أداء إعلامي متخبط في دمشق
ثورة حقيقية أم أنصاف الثورات في سوريا؟
بهية مارديني
رأى مراقبون أنه من الغريب أن تتهم دمشق وسائل إعلام غربية بعدم الحيادية والموضوعية ونسج مؤامرات ضد سوريا، ثم تطل الدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية لرئاسة الجمهورية عبر قناة “البي بي سي” البريطانية، التي طالتها الاتهامات ضمن مجموعة من الفضائيات، لتعلن شعبان عن جملة إصلاحات مقبلة، ثم تصرّح عبر وكالة الأنباء الفرنسية بأن قانون الطوارئ رفع، إلا أنها لا تعرف متى سيدخل القرار حيز التنفيذ؟، لتتردد أنباء رسمية تنفي تصريحات شعبان.
القاهرة: من وجهة نظر الناشط والصحافي ياسر زارع في تصريح خاص لـ”ايلاف” فإن هناك تخبطًا سياسيًا واعلاميًا ملحوظًا في ظل غياب معلومة واضح، وأشار الى “أن ما يحصل في سوريا هو استمرار للانتفاضة الشعبية العربية ضد القهر والفساد والبحث عن الحرية “، وأعرب عن تخوفه من عدم معرفة الحقيقة لأن “سوريا منغلقة ومعزولة على المستوى الاعلامي، لذلك لا أحد يعرف ما الذي يحصل فيها بالضبط؟”.
واعتبر أن على القيادة السورية أن تحسم خياراتها في الإصلاح الحقيقي، وسط أنباء متضاربة بين نفي وتأكيد ُمقلق لحديث الدكتورة شعبان الى وكالة الصحافة الفرنسية حول الغاء قانون الطوارئ، ثم نفي هذه التصريحات.
سياسة إعلامية جديدة
هذا وكان واضحًا الهجوم على صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من السلطات السورية عبر صحيفة “الوطن” السورية هذه الفترة لأنها ذكرت في تقرير عبر مراسلها من دمشق ما مفاده أن أصل ما يجري في درعا هو خلاف بين رجل الأعمال رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري على مصنع للحلقوم مع أحد أهالي درعا، مستهزئة بهذا الطرح، إلا أنه كان لافتًا أن هناك تغييرًا في سياسة “الوطن” السورية اليوم عبر محاولات لتقديم مقالات أقرب ما تكون إلى الموضوعية والمنطقية، حيث قال الدكتور مروان قبلان “أنكر أنني لم أصدق كلمة مما ذهب إليه البعض في محاولة تبرير ما حصل في درعا سواء المتعلق منها برواية “المدسوسين” أو رواية “العصابات والمجرمين”، فقد كان رأيي وما زال أن أهل درعا كانوا محقين في مطالبهم، وهم أرادوا أن يعبّروا عن وجعهم، فجاءت المعالجة الأمنية لتفجر الموقف.
ورغم أن بعض إعلامنا ظل يروج لنظرية “المدسوسين” على درعا، ومن ثم إضافة ملح على جرح أهالي الضحايا في المدينة، إلا أن هذه الأخيرة ظلت أمينة لوطنها حتى وهي تلعق جراحها. لكني بدأت أشعر بالخوف فقط عندما انتقلت الاضطرابات إلى مناطق أخرى سواء في ريف دمشق أو اللاذقية”، وهو مايعني أن قبلان يُكذّب الرواية السورية الرسمية الأولى في تصوير تظاهرات أهالي درعا بأنها ماهي الا تظاهرات من “مدسوسين”.
إضافة الى ذلك، غازلت “الوطن” وسائل الاعلام الخارجية، واعتبرت أن هذه الوسائل خففت “من حدتها في نشر روايات شهود العيان التي تبين حجم التلفيق فيها، واكتفت بنشر بعض مقاطع الفيديو “الملفقة” التي كان آخرها مقطع فيديو حمل اسم شباب القرداحة ..، ليتبين في ما بعد أن هذا المقطع منشور منذ عام 2008 تحت اسم (حزب الله وأمل)، تم في ذلك الوقت تركيب هذا الفيديو لتشويه صورة حزب الله وحركة أمل” ، بحسب الوطن، التي قالت أيضًا إنه “تم بث فيديو لتظاهرة حاشدة في باريس قيل إنها لدعم “الثورة السورية”، والصحيح ، بحسب التقرير، أن التظاهرة كانت أمام السفارة الليبية فتغلغل بينها عدد من الشبان رافعين أعلاماً سورية ولافتات، وتم تركيب صوت تظاهرات درعا ليظهر الفيلم وكأنه تظاهرة حاشدة للتضامن مع “الثورة السورية””.
الا أن الواقع على الأرض يشير الى أن مانجحت فيه دمشق حتى الآن هو بث الرعب بين معظم السوريين في أن فتنة طائفية قد تكون آتية، الأمر الذي دعا كاتبًا وصحافيًا مثل أحمد الخليل وهو صحافي متوازن يعيش في دمشق ومعتقل سوري سابق من الطائفة العلوية، يكتب مقالة عن تخوفه من ضربة طائفية طائشة في طريق عودته الى منزله بين الحارات والشوارع، ويرثي مصير سوريا الذي يراه يتجه كغيره من البلدان الى الفتنة. وساد نقاش حاد بين سوريين في مواقع التواصل الاجتماعي يتم التحدث فيه عن أنصاف الثورات مابين مؤيد ومعارض.
كما كانت هناك قراءات للوضع الداخلي تشبّه ما يحدث في دمشق الآن بالبذور الطائفية التي حدثت في العراق، وأن انطلاق الثورة من الجوامع يوم الجمعة هو أمر غير محمود، ويدل على بعد ديني محض.
في غضون ذلك أعلنت لجان التعبئة الشعبية من أجل الإصلاح والتغيير السلمي في سورية في بيان، تلقت “ايلاف” نسخة منه، الانضمام إلى الثورة السورية، مطالبة بـ”تعبئة الجماهير استعدادا لانطلاق المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات السلمية، لممارسة الضغوط الحقيقية على السلطة الحاكمة وصولاً إلى الانتقال السلمي المتدرج من الاستبداد إلى دولة القانون والمؤسسات، ودولة العدل والمساواة التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات”، معبرين عن ايمانهم “بأن المدخل إليها يمر عبر إلغاء حالة الطوارئ والمحاكم الاستثنائية والأحكام العرفية، والقانون رقم (49/1980)، والإفراج الفوري عن جميع سجناء الرأي، وتسوية كل الملفات الإنسانية”.
وأشارت اللجان الى تحذيراتها السابقة للنظام “من أن شعبنا الذي انتظر تحقيق وعود الإصلاح والتطوير عشر سنوات لن ينتظر إلى ما لا نهاية”، وأعلنت أنها سبق أن تقدمت برسالة إلى الرئيس بشار الأسد دعوناه فيها إلى أن يدخل “التاريخ من بوابة الوطن كقائد وطني…. إلا أن النظام استخف بكل النصائح والتحذيرات، وبدا واضحًا أنه يسير بعكس إرادة الجماهير، فهبّ الشعب في المحافظات والمدن السورية كافة يقول كلمته في انتفاضته المباركة بعد عام واحد من بياننا الأول، فكانت صرخة الجماهير الغاضبة أقوى من لغة البيانات السياسية وأسرع من توقعات جميع المحللين والمراقبين والناشطين السياسيين”.
وُذيل بيان لجان التعبئة الشعبية من أجل الإصلاح والتغيير السلمي في سورية باسمي الدكتور عزت سعد الدين السباعي، وياسمين عبد الكريم الصباغ.
قرارات السلطة ليست في مستوى الحدث
من جانبه اعتبر إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي أن قرارات السلطة ليست في مستوى الحدث، وفي بيان إلى الشعب السوري تلقت “ايلاف” نسخة منه، أكد أنه بعد مجزرة الجامع العمري في درعا وانتهاك حرمته وقدسيته التي ارتكبتها القوات الخاصة السورية بحق المعتصمين العزل والجرحى، أعلنت السلطة عزمها القيام بمجموعة من الإجراءات الاقتصادية والإجرائية والسياسية.
ولكن، في اليوم التالي لما أعلنته السلطة، كما ذكر البيان، فوجئ السوريون باستمرار أساليب القمع والقتل في المدن السورية،” في الوقت الذي كنا نتوقع فيه أن تسحب السلطة قواتها الأمنية من شوارع المدن، وأن توقف القتل، فإذا بها تدفع أزلامها في مسيرات بالسيارات في دمشق وغيرها من المدن السورية، استفزازاَ وتخويفاً.
كما سقط عشرات الشهداء ومئات الجرحى من الذين خرجوا للتظاهر انطلاقاَ من المساجد في مدن محافظة درعا وحمص وحماه واللاذقية ودمشق وريفها، عدا عن الاعتقالات التي طاولت المئات، ومئات أخرى من المفقودين الذين لم يعرف مصيرهم بعد”.
واعتبر اعلان دمشق “أن تصرفات أجهزة السلطة يدل على أنها لم تكن جادة في ما طرحته، مدينًا سفك دماء المواطنين العزل، رافضًا استخدام الجيش في قمع الشعب، معتبرًا أن قرارات السلطة لا ترقى إلى مستوى الحدث الذي تجاوز نقطة اللاعودة، ولا تقدم حلولاًَ، فالمرحلة دقيقة، وتتطلب صدقًاَ وجدية وسرعة في التعاطي مع هذه الأيام المأساوية”.
ورأى إعلان دمشق “أن المخرج من هذه الأزمة المستفحلة يتطلب سحب القوات الأمنية والجيش والشبيحة من المدن، ووقف سفك الدماء، وتقديم اعتذار للشعب السوري عما ارتكبه المجرمون خلال الأيام الماضية، وإحالة المسؤولين عن المجازر إلى المحاكمة، من خلال تحقيق قضائي مستقل، والتعويض عن الضحايا والأضرار التي لحقت بالناس والإفراج عن كل المعتقلين على خلفية الأحداث الأخيرة في سوريا، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، اضافة الى مكافحة الفساد واتخاذ قرار واضح وفوري بإنهاء حالة الطوارئ، وإلغاء الأحكام العرفية والمحاكم والقوانين الاستثنائية التي شرعت التعذيب والاعتقال التعسفي وحماية المتورطين فيها”.
وشاطر اعلان دمشق الرأي في أن قرارات دمشق لاترتقي الى مستوى الحدث بلاغ صادر من الإجتماع الإستثنائي للهيئة القيادية لمنظمة أوروبا لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا ـ يكيتي، الذي دان” ما ارتكبته أجهزة أمن النظام من جرائم في تصديها لتلك الاحتجاجات السلمية وقمعها أدت إلى استشهاد أكثر من 150 من المتظاهرين وجرح عدد أكبر من ذلك بكثير”. مثمنًا صمود شباب درعا وتصديهم لآلة قمع النظام ببطولة.
كما دان قمع الأجهزة الأمنية للمتظاهرين في المدن السورية الأخرى التي وصلت إليها الاحتجاجات ضد القمع والظلم والفساد والاستبداد. وأعرب عن تأييده الكامل لمطالب المحتجين الشرعية والتي تمثل مطالب كل الشعب السوري بمختلف طوائفه وانتماءاته ومكوناته القومية والدينية والاجتماعية.
ودعا البيان الجالية الكردية أيضاً للمشاركة الفعالة فيها، دعماً وتأييداً للمحتجين وللمظاهرات. كما ناقش ما أعلنته المستشارة الاعلامية والسياسية للرئيس السوري، ورأى أن ذلك لا يتعدى كونه ذر رماد في العيون ومجرد كلام ووعود لن تفي بها السلطة التي فقدت مصداقيتها لدى المواطن السوري، معتبرًا أن تلك الوعود جاءت متأخرة، ولا تلبّي طموحات ومطالب الشعب السوري في سوريا حرة ديمقراطية، دولة لكل مواطنيها يتمتع فيها الجميع بالحرية والمساواة، لافتًا الى أن تلك التصريحات والوعود تجاهلت تماماً وبشكل رسمي الشعب الكردي وقضيته وما يتعرض له من ظلم واضطهاد نتيجة السياسة الشوفينية للبعث.
مطالبات للتجمع الوطني الديمقراطي المعارض
أمّا التجمع الوطني الديمقراطي في سورية، والمكون من خمسة أحزاب سورية معارضة، فقد قال في بيان، تلقت “ايلاف” نسخة منه، ان أبناء الشعب السوري هبّوا ليتظاهروا سلميًا يطالبون بالحرية والكرامة، بوقف العمل بقانون الطوارئ والحكم العرفي، بمناهضة الفساد ومحاسبة الفاسدين واسترداد أموال الشعب المنهوبة.
وخلافا للوعود المعطاة من النظام، تم إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في درعا والصنمين والمعضمية، وسقط شهداء جدد، وأكد التجمع “أن الشعب قد سئم الوعود والتسويف، وأنه يرفض كل المناورات التي تؤجل الاستحقاقات التي باتت ملحة أشد الإلحاح بعدما هدر النظام سنوات طويلة وهو يتجاهلها أو يسوّف فيها”.
مؤكدا “أن المطلوب الآن هو الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين جميعًا ومن دون استثناء، وليس عن بعضهم فحسب، ممن أمضى ثلاثة أرباع فترة حكمه الظالم والمفبرك أصلاً”، مشددًا على أن “المطلوب هو إفراج فوري لم ينفذ حتى ساعة كتابة هذا البيان عن المحتجين الذين اعتقلوا أمام وزارة الداخلية، وعن كل معتقلي الاحتجاجات والتظاهرات الأخيرة، وعن عبد الحفيظ الحافظ القيادي البارز في حزب العمال الثوري الذي اعتقل من منزله منذ أيام، ولم يعرف مكان وجوده حتى الآن، وعن الرفيق عباس عباس عضو قيادة التجمع الوطني الديمقراطي ورفاقه من حزب العمل الشيوعي، وعن سائر سجناء الرأي والانتماء والنشاط السياسي”.
كما طالب التجمع “بالتأمين الفوري لحق الشعب في التحشد والتظاهر السلمي والتعبير بكل وسائل التعبير المتاحة، ورفع الأحكام العرفية ووقف العمل بقانون الطوارئ بالسرعة القصوى، مدينًا إطلاق النار على المواطنين العزل في درعا وريفها وفي المعضمية وغيرها.
اضافة الى ادانته تصرفات الأجهزة الأمنية التي تسارع لاعتقال المثقفين والمحتجين السلميين، في حين تغضّ البصر عن تحركات علنية ومسلحة بالأسلحة البيضاء والأسلحة النارية لمجموعات البلطجية والزعران التي مارست وتمارس القتل والطعن والتحريض الطائفي البغيض ضد المواطنين (من الطوائف المختلفة)، محذّرًا من خطورة أي فعل أو قول يعمل لإثارة الغرائز الطائفية بوعي وتقصد إجرامي وتخريبي، أو بجهل وسفاهة، ومن أية جهة جاء.
التحذير نفسه الذي أطلقه التجمع الوطني الديمقراطي، أطلقته جماعة الاخوان المسلمين في سوريا، محذرة النظامَ “من عواقب هذه اللعبة (الطائفية) الخطرة، داعية الشعب السوري الى “التكاتف والوحدة الوطنية والمحبّة والتعالي على الجراح، وفضح المؤامرة الخسيسة والمتآمرين الحقيقيّين، وعدم الانجرار إلى أفخاخهم الطائفية البغيضة”.
وفي بيان، تلقت ايلاف نسخة منه، اعتبرت الجماعة “أنّ الإصلاح الحقيقيّ الصادق، لا يكون إلا بإلغاء قانون الطوارئ فوراً وحقيقةً لا زعماً، وتبييض السجون، وإلغاء كل القوانين العُرفية والاستثنائية ومَحَاكِمها، وإطلاق الحرّيات العامة، والقضاء على الفساد ومحاسبة الفاسدين، وتغيير الدستور، وإنهاء حُكم الحزب الواحد، والتعويض على أهالي الضحايا والمتضرِّرين، والدعوة إلى انتخاباتٍ عامةٍ إداريةٍ وبرلمانيةٍ ورئاسية، تحت رقابةٍ دولية، وتشكيل حكومة وحدةٍ وطنية، والكشف عن مصير المفقودين، وعودة المهجَّرين”، محمّلة النظام المسؤوليةَ الكاملة عن كل قطرة دمٍ سفكتها قوّاته، رافضة كل المزاعم التي حاولت تبرير ما ارتكبته هذه القوّات من جرائم بحق الإنسانية، معلنة أن الجماعة ستعمل على تقديم المجرمين إلى المحاكم الدولية والجنائية.
ايلاف