صفحات العالم

إطفائيات للهشيم اللبناني!


راجح الخوري

لا يحتاج لبنان الى هذا الفيض من التصريحات التي تجمع على انه مجرد هشيم يرتجف عند حافة الحريق المتأجج في سوريا. وليس خافيا على احد ان وتيرة الاحداث والصدامات المسلحة التي تسارعت في الاسبوعين الماضيين من الشمال الى البقاع مرورا ببيروت، تكاد ان تقذف به الى جحيم صراع طائفي ومذهبي يمكن ان يلهب المنطقة كلها، بعدما اصبحت اشبه ببرميل من البارود تلفحه رياح الضغائن القديمة المستجدة بين السنة والشيعة.

يحتاج لبنان الى عقول واعية وهادئة وحكيمة، تمنعه من الانزلاق مجددا الى حرب اهلية بالكاد خرج منها، عقول تدرك ان ترك الامور لشارع هنا وشارع هناك هو مجرد وصفة لتدمير البلد من جديد، ولهذا ليس كافيا مثلا ان يقول الرئيس نبيه بري: “رب ضارة نافعة” تعليقا على تضافر الاجماع الواعي الذي تسارع في مواقف كل القوى اللبنانية، من جريمة خطف المواطنين اللبنانيين الشيعة العائدين من ايران عبر سوريا.

ليس كافيا لأن هذه الجريمة على ضررها الفادح الذي يفترض ان يصيب كل لبناني، يجب ان تتجاوز النفع العابر ان كان عابرا، الى ما يحدث هزة عنيفة في نفوس الجميع، توقظ فيهم ذكريات الامس البائس الذي تركهم جميعا خاسرين على قارعة بلد مدمر بعد 17 عاما من الجنون، وتبعث فيهم ايضا ما يكفي من الحكمة والروية للحيلولة دون العودة الى احراق هذا الوطن، والذي سيصيب الجميع.

واذا كانت الموضوعية تقضي باحترام الموقف الذي اتخذه السيد حسن نصرالله، عندما دعا الاهالي الى الهدوء بانتظار جلاء نتيجة المساعي المبذولة لاطلاق المخطوفين، مذكرا بأن قطع الطرقات لا يفيد، فان موقف الادانة والاستنكار الذي سارع الرئيس سعد الحريري الى اتخاذه ثم اتصاله مع الرئيس بري وتضافر جهود الجميع على كل المستويات في السعي لاعادة المخطوفين الى بيوتهم، بلور اجماعا خفف القلق الآخذ في التصاعد منذ اندلاع الثورة في سوريا وما اججته من انقسام حاد بين الافرقاء اللبنانيين، وخصوصا بعدما تبين ان سياسة “النأي بالنفس” لم تعد مقبولة سوريا.

ان جريمة خطف اللبنانيين في سوريا لا تصيب الضاحية وحدها بل كل بيت لبناني، كما ان الذين سقطوا في طرابلس والشمال وعلى الحدود اللبنانية – السورية هم شهداء الوطن كله، وما لم يكن هذا موقف جميع اللبنانيين بصرف النظر عن مذاهبهم والطوائف، فسيظل عقل خشبي مثل عقل سيرغي لافروف يتسرع في قول ما قرأناه امس من “ان هناك اخطارا حقيقية تنذر بانتقال النزاع الى لبنان”. وهنا ينسى لافروف ان سياسة بلاده هي التي اطالت امد المأساة السورية التي يمكن ان تحرق لبنان والمنطقة كلها… فقط لتقول موسكو: “لقد عدنا قوة عظمى!

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى