أدباء عالميون يتحدثون عن الحب والأدب/ كاتيا الطويل
«أخرج في موعد مع فتاة تحبّ الكتابة» كتاب للمدوّن محمّد الضبع (الدار العربيّة للعلوم- ناشرون،2015)، هو عبارة عن مجموعة نصوص انتقاها المؤلّف من أجمل ما كُتب في الأدب العالميّ في الحب والكتابة، نصوص أدبيّة متوهّجة لعدد من كتّاب عالميين اختارها المؤلّف ونقلها إلى العربيّة. كلمات واقتباسات مرصوفة بحسب موضوعاتها، مكتوبة بلغة متماسكة زاخرة بجميل العبارة ورفيعها. مقاطع أدبيّة مترجمة تتناول الحبّ والانفصال والكتابة والفنّ والألم والسعادة والحياة والموت. كلمات صادقة تلمس الذات الانسانيّة الرهيفة وتحلّق بها إلى عوالم جميلة.
يجمع محمد الضبع في كتابه نصوصاً ترجمها، وهي نصوص موجودة على مدوّنته الإلكترونيّة «معطف فوق سرير العالم»، مدوّنة يجمع فيها ما يترجمه من أعمال عالميّة تنتمي إلى الإرث الأدبيّ المتناقل منذ قرون.
ويقسِم الضبع كتابه خمسة أقسام، فالقسم الأوّل مخصّص للحبّ ويرد في ثمانية أجزاء تندرج كلّها تحت عنوان «ما هو الحب؟» وفي هذا القسم ترد رسائل حبّ شهيرة، كلمات غزل رقيقة، تفاصيل طريفة عن القبلة الأولى في التاريخ البشريّ وتطوّرها، كلمات في الحبّ ونظريّات فيه ورؤى كبار المفكّرين حوله. فتطفح الصفحات بكلمات الحبّ التي كتبها أدباء وفلاسفة في قرون خلَت ، فيقول شارلز بوكوفسكي مثلاً: «الحبّ يشبه الضباب الذي تراه في ساعات الصباح الأولى. يستمرّ لوقت قصير ثمّ يتلاشى. الحبّ هو ذلك الضباب الذي يتلاشى عند طلوع نهار الواقع.» (ص 33) ويقول سي. إس. لويس عن الحبّ: «لا يوجد استثمار آمن في الحبّ. أن تحبّ يعني أن تكون ضعيفًا. جرّب أن تحبّ أيّ شيء وسيضعف قلبك وقد ينكسر. إذا كنتَ تريد أن تحافظ عليه دون ألم فعليك أن تحتفظ به لنفسك. ضع عليه غلافًا أنيقًا واربطه بحذر وألصِق فوقه بعض الزينة.» (ص 34) أمّا دوستويفسكي الذي استحضره الكاتب من القرن التاسع عشر فيطالع قارئه بنظريّة مختلفة عن النظريّتين السابقتين، فالحبّ عند هذا الكاتب الروسيّ المبدع ليس وهماً ولا ألماً ولا سبب بؤس، الحبّ عنده جنّة وأمل وارتقاء انسانيّ: «ما هو الجحيم؟ معاناة ألاّ أكون قادرًا على الحب.» ( ص35)
ويخصّص الضبع القسم الثاني من كتابه للكتب والكتابة والأدب والفنّ والإبداع. نصوص كثيرة لكتّاب عالميّين من بينهم مقابلة مع الأميركيّ الراحل راي برادبيري وأخرى مع الكولومبي الفائز بجائزة نوبل في الآداب غابرييل غارسيا ماركيز. نصوص تُعدّ من روائع الأدب العالميّ، يبثّ فيها الكتّاب شغفهم بالكتابة وبالقراءة. فتظهر الكتابة عشقًا وحاجة وواجباً حتميّاً لا مفرّ منه، تظهر هواءً للتنفّس، حبلاً للنجاة من بئر الواقع المخيفة: «الحقيقة الأولى: ليس لدينا خيار آخر. القصص تحترق وتتوسّل الخلاص. نحن كتّاب بالفطرة والقدر والنيّة، وليس بالاختيار. […] الحقيقة الرابعة: من المخيف أحيانًا أن نحمل كلّ هذه الكلمات داخلنا. […] الحقيقة الخامسة: الكتابة هي أكثر ما نحتاجه. […] الحقيقة السادسة: هنالك أيّام تصبح الكتابة فيها بالنسبة لنا مسألة نجاة.» (ص 99)
وتزيد شحنة الغرابة والإبداع مع التقدّم في القراءة، فيخصّص الكاتب قسمه الثالث أيضًا للكتابة ولقصص الكتّاب ورسائلهم وعلاقاتهم بالكتابة والكلمات. وهذا القسم الذي يحتوي هو الآخر على ثمانية أجزاء يجسّد نظريّةً رائجة في الأدب يؤمن بها عدد كبير من أهل الفكر والأدب ألا وهي أنّ الكاتب الحقّ، الكاتب الناجح، بحاجة لمأساة في حياته ليبدع. فتبلغ الغرابة والطرافة والحنكة أوجها في نصّ ترد فيه نصائح للكاتب لا بدّ من أن يعتمدها ليصبح أديباً ناجحاً. فوصفة الكاتب الناجح والأديب الباهر المتوهّج لا بدّ من أن تمرّ بـ «قصّة كارثيّة في الطفولة» وبـ «زواج تعيس» أو «علاقة تعيسة»، والأهمّ من ذلك يجب على الأديب الطموح «تعاطي المخدرات» وغيرها الكثير من النصائح الغريبة. ووصفة البؤس هذه التي يقدّمها النصّ كعنصر أوّليّ لنجاح أيّ كاتب تنطبق على عدد كبير من الكتّاب الخالدين الذين ما زلنا نقرأ كتبهم والذين شكّلت مأساتهم المحرّك الأوّل لقريحتهم الأدبيّة.
«مع كلّ كاتب إضافيّ يهتمّ بصحّته، يسقط الأدب في حفرة عميقة من السوء والفشل. […] الحقيقة هي أنّ الأدب العظيم يحتاج إلى معاناة عظيمة.» (ص 140) يشكّل هذا القسم الثالث جزءاً كبير الأهمّية في الكتاب وفيه يصبّ المؤلّف مزيجًا من الجدّية والأدبيّة والطرافة والخفّة.
أمّا القسم الرابع والأخير من أقسام الكتاب فيتطرّق إلى الكتابة طبعاً ولكن أيضًا إلى مواضيع أخرى مختلفة منها الموت والزمن ومقابلة بين سارتر وكامو ،حتّى أنّ الكاتب يورد نصّاً حول بدايات الكوكاكولا وأسطورة اختراعها. ويسيطر على هذا القسم الأخير شيء من الحنين أو من الخوف من الزمن ومن الموت، فالنصوص محفوفة بكلمات عن الماضي والذكريات، فمثلاً اختار المؤلّف أن يترجم لباتريك ليندر نصّاً يقول فيه: «أنتَ تحمل ماضيك معك إلى كلّ مكان تزوره. إنّه الحقيبة اللامرئيّة التي لا يقدر أحد أن يحملها عنك: أنت فقط من يقدر على دفعها وسحبها من مكان إلى آخر.» (ص 188).
ويرد مفهوم السعادة في مواضع متفرّقة من الكتاب أبرزها في هذا القسم الرابع. فيختار المترجم نصّاً نقلاً عن إليزابيث جيلبرت: «يميل الناس إلى الاعتقاد أنّ السعادة نوبة حظّ، شيء يشبه الطقس الجيّد سيحلّ عليك إذا كنتَ محظوظًا. لكنّ السعادة هي نتيجة جهدك الشخصيّ. عليك القتال لأجلها، الكفاح لأجلها، الإصرار على الوصول إليها، وأحيانًا السفر لأقصى بلاد الأرض بحثاً عنها. عليك أن تنتمي لها دون هوادة.» (ص 216).
أمّا القسم الخامس والأخير فعنوانه «قصائد المعطف»، وهو قسم صغير، لا يتخطّى العشر صفحات، فيه قصائد اختار الكاتب أن يُنهي كتابه بها ونذكر منها على سبيل المثال: «أقول لأمّي:/ «لقد فزتُ بجائزة نوبل!»/ تجيب: «مرّة أخرى؟/ في أيّ فرع؟»/ هي لعبة صغيرة نلعبها:/ أتظاهر بأنّني شخصٌ له أهمّيّة/ وتتظاهر بأنّها ما زالت حيّة.» (ص 247)
الحياة