أحمد دياب و حسين الأمين/ حـازم الأميـن
الصورة أعلاه هي لحظة تسجيل نادي “الأخاء الأهلي” – عاليه، هدفاً في مرمى نادي “الأنصار” في العام 2013. تضمّ الصورة في الوسط لاعب “الأهلي” الذي سجل الهدف حينها، وهو أحمد دياب (الثالث إلى اليمين)، كما تضم لاعب النادي نفسه حسين الأمين (الثاني إلى اليسار).
الأوّل نفّذ عملية انتحارية في حلب ونعته “جبهة النصرة” في أواخر عام 2013، أي بعد تسجيله الهدف بأشهرٍ قليلة. واللاعب الثاني، أي حسين الأمين، لم يكن في حينها يخفي عضويته في “حزب الله” ونشاطه في صفوفه.
الشابان كانا يحتفلان بتسجيلهما هدفاً، وعلى وجهيهما ابتسامة لا تشبه الحرب الدائرة بينهما في سوريا. الصورة لحظة ملتقطة من زمن الانقسام والفرقة بينهما، فهما حين التُقِطت كانا على ما كانا عليه. الأول في “جبهة النصرة” والثاني في “حزب الله”.
لكنّ الابتسامة التي تجمعهما تدفع فعلاً إلى التأمّل بما نحن عليه. فالحرب الأهلية اللبنانية الدائرة في سوريا تقطعها في هذه اللحظة ابتسامة تجمع انتحارياً في “جبهة النصرة”، وناشطاً في “حزب الله”. إنّها مجرد هدف في مرمى نادي الأنصار.
والحال أن الابتسامة هي العابرة والهشّة فيما الحرب هي الحقيقة، ذاك أنها، أي الابتسامة، لم تستطع أن تنتزع الشابين من الحرب، لكنها في المقابل كشفت عن احتمال. النادي الذي جمعهما وهو “الأخاء الأهلي” عاليه، جبليّ لبناني، لا بل هو درزيٌ، وذلك لم يُعِق تشاركهما بابتسامة وفي حرب. هو احتمال هشّ على نحو ما هي هشّة المدن حيال الإرهاب. نيويورك وباريس من أقوى مدن العالم، لكنهما لم تصمدا أمام حفنة صغيرة من الانتحاريين. هما أقوى مدن العالم إذا ما كان القرار الاستمرار بالحياة، وهما أضعف من صنعاء إذا ما كان الموت هدفاً. في اليوم الذي قُتل فيه 12 صحافياً في باريس (مجزرة شارلي إيبدو) قُتل أيضاً 35 مدنياً في صنعاء. باريس كادت تنهار، لكن صنعاء لم تتأثر.
“الأخاء الأهلي” عاليه عكس المعادلة نفسها. فابتسامة اللاعبَين كانت لتكون أقوى من الانقسام الدموي الذي يُباعد بينهما، لو أننا في سياق آخر غير سياق الحرب. كان من الممكن أن يُبنى عليها، وأن تضع الشابين في موقف مختلف.
إنها الحرب، وهو تماماً ما تفعله الحروب. تنتزعنا من ابتساماتنا. فكيف يمكن لشابين هذا حالهما أن يتحاربا؟ علينا أن ندفع مخيّلتنا خطوة أخرى، فهما لم يتواجها في الواقع، لكن ذلك ليس مستبعداً، فالأول في “جبهة النصرة” والثاني في “حزب الله”، وتدور حرب دموية بين الطرفين في سوريا.
ليس مهماً في هذه المفارقة مَن الأقوى ومَن على حق. المهم أن لبنان هو هذه الابتسامة الهشّة والعابرة والمُنقضَية بانقضاء الصورة، فيما الحقيقة أن الشابين يتحاربان خلفها. لبنان لا يقوى على انتزاعهما من الحرب وإعادتهما إلى الصورة، فمن أرسلهما أقوى منه وأكثر نفاذاً إلى وجدانهما.
كان يمكن للشابين أن يعودا إلى لبنان وأن يقتتلا فيه بدلاً من أن يتقاتلا في بلاد الآخرين. في حينها كان ليخوضا حرباً إقليمية في بلدهما، لا حرباً أهلية، فمادة القتال ليست لبنانية على الإطلاق. وعندها ستحضر الصورة مجدداً، إذ إنها، على هشاشتها وسرعة انقضائها، تجمع بين لبنانيَين مبتسمَين. هي ضعيفة تماماً كضعف لبنان، وهنا ستحضر أيضاً مقولة أن “قوة لبنان في ضعفه” بصفتها مأساة.
موقع لبنان ناو