صفحات المستقبل

صدّق أو لا تصدّق.. إنه الميدان


عمر حرقوص

كتب أحد الشبان في دمشق رسالة إلى أصدقائه في بيروت يخبرهم فيها عن تظاهرة منطقة “الميدان” في وسط دمشق، كان يتحدث عن أكثر من عشرة آلاف متظاهر شاركوا في تشييع طفلتين قتلتا برصاص “الشبيحة” قال الشاب إن دمشق في حراكها هذا كانت تعطي من جديد نموذجاً متقدماً في فعل الثورة السورية لإسقاط النظام.

المهم أن الشبان في بيروت لا يعرفون منطقة الميدان، ولا هم يدركون حجم أبنيتها أو انتماءات سكانها الدينية والمناطقية ولا حتى نوع الحجارة المبنية منها هذه المنطقة، فدمشق بعيدة عن بيروت منذ زمن طويل، وكثير من الشبان اللبنانيين وعائلاتهم من قبلهم لم يكونوا قبل الثورة يستسيغون زيارة دمشق بسبب الملفات الأمنية التي يمكن أن تُخلق سريعاً لأي عابر حدود، أو حتى تشابه الأسماء كان يولّد الكثير من الرعب بسبب السجن على الأقل لمدة أسبوع في سجون النظام، من “تدمر” إلى “صيدنايا” وفرع “فلسطين” و”المزة” وغيرها من مسميات وضعت لتخويف الناس.

مسألة تظاهرة “الميدان” لا يصدقها الشبان اللبنانيون المتابعون بشكل يومي للثورة السورية، ومثلهم الشبان السوريون المغتربون أو اللاجئون خارج بلدهم هرباً من الاعتقال والقتل، يُضاف إليهم أكثر من عشرة آلاف إنسان من كافة الأعمار ممن تواجدوا في “الميدان” وشاركوا في التظاهرة وتلقوا فيها الرصاص وشهدوا إصابة رفاق لهم برصاص الأمن و”الشبيحة”. فالميدان كان قبلة الداعين إلى التظاهر كل مرة دعي فيها أهل دمشق إلى التحرك، ولكن الأمن كان يقفل الطرقات من كل النواحي فلا يصل الناس، ولكن فجأة ومن دون انذار حضروا من شوارع دمشق وريفها وكذلك حضر البعض من أهل حمص القادرين على التحرك خارج مدينتهم.

أحد أبناء حمص المشاركين في تظاهرة الميدان واسمه يامن الشامي كتب على موقع “فايسبوك” يحكي قصته في الوصول إلى الميدان ومشاركته في التظاهرة وبكائه حين غنى الناس في دمشق “يا حمص حنا معاكي للموت”، يروي بالعامية “عندما صرت بالميدان.. أحسست نفسي في حمص.. مجموعة من الشباب صاروا يتطلعون إلي، وجدوني غريباً عنهم.. ولكي يرتاحوا اقتربت منهم.. قلت لهم أنا آتٍ من حمص.. خاص ناص.. لأشارك بالتشييع.. أجابوا: دخيل ربك، الله محييك.. وضموني.. قالوا لواحد من الشباب يضع لفحة على وجهه.. ابقى معه.. خلال التشييع.. أخذني الشاب إلى الساحة التي تجمع فيها الناس.. شغلة فوق الوصف قديش في عالم.. قلت له خذني لمكان عالٍ شوي.. ورأيت.. منظر فوق الخيال.. الآلاف من المشيعيين المتظاهرين”.

يكمل يامن قصته معلناً كحمصي أن الشام مدينة رائعة في مشاركتها “وخص نص وقت صاروا يهتفوا ويا حمص حنا معاكي للموت، نظر إلي الشاب الشامي وقتها.. صاروا يهتفوا لحمص.. للساروت.. يعني شو متخيلين يكون موقفي.. دموع عم تهر لحالها.. هيك لحالها”.

في الميدان هتافات عالية تذكّر بميدان التحرير في القاهرة قبل أقل من عام وتذهب الصورة إلى تونس وبعدها إلى طرابلس الغرب واليمن والبحرين، ولكنها أيضاً تعيد إلى الناس صورة مدينة درعا وتظاهرات أهلها رفضاً للقمع، وبعدها حماه وحمص وتلكلخ والقصير والبوكمال وغيرها الكثير من المدن السورية.

صوت الناس في “الميدان” كان يشبه صوت الصارخين في حماه، تهتز جدران المنازل وتهتز الأسلاك الكهربائية وتميد الأرض تحت أقدام الشبيحة، صبايا وشبان وكهول، أطفال من كل الأعمار أرادوا أن يصنعوا في جنازة فتاتين صغيرتين أملاً بالفرح السوري لإسقاط القتل والابتزاز والاعتقال الذي لا ينتهي ولا يجد من يوقفه.

يروي رامي العاشق من دمشق عبر “الفايسبوك” أيضاً كيف جلس الجميع على الأرض حين طُلب منهم ذلك، “وبدأ قائد المظاهرة يهمس: الشعب يريد إسقاط النظام، الشعب يريد إعدام الرئيس، وقبل أن ينتفض الجميع قافزين للأعلى كانت اللافتات قد وزّعت على الجميع، عبارات جميلة: لا لقتل أطفالنا، حي على الإضراب، الشعب السوري واحد”..

يكمل رامي روايته “انتفض الجميع للأعلى هاتفين بصوت واحد: الشعب يريد إعدام الرئيس، ما زلت غير مصدق أن هذا حصل في قلب العاصمة دمشق، كانت معظم الفتيات قد غطّين وجوههنّ لأن الكاميرات وضعت مقابل وجوههن تماماً، لكن العيون كانت تبرق بالحب وتعصف بالأمل، الجميع ينظر للجميع بحب، كنا نشعر بالأمان مع بعضنا، لأول مرة أمارس حقي الطبيعي في دبكة المظاهرة التي كنت أراها على قناة الجزيرة، الأيدي على الأكتاف والجميع يتمايل ويرقص رقصة النصر التي لطالما حلمنا بها، كانت المناشير تتساقط مثل زخات المطر المنهمر على العطاش”.

دمشق قبل يومين نقلت الانتفاضة السورية إلى مرحلة جديدة، اختلفت قليلاً عن المشهدية التي سيطرت عليها حمص “أم الدنيا”، فيما أبرزت مدينة حلب حضوراً قوياً في الأسبوعين الأخيرين من تظاهرات الطلاب في جامعاتها إلى المسيرات في شوارعها، يحاول “الشبيحة” القول إن طلاب جامعة حلب هم من خارج المدينة، كأنما من هم من خارج حماه ليسوا سوريين، هذا الموقف “الشبيحي” رد عليه الطلاب بإثبات انتمائهم إلى مدينتهم وكذلك ترحيبهم بأي مشاركة لأي سوري لأن البلد واحد مع شعبه في مواجهة القاتل.

خلال تظاهرة الميدان اعتدى “الشبيحة” بالضرب على الفنان السوري جلال الطويل، حيث أصيب إصابات خطيرة في الوجه والرأس، يقول أصدقاؤه إنه من الفنانين الذين أعلنوا معارضتهم للنظام السوري، وهو يشارك بشكل مستمر بالتظاهرات التي تنطلق في دمشق وريفها، والطويل هو واحد من أبطال المسلسلات السورية المعروفين، من مسلسل “بيت جدي” إلى جانب بسام كوسا من خلال أداءه لشخصية (شلهوب) الذي يعمل في السرايا، ومسلسل “شتاء ساخن” وغيره، يشارك كما غيره من أبناء شعبه في التغيير، رافضاً الانتماء الى حزب “الشبيحة”.

المتضامنون مع تحركات “الميدان” في دمشق كثر ولكن أجمل التعبيرات ما قاله “أدمن” صفحة “مغسل ومشحم حمص الدولي للدبابات”، حيث كتب بعد التظاهرة “اذا كانت مصر أم الدنيا.. وبيروت ست الدنيا فدمشق هي الدنيا، صباحكم شام وميدان العز، الميدان بالشام = حمص الشام”.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى