أفكار في الثورة… ثورة البنفسج
ما يجري في سورية لا يُصدَّق، معجزة حقيقية، وحدة وطنية بين كل الشعب المعارض من جميع الطوائف، كذلك في المقلب الآخر، وحدة بين كل الموالين للنظام من جميع الطوائف. إذاً نحن أمام وحدة وطنية في كل الحالات وليس كما يقول النظام وأبواقه الإعلامية والكثير من المعارضين والموالين أن هناك حالة طائفية في سورية، وما جرى في حمص مثلاً من عمليات خطف وتخريب والتي قُرأت وفُسّرت على أنها نزاعات طائفية، ماهي سوى حالة صراع واشتباك طبيعي بين موالين للنظام ومعارضين له.
يتجه النظام إلى وضع الثورة في مأزق إظهارها كأنها ثورة مسلحة وطائفية. والخطر يكمن في أن ينجر بعض الشباب المتأثرين بفعل النظام إلى فعل -هو بالأحرى رد فعل- يوازي النظام في طائفيته. إذا تحقق ذلك لا بد من أن نعمل على تغيير مؤسسات وحركات وهيئات معارضة من الداخل، لا أن نلجأ إلى إقامة تجمعات علمانية أو يسارية منفصلة عن هيئات المعارضة الحالية، لأن ذلك يؤدي إلى “قصم” المعارضة وليس فقط قسمها، الأمر الذي سيؤدي إلى فصل بين حالتين، حالة إسلامية متعاظمة وحالة علمانية متعاظمة، عندئذ سندخل في صراع زائف، بين علمانية وإسلامية، وسيربح النظام لا محالة. الفعل السياسي لا يكون بالاستقلال عن جبهة المعارضة، لا يكون بالخروج من أي حركة من حركات المعارضة كي لا تنفرد بالقرار. في الوضع السوري الراهن لا بد من البقاء مع الخصوم السياسيين للتحكم والضغط من داخل المشهد السياسي.
الجغرافية الإجتماعية السورية غير متجانسة لذلك نجد مناطق الثورة حمص، حماة، إدلب، ريف دمشق، درعا، دير الزور في مكان متقدم من الثورة، ونجد دمشق، الحسكة، واللاذقية وطرطوس وريف حلب في مكان متأخر نسبياً، وسنجد السويداء وحلب في مكان آخر، ولن نجد ريف اللاذقية وطرطوس والرقة ضمن هذه الجغرافية الإجتماعية (الرقة تحركت أخيراً). لقد إشتغل النظام الأمني الأسدي على إبقاء التفاوت الإقتصادي والإجتماعي بين المدن والأرياف والمناطق السورية على حاله وغزّاها كي تتعمّق أفقياً وعمودياً.
سيأتي على الثورة يوم يكون الحل مقبولاً للجميع من داخل البلاد، كل الثورات جاءت قياداتها الأساسية وانتصاراتها من الداخل، مع مشاركة قيادات من الخارج، لا العكس. لا أعرف إن كانت وفود المراقبين العرب وقوات تدخل عربية يمكن أن توفر هذه الإمكانية لثورتنا، إمكانية إيجاد ساحات الحرية، كل الثوار والثائرات يتمنون ذلك.
ليس في منطق الثورات أن تكبح فراملها في منتصف الطريق بسبب الخوف من إمكانية وصول نظام إسلامي إلى السلطة أو أي تشكيل سياسي فكري لا يوافق عليه أغلبية الثوار أو جزء منهم. لا يفكر المشتركون في الثورات إلا في اللحظة، بغضّ النظر عن النتائج، ما نبدأ به لا يعني أن يكون هو عين ما ننتهي إليه، بمعنى قد نبدأ لغاية وننتهي بما يشبهها أو يخالفها، ومع ذلك لا يتوقف الثوار. الثورة هي حالة اجتماعية نفسية آلية مستقلة بذاتها، مستقلة عمّا بعدها.