أنا فلسطيني سوري ..
اياد حياتلة
أنا فلسطيني سوري، مش فلسطيني مقيم أو عايش بسوريا.
أنا فلسطيني سوري، بتعرفوا ليش؟ مش لأنّو جِدّ جِدّ جِدّي إجا من “حيتل” اللي هي بالجولان المحتل “عالشجرة” بفلسطين، واللي أنا متأكّد إنّو تلات ترباعكو ويمكن أكتر من نص عيلتنا مش سمعانين بحيتل اللي هي بمنطقة الزويّة بين حوران والجولان.
لأ القصّة مش هيك، القصّة إنّو أنا انولدت بسوريا وشربت من ميّتها وشمّيت هواها وكبرت فيها وأكلت من خيرها… وتعلمت بمدارسها وجامعاتها واشتغلت على أرضها وأعطيتها من جهدي وعرقي ودمّي كمان، ولمّا تزوجت جبت موافقات التجنيد والمختار وغيره وغيراتو مثلي مثل كل السوريين والفلسطينيين السوريين اللي بييجوا حوالي النص مليون، واللي موزّعين عالمخيّمات والمدن والقرى السوريّة، وألله أعلم يمكن فش ولا قرية بسوريا ما مرق أو اشتغل أو عاش فيها حدا فلسطيني.
أنا اللي ياما وقفت على أبواب المؤسسات الإستهلاكية وطوابير الأفران وتذمّرت وتأفأت من جيّة واحد عسكري أو مخابرات شايف حالو بفردو اللي على جنبو وبدّو يوقّف بالأوّل، بس كنت أضلّني ماكل هوا وساكت مثلي مثلكو بالزبط.
ولكو أنا اللي حِفيَت إجرَيّ وأنا أركض ورا الباصات والسرافيس بالبرد والشوب وأنا داير على أبواب الدوائر الحكومية لحتّى أمشـّي معاملاتي القانونية والكاملة ومع هيك كنت أدفع إكراميّات وحق سكاكر وفناجين قهوة ما فتَح ورَزق وأنا مبسوط وعم بتضحّك كمان.
بهاي البلد حضرت مسرح وسينما وحفلات وأمسيات شعرية كنت أروح عليها وأنا فرحان من كل قلبي بدون ما حدا يغصبني، وكمان بهاي البلد طلعت مسيرات تأييد عفويّة من اللي بالي بالكو بدون ما حدا – يغصبني – كمان.
أنا اللي مثلي مثل كل السوريين كنت أفرط من الضحك عالكوميديا وخفّة الدم السورية الحلوة، وأنبسط وأزهزه عالمسلسلات الشاميّة والحلبيّة، وأطير من الفخرلمّا أشوف دراما سوريّة بتحكي عن فلسطين مثل التغريبة اللي خلّتني أكتشف أدّيش إحنا بنشبه بعض وهمّنا وحلمنا واحد، بس كمان كانت تقلب معدتي وأنمغص لمّا أنجبر أتحمّل زناخة كتير من الممثلين والمطربين الي إندحشوا دحش بهالشغلة عن طريق الوسايط والمحسوبيات واللي هنّي أصلاً فاضيين من جوّا ومن برّا.
أنا اللي انتخمت من الجزمز وطباخ روحو وحرّاء إصبعو وأبو شلهوب وفتّة المكدوس والأبوات والحفاتي والمئادم، والراحة الدرعاوية والبرغل والمليحي والجعدة، والمناسف واللزّاقيات وتفّاح السويدا وعنبها الجبلي وزبيبها وقطّينها، والبشمينة والقرمشلية والخبزيّة والسمسمية والمغطوطة والقريشة والشنكليش واللبن الحمصي الشايط، والباطرج والسلبين وحلاوة الجبن وعش البلبل وبوظة السللورة، والمامونيّة وكباب البانجان وكبب وكراببج حلب، والجزريّة والعطّون والسوركي والشنكليش والسمكة الحرّة والهندبِة والخبيّزة واللوف والهبّول وبردقان وكريفون وبوملي طرطوس، وبلح وزيتون تدمر، وسمنة الدير العربية.
أنا اللي نسّبوني للطلائع والشبيبة أيّام المدرسة، وبحياتي ما بنسى أستاذ القوميّة لمّا كان يتعب حاله وهو يحكيلنا كيف إنّه فلسطين هي قضيّة العرب المركزية وإسرائيل هي عدوّتنا والشعب العربي واحد، مع إنّي أنا ورفقاتي الفلسطينيين والسوريين كنّا عارفين هالحكي من بيت أبونا ورضعانينو مع حليب إمّهاتنا.
أنا اللي خدمت عسكريتي بجيش التحرير، وعملت دورات بالجيش السوري، واختلط دمّي بدم أخوي السوري بمرصد جبل الشيخ وعلى شط بحرة طبريا، وبجنوب لبنان والبقاع وبيروت، إنا اللي حميت برشّاشي الفدائي السوري اللي كان متطوّع معاي بالفدائيّة، وهو اللي فداني بدمّه بأكثر من معركة وعمليّة، وكان قبلها فتح لي بيته بعد النكبة وأعطاني أرضه بالستينات لأعمل عليها أوّل معسكرات لتدريب الفدائيّة بحمّورية والهامة.
أنا اللي نص رفقاتي سوريين بينحطّوا عالجرح بيطيب ومن كل الملل والبلاد، ومن وراهم عرفت هاي البلد شبر شبر، حورانها وساحلها وسهولها وجبالها وباديتها وجزيرتها وياما عزموني على أعراسهم ومسكت معاهم بالدبكة جنب الصبايا والشباب، وياما هنّي إجوا عزّوني لمّا كان يموت إلي حدا، اصحابي وحبايب قلبي اللي علّموني شرب المتّه وأنا اللي خلّيتهم يتعوّدوا عالشاي بالميرميّة وعكلمة يابا ويمّا وخيّا وخَيتا.
أنا فلسطيني سوري، وإلي بهالبلد مثل ما للسوريين بالزبط لا أكثر ولا أقل، ولا حدا يقول لي لأنّي واقف مع الثورة إنتِ ضيف لازم تكون مؤدّب، لأني رح أكون مؤدّب فعلا وأقول له: ضيف يخلع رقبتك، وللا بدّك أياني أصير بنحبّكجي – إحنا الفلسطينية بنقول بنحبّك مش منحبّك – لحتّى ترضى عليّ وأصير من أهل البلد، طيّب مهو أنا من إهل البلد وواقف مع البلد وأهل البلد.
أنا فلسطيني سوري من حمص والشام ودرعا واللاذقية والحسكة، رضعت حب فلسطين من لمّا كنت باللفّة وحملتها بقلبي، وهلأّ حطّيت جنبها سوريّا كمان، فلا حدا يزاود عليّ ويقول لي مقاومة وممانعة وهذا النظام بدّو يحرّر لي فلسطين لأنّي رايح أقول له إلنا خمسين سنة عم نسمع النغمة، بعدين لا أنا ولا كل واحد حر مثلي بدنا فلسطين تتحرّرعلى حساب أطفال سوريا وشعبها اللي هنّي أصل المقاومة والممانعة وإن شالله بنحرّرها سوا بعد ما نحرّر سوريا، كمان لا حدا يحكي لي إنّه هاي مؤامرة ومش ثورتنا وإحنا لازم ما نتدخّل ولا ننسى اللي صار فينا بالكويت وبالعراق وأبصر وين، لأ يا سيدي طيّب ما إحنا طول عمرنا مشحّرين معتّرين وعايفين التنّكة، فخلّينا نتشحّر عالمليان أحسن ما نضلّ مشحّرين عالفاضي، بعدين هذا شعبنا وهاي ثورتنا وأنا كثير متطمّن إنّه مش رايح يصير علينا إشي أكثر من اللي صاير هلأ بعد النصر، والضمان بعرفه وشايفه بعيوني وهو أهلنا السوريين اللي بينشربوا مع الميّ العكرة واللي تناسبنا وتصاهرنا إحنا وإياهن وصرنا عمّك خالك وعشنا سوا عالحلوة والمرّة، كمان تنساش الضمان الأقوى والأكبر، قصدي دم الشهدا، دم حمزة الخطيب وغياث مطر وحمزة بكّور اللي اختلط بدم الشهدا الفلسطينيين بمخيّمات درعا والرمل وحمص واليرموك ودوما وكفرسوسة، وتل الزعتر كمان.
أنا من هون، واللي مش مصدّق ييجي لأورجيه البيت اللي ولدت فيه بمخيم حمص واللي بعيد أقلّ من كيلو متر عن بابا عمرو، كمان بورجيه قبور أبوي وأخوي وجدّي وستـّي بمخيم اليرموك بالشام، وقبور قرايبي الكثار بدرعا وحماه وحلب وحمص وإدلب واللاذقية، اللي عضامهم صارت مكاحل هون ولحمهم أكله دود سوريّا مش دود فلسطين.
المهم أنا فلسطيني سوري ومش فلسطيني ساكن بسوريا ولمّا أرجع عبلادي بعد ما نحرّرها بإذن ألله مش رايح أبيع بيتي اللي بالمخيّم، بتعرفوا ليش؟ مش فشخرة ولا عشان آجي أصيّف أو أشـتّي فيه، بس بساطة لأنّو روحي وارواح كل أهلي ساكنة هون، وليل نهار عم تهتف:
واحد واحد واحد .. فلسطيني وسوري واحد.