشكال “التدخل الأجنبي الضار”.. ونراهن على وعي واخلاص القوى الرافعة للوائها، نراهن على وطنيتها وعروبتها وصدق التزامها…وندرك تمام الادارك أن الشعب السوري الشقيق حينما يستعيد حريته وكرامته وقراره المستقل، لن يكون الا في الجانب الصحيح من “المعادلة” و”التاريخ”.
بيد أننا لا ننزه أبداً أجندة الثورة المضادة والقوى الرافعة للوائها عن التواطؤ والتواضع مع أجندات اسرائيلية أو “أطلسية” حيال سوريا.. فلهؤلاء سوابق طويلة وعريضة في التآلفات والتحالفات غير البريئة، ولطالما اندرجوا في سياق مخططات واستراتيجيات مثقلة بالالتباسات.. وهم اليوم، في ذروة الانتشاء، بتصفية حسابات قديمة- جديدة مع معسكر كامل، لطالما تمنوا لو أن الأرض تنشق فتبتلع مختلف أركانه ومكوناته.
وعلى الذين يتغنون بصحوة الجامعة العربية، و”تفوقها على ذاتها”.. أن لا يسارعوا الى اطلاق أحكام وتقييمات سيندمون عليها قريباً، عندما تمتد شرارات الربيع العربي، لتحرق بعض الأصابع التي ما زالت تداعب حبات الماء والبرد والنفط…عندها وعندها فقط، سيكتشف كل ذي بصر وبصيرة، أن ما يجري في أروقة الجامعة ليس “صحوة” أبدا،ً بل “كبوة” قد لا يرتجى منها شفاء.
واذا كان “عمى الألوان السياسية” قد أصاب الجامعة العربية ومنعها من رؤية الدم المراق في اليمن وغيره من أقطار الربيع العربي…فان المؤسف حقاً أن لا يكون الدرس اليمني كافياً لاقناع بعض الأصوات والأقلام، بالتأمل جدياً في أكذوبة “صحوة الجامعة”…مؤسفٌ أن بعضنا مفكرينا المنوّرين والمتنورين…بعض شيوخ الصحوة ودعاتها وعلمائها، قد ارتضوا تحت ضغط حسابات صغيرة، أن يكونوا بيادق في يد “الثورة المضادة” تحت ستار كثيف من دخان الأحاديث والتصريحات والشعارات الاصلاحية الخادع والمخادع… مؤسف أن هؤلاء تحوّلوا الى أدوات مطواعة للسياسة الخارجية لبعض دول الثورة المضادة وأركانها.
الدستور