صفحات العالم

ألف نعم للتدخل الخارجي!


صالح القلاب

بصراحة، ليست كـ”صراحة” محمد حسنين هيكل، إن كل الذين يتمسكون برفض التدخل الخارجي في الأزمة السورية المستفحلة لا يقولون الحقيقة حتى لأنفسهم، فهؤلاء يعرفون تمام المعرفة أن هنالك تدخلاً خارجيـاً سافراً في هذه الأزمة، التي تحولت إلى حرب أهلية بطابع طائفي بغيض، وأن الإيرانيين بأسلحتهم وأموالهم ومقاتليهم وحراس ثورتهم دخلوا ساحة القتال إلى جانب بشار الأسد ونظامه منذ اللحظة الأولى، وأنه لولا التدخل الروسي بالقواعد البحرية وبالخبراء والمستشارين وبالسلاح والأهم بحق النقض “الفيتو” لكان هذا النظام الآن “في خبر كان”، كما يقال، ولما كان كل هذا الدمار والخراب وكل هذه الأعداد الهائلة من القتلى والجرحى والمفقودين والمعتقلين والمهجرين، الذين فروا بأرواحهم وأعراضهم وأطفالهم إلى الدول المجاورة. ثم إن هؤلاء يعرفون أيضاً أن مبادرة الجامعة العربية التي كان عنوانها الجنرال السوداني محمد الدابي وفريق المراقبين الذي قاده بمهمة فاشلة كانت تدخلاً خارجياً، وأن مهمة أنان الفاشلة أيضاً كانت تدخلاً خارجياً، وكذلك فإن مهمة الأخضر الإبراهيمي التي لم تبدأ بعد هي تدخل خارجي، وكذلك فإن أخطر وأسوأ تدخلٍّ خارجي هو أن بشار الأسد قد تقصد تحويل سورية منذ البدايات إلى ساحة صراع إقليمي ودولي، وهو أن النظام السوري قد استدرج إلى هذا البلد العديد من التنظيمات الإرهابية ليؤكد صحة ادعاءاته بأنه لا يقاتل متظاهرين مسالمين يطالبون بإصلاحات محقة، بل مجموعات متطرفة جاءت من الخارج لتتكرر التجربة الأفغانية والصومالية. والمعروف أيضاً أن التدخل الخارجي قد بدأ منذ اللحظة الأولى بمشاركة حزب الله في القتال إلى جانب النظام وقواته، وأن ما يقوم به رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في هذا المجال هو تدخل خارجي، وكذلك فإن تحويل بعض المناطق السورية الشمالية-الشرقية كالحسكة والقامشلي إلى قواعد ومعسكرات لميليشيات حزب العمال الكردستاني التركي هو تدخل خارجي، ولهذا فإن المؤكد أن الذين يرفضون التدخل الخارجي إنما يقصدون رفض أن يكون هناك تحرك دولي على غرار ما حصل في البلقان، في كوسوفو تحديداً، وما حصل في ليبيا من خلال سلاح الجو لإنشاء مناطق عازلة ولحماية الشعب السوري من هذا العنف الدموي الذي تجاوز كل الحدود. ربما أن كل الذين رفعوا شعار: “رفض التدخل الخارجي”، وبخاصة التدخل العسكري إن من قبل الدول المجاورة وإنْ من قبل مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة وأيضاً إن من قبل حلف شمالي الأطلسي، يعرفون أن رفضهم هذا قد شجع هذا النظام على التمادي في ذبح الشعب السوري، وارتكاب كل هذه المجازر التي ارتكبها، وكل هذا في حين أن المفترض أن تُظْهر كل الدول المعنية، ولو من قبيل المناورة، أن استخدام القوة العسكرية لإيقاف بشار الأسد عند حده غير مستبعد، وأن تبقى هذه الدول تلوح بهذا الخيار كي لا تُرتكب كل هذه المجازر التي ارتكبت والتي لاتزال تُرتكب يومياً. لقد كان على العرب وعلى الأتراك والأوروبيين والأميركيين ألا يطلقوا يد بشار الأسد ويحرروه من أي ضغوط تحول دون استمراره في ارتكاب كل هذه المجازر التي ترتكب يومياً من خلال الاستمرار في الحديث عن رفض التدخل الخارجي، بل كان عليهم أن يعلنوا أنه لابد من استخدام القوة العسكرية إن ليس بقرار من مجلس الأمن الدولي بسبب “الفيتو” الروسي والصيني فعلى هيئة التدخل في كوسوفو وعلى هيئة ما جرى في ليبيا، أما أن تستمر كل هذه المذابح البشرية بمشاركة إيرانية بكل شيء وبمساهمة روسية لا يمكن إنكارها، فإن هذا هو التخاذل بعينه، وإن هذا يشكل تواطؤاً يرتقي إلى مستوى المساهمة في كل هذه الجرائم التي يرتكبها النظام في كل يوم وفي وضح النهار، ولذلك فإنه نعم وألف نعم للتدخل الخارجي!

الجريدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى