أحمد فؤاد نجم في مرمى الإسلاميين والعسكر
منصورة عز الدين
يبدو أن التحالف بين الفاشية العسكرية والفاشية الدينية سيكون عنوان المرحلة في مصر إلى حين. هدف هذا التحالف كما اتضح مراراً هو تطويق الروح الثورية والانتقام من الثوار من جهة والهاء الناس في قضايا فرعية تبعدهم عن التركيز في ما يجري من صفقات لترسيخ الاستبداد وتقليص فرص التحول الديموقراطي.
بعد بلاغات كثيرة ضد عدد من الثوّار والمعارضين لانتقادهم المجلس العسكري واعتراضهم على ما يحدث من قتل وتعذيب وتجاوزات، جاء الدور على أحمد فؤاد نجم ليكون هدفاً للفاشية الجديدة الدامجة بين الاستبدادين الديني والعسكري في قضية هي الأوضح تمثيلاً لهذا التحالف.
إذ قبل أيام أحال النائب العام المصري عبد المجيد محمود بلاغاً مقدماً ضد نجم على نيابة أمن الدولة العليا طوارئ لفحصه واتخاذ اللازم فيه.
مقدم البلاغ هو أحمد سيف الإسلام حماد المحامي، منسق «المركز الحقوقي لدعم المسلمين الجدد»، الذي يتهم نجم بازدراء الدين الإسلامي وسب الدين لكل من حسني مبارك، المشير طنطاوي، وفريد الديب، وجاء في البلاغ الذي حمل الرقم «849 – بلاغات نائب عام» أن نجم «سب الدين» في مداخلة تلفونية بإحدى القنوات الفضائية، و«حرض الجنود على الخروج عن طاعة القائد العام للقوات المسلحة وتهديد الأخير وترويعه»!! كما اتهم البلاغ نجم أيضاً بـ«مدح الشيعة وسب السنة» في مناسبة أخرى!
المداخلة الهاتفية المشار إليها جرت في ديسمبر الماضي خلال استضافة المذيعة دينا عبد الرحمن المرشح المحتمل للرئاسة حمدين صبّاحي في برنامجها على قناة «التحرير».
بالرجوع للفيديو الخاص بالمداخلة الهاتفية المرفوع على موقع «يوتيوب»، سنجد أن نجم يُعلق غاضباً على سحل الفتاة المصرية وتعريتها في الشارع خلال أحداث مجلس الوزاء ويطالب بمحاكمة طنطاوي وكل أعضاء المجلس العسكري، أو كما قال صاحب «غيفارا مات» حرفياً:
«أطالب بمحاكمة المشير طنطاوي ده، هو اسمه ايه طنطاوي ده؟ وكل المجلس العسكري اللي عملوا ده، اللي مسكوا البنت دي وعروها وداسوا عليها. يا باشاوات يا عِرر يا بتوع الجيش، انتم لما مات منكم 8 على الحدود مفيش راجل فيكم فتح بقه، العيال دول (يقصد الثوار) راحو قدام السفارة وقدموا شهداء تاني. يا سيد مشير ارجع في كلامك، وكفاية كده، كفاية فضايح، أنت هترجع هترجع والثورة المصرية مش هتتسرق، واللي هييجي ناحية الثورة المصرية هنطلع دين أمه»!
وما ان انتهت المداخلة السريعة حتى شكرته المذيعة، واعتذرت، على الهواء، عن «أي كلمة قد تسيء للبعض».
اللافت للنظر أن مقدم البلاغ، هو نفسه محامي عبير طلعت بطلة أحداث الفتنة الطائفية في إمبابة التي انتهت بإحراق كنيسة «مارمينا» بعد محاصرة سلفيين لها مطالبين بـ«أختهم» عبير.
نجم الذي عاد لأشعاره بريقها وألقها خلال ثورة يناير، لا يأخذ المسألة على محمل الجد كما يؤكد المقربون منه. يقولون إنه كعادته يسخر مما يحدث محتفظاً بمنسوب الشغب والتمرد نفسيهما.
هو لم يتلق استدعاء للمثول أمام نيابة أمن الدولة حتى لحظة كتابة هذه السطور، غير أن أصدقاءه يستعدون لهذه الخطوة، فالناشر والكاتب محمد هاشم، صاحب دار ميريت، يحشد أكبر عدد ممكن من المثقفين المصريين لتقديم أنفسهم كمتضامنين مع نجم في التهم المنسوبة إليه في حال استدعته نيابة أمن الدولة العليا. يقول هاشم إن الاستجابة لدعوته فوق مستوى التخيل، «أهم الكُتّاب والمثقفين سيكونون هناك جنباً إلى جنب مع شباب المثقفين والثوّار. فعلنا هذا مع إبراهيم أصلان أثناء أزمة رواية «وليمة لأعشاب البحر» لحيدر حيدر. قدمنا أنفسنا كمحرضين له على نشر الرواية بحيث نُعاقب معه إذا تمت معاقبته، والآن سنقدم بلاغاً بأنفسنا كمتبنين لتصريحات نجم بحيث نُحاكم معه لو تمت محاكمته. الوقفات الاحتجاجية لا تكفي وحدها. أحمد فؤاد نجم خط أحمر».
من جهتهم، لم يتأخر النشطاء الحقوقيون، إذ تطوع عدد كبير منهم للدفاع عن الفاجومي، وفي كل يوم يزداد عدد المتطوعين ممن ينتظرون أن يقوم الشاعر الكبير بعمل توكيل لهم للدفاع عنه.
لا أحد يعلم ماذا سيكون قرار نيابة أمن الدولة العليا، لكن من الواضح أن ثمة ميلاً للتصعيد على الأقل لإلهاء الثوّار في معركة جديدة من معارك الدفاع عن النفس والوجود في ظل فاشية غاشمة تهدد الجميع، بدليل أن النائب العام لم يحفظ البلاغ المقدم إليه، وإن كان لا يُتوَقع أن يكون أحمد فؤاد نجم في خطر حقيقي، فجملة محمد هاشم العفوية بأن «نجم خط أحمر» رغم تحولها إلى كليشيه لكثرة تكرارها في حالات متباينة، تحمل هنا معنى إضافياً بالنظر للقيمة الرمزية الكبيرة التي يمثلها صاحب «غيفارا مات» بالنسبة للكثيرين حتى ممن لا تتفق ذائقتهم الفنية، بالضرورة، مع أشعاره.
(القاهرة)
السفير