إلياس خوري : الثورات العربية فضحت بيروت
“من قام بشطب المقاومة الوطنية اللبنانية؟ ولماذا شُطبت؟”، يوجّه الياس خوري السؤال الى كل الممانعين الذين يقفون في صف نظام الأسد على حساب الشعب السوري، لمجرد “ادعاء” النظام المقاومة والممانعة. خوري الذي يرفض هذه الذريعة يرفض أيضا الخوف غير المبرر على “الأقليات”، الكلمة التي يرى تناقضا بينها وبين مفهوم المواطنة، متحدثا لـ “شباب السفير” عن موقفه من كلام البطريرك الماروني حول الوجود المسيحي في الشرق.
الياس خوري خصّ الثورة السورية باهتمام كبير نظرا لكونها بدايةً، الثورة الأطول، ولأن اللبنانيين والسوريين شعب واحد، يجمعهم مناخ واحد ومصير واحد، بحسب ما يؤمن به، معتبرا أن الثورة مسار مستمر، وأي استنتاج في ما يخص حصيلة الثورات هو سابق لأوانه: “نحن ننسى دائما ان الثورة هي مسار لأننا اعتدنا على الانقلابات العسكرية التي يحصل فيها التغيير بين ليلة وضحاها. الذين يعتقدون، على سبيل المثال، ان الثورة المصرية انتهت هم مخطؤن في ظنهم”.
ومن مصر الى تونس وليبيا والبحرين وغيرها، يعتقد خوري أن الثورات العربية ربما تكون الطريقة الفعلية لتجديد العروبة التي أذلّت وأهينت من قبل الديكتاتوريات. ويأسف خوري لعدم انتقال العدوى الى لبنان، فالثورات العربية لم تغب عن بيروت فحسب، بل فضحتها أيضا! أظهرت الثورات ان الاستبداد الحقيقي هو استبداد الطوائف، ما يعني ان أكثر الأنظمة استبدادا هو النظام الطائفي اللبناني.
وكي يحطّ الربيع العربي في بيروت، يجب ان يتم تحديد العدو. فإذا كان النظام الطائفي هو العدو، فما هو هذا النظام؟ يقترح الياس خوري ان يتم التعامل مع الطائفية كشكل من أشكال العنصرية، وبالتالي يكون تحرير المجتمع اللبناني من الطائفية تحريرا من العنصرية. ويرى أن من الضروري ربط الفكرة النبيلة التي تحرر المواطن من العنصرية الطائفية بمصالح المواطن، باعتباره صاحب حق. واذا تم الدمج بين المطلب الثقافي والمطلب الاجتماعي، يصبح احتمال قيام ثورة ضد النظام الطائفي ممكنا.
لحصيلة النظام الطائفي، أي الحرب الأهلية اللبنانية، أثر كبير ومحوري في كتابات الياس خوري، باعتبار أن الحرب لم تنته حتى الآن. ينطلق الروائي اللبناني في كتاباته من الحاضر، والحرب الأهلية الحاضرة، إلا انه لا يكتب عن الحرب بقدر ما يكتب عن اناس عايشوها. من هنا، يهدف الياس خوري الى الكتابة عن الانسانية ومعاناة الناس وقضاياهم الكبرى. ولهذه الأسباب تحديدا، تترجم رواياته الى أكثر من لغة حول العالم.
يعتبر الياس خوري نفسه روائيا فقط، لكنه يكتب المقالات والدراسات بصفته مواطنا من واجبه ان يساهم في اللحظة الاجتماعية التاريخية التي يعيشها الشعب. وبالتالي، عالم الياس خوري الحقيقي هو عالم الكتابة. فالكتابة هي وسيلة لاكتشاف العالم، والأدب، برأيه، “يعطي معنى لحياة لا معنى لها”.
شارك في الإعداد: إبراهيم شرارة
إعداد: أورنيللا عنتر
بداية، رغم اهتمامك بالربيع العربي بشكل عام، وموقفك المؤيّد للثورات، ظهر في كتاباتك اهتمام خاص بربيع دمشق. هل ينبع تركيزك على ثورة الشعب السوري من قلق ما على مصيرها، خاصة أنك أشرت إلى أكثر من خطر يحدّق بالثورة السورية؟
شارك في السؤال: نزار عواد
اهتمامي بالثورة السورية بشكل خاص ناتج عن عاملين، الأول هو أن الثورة السورية دخلت في شهرها العاشر فيما لا يزال الدم السوري يسيل والشعب يتظاهر والنظام لم يسقط بعد، إذا هي الثورة الأطول. أرى أن الثورات العربية تشكّل مجموعة من الحلقات في مناخ واحد، وربما كانت الثورات العربية، من تونس إلى مصر، ومن ليبيا إلى البحرين، هي الطريقة الفعلية لتجديد العروبة، وهذا ما سنكتشفه تاريخيا، لأن العروبة أذلّت وأهينت عبر الديكتاتوريات والقمع، من قبل الذين اختبؤوا خلفها واستخدموها بشكل فاشي وعنصري، وذلك من أجل إقامة حكم وراثي، ليس فقط في سوريا بل في العراق وليبيا ومصر والبحرين على حد سواء. بالتالي، هنالك مناخ عربي واحد جديد، وهو مناخ يستحق منّا نحن الكتاب والمثقفين والمواطنين أن نتواضع أمامه وأن نتعلم منه وأن نكون شركاء فيه، لأنه من غير الممكن أن نكون على الحياد أمام شعب يُسحق ويقمع.
العامل الثاني هو قرب سوريا من لبنان، فعلى الرغم من أن الهيمنة السورية قد ابتذلت هذه العلاقة إلا أننا، نحن والسوريون، نشعر بأننا شعب واحد. نحن لم نكن ضد الهيمنة السورية لكونها سوريّة، بل لأنها هيمنة استبدادية، ونحن ضد الهيمنة كيفما كانت. إذاً، نحن على علاقة مع سوريا ومناخنا مع الأخوة في سورية واحد. وأنا شخصياً أرى أن مصيرنا هو واحد أيضاً. وطبعاً، الروابط الثقافية بيننا واحدة، لكوننا أولاد ثقافة واحدة ومناخ ثقافي واحد.
الثورة السورية ليست الوحيدة التي تواجه الخطر. ربما تونس كانت أكثر بلد استطاع أن يجد شكلاً ما للخروج من اللحظة الثورية إلى الثورة. نحن ننسى دائماً أن الثورة هي مسار، لأننا اعتدنا على الانقلابات العسكرية التي يحصل فيها التغيير بين ليلة وضحاها. لكن الثورة السورية بحكم أنها تواجه نظاماً قمعياً، فهي معرّضة لأخطار كثيرة، أولاً لأنها بدأت منذ فترة طويلة، ولأنها معرضة لخطر الانزلاق إلى مجموعة من الأخطاء منها الطائفية والعنصرية والعسكرة المفرطة. ولكن برأيي أنا، الشعب السوري يثبت كل يوم مدى وعيه. كنت أقرأ اليوم مثلا على الـ”فايسبوك” شعارات كانت مرفوعة البارحة في حمص التي هي من أكثر المدن التي تعرضت للقمع والاستباحة، ومن الهتافات: “نحن والمسيحيي اخوة، نحن والعلوية اخوة”.
أنا أرى أن الشعب السوري أكثر وعيا من أن يسقط. ولكن هناك قوى تدفعه إلى هذا السقوط، ولذلك يجدر بنا التنبيه من باب الحرص والمحبة والالتزام بقضية الحرية والديموقراطية في سوريا.
هل ترى أن تسلم الإسلاميين شبه الحتمي لسوريا هو أفضل من النظام القائم؟ وهل تعتبر فوز الإسلاميين في تونس، والخطاب الإسلامي للمجلس الانتقالي في ليبيا، وفوز الأخوان المسلمين في المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية هو النتيجة النهائية وثمرة الثورة في كل من هذه البلدان؟ هل برأيك أن قيام الدولة المدنية يتم تدريجياً أم أنه يجب أن يكون حصيلة مباشرة للثورات؟
شارك في السؤال: ابو سلطان سورية
أنا أعتبر أن الاستنتاجات فيما يخص حصيلة الثورات هي سابقة لأوانها، فالثورة كما سبق وقلت هي مسار وليست لحظة. فوز حزب النهضة مثلاً في انتخابات تونس بنسبة 40% لا يعني أن الإسلاميين تسلموا السلطة. ولكن في المقابل، هناك ثمن تدفعه التيارات الليبرالية والديموقراطية والعلمانية واليسارية، وهو ثمن غال جداً. لكن، برأيي، ثمن تواطؤ من قبل أجنحة ما يسمّى بالثقافة التنويرية التي تعاملت مع الأنظمة. وهذا ثمن لا بد من أن يدفع. وبالتالي، ما يحصل اليوم هو تفجّر اجتماعي، ونحن لا نزال في مرحلة التفجّر. ولا أعتبر أننا سننتصر حتماً، وان المجتمع المدني والدولة الديموقراطية العلمانية ستنتصر، لأن مسار الدولة العلمانية هو مسار طويل ومعقد. لكن في المقابل، الظن بأن الديكتاتوريات كانت علمانية هو خطأ فادح. وما يقال عن أننا نسقط النظام العلماني ليستبدل بالإسلاميين هو كلام غير صحيح، لأن الديكتاتوريات لم تكن يوماً علمانية. ففي ظل الديكتاتوريات نمت الأصولية الثقافية ودمّرت الثقافة، من مصر إلى أنحاء الأمة العربية كافة.
أيضاً، في ظل هذه الديكتاتوريات حطمت الهيئات ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات إلى درجة استحالة التجمع في مكان ما غير الجوامع. هذه الديكتاتورية هي التي مهّدت وساهمت وغذّت هذه التيارات.
إذاً نحن اليوم أمام مسار. في ما يخصّ انتخابات مصر مثلاً، أرى أن مصر في مخاض ثوري طويل ومعقّد، والذين يعتقدون أن الثورة المصرية انتهت، مخطئون. يجب علينا أن نتعلم لغة جديدة هي لغة الثورات، فنحن اعتدنا على لغة الانقلابات. في حين أن لغة الثورات هي لغة طويلة ومعقّدة، ولغة تتطلّب مجهودا كبيرا، وهذا ما يرتب علينا نحن العلمانيين عملا إضافيا. فليس بالصدفة أن الذين أطلقوا شرارة الثورات هم شباب علمانيون، وبالتالي إن الذين كسروا جدار الخوف هم مؤهلون لتنظيم أنفسهم وبناء ثقافتهم الجديدة ضمن مسار بالغ الصعوبات.
ألا تعتقد أن سقوط النظام بسوريا بطريقة القذافي وغيره أمر مستحيل بالنظر لدعم قسم كبير من الشعب وكذلك الدعم الروسي والصيني وغيره، وأن مرحلة انتقالية في ظل النظام تظل أفضل لسوريا؟
شارك في السؤال: ابو سلطان سورية
أولاً، أنا لم أؤيّد يوماً الطريقة التي سقط فيها القذافي، وربما كنت أول من كتب مقالاً نقدياً في هذا الشأن، إن كان عن تدخل الناتو أو عن قتل القذافي. نحن لا نسعى لا للسيناريو الليبي ولا لمرحلة انتقالية في ظل النظام، بل لسيناريو سوري. والسيناريو السوري بدأ يأخذ ملامحه عبر دخول الثورة السورية مرحلة جديدة في الأيام الأخيرة، وهي مرحلة تطوير الإضراب والعصيان المدني.
في تقديري، هذه فرصة للنظام لكي ينسحب. صحيح أنه حتى الآن لم يشر إلى نية لديه بالانسحاب، ولكنني اعتبر انه في حال وجد أحد ما عقلاني في هذا النظام، فالأجدر به أن يأخذ بعين الاعتبار انه آن أوان الانسحاب.
لكن هل كلّ تدخل خارجي مرفوض، لا سيما في التجربة الليبية، حيث كان نظام القذافي مستعداً للقضاء على المعارضين..
شارك في السؤال:
أولا، الذي قرر تدخل الناتو ليس الليبيين. الناتو يتدخل عندما تكون لديه مصالح. المشكلة الليبية تكمن في ليبيا ذاتها، وليس في الناتو فقط، فقوى الثورة الليبية لا تزال تتبلور والاتجاهات غير واضحة والقبليات هي التي تصنع المشكلة إن كانت هناك مشكلة.
في سوريا، استبعد تماماً أي تدخل للناتو، لأنهم غير قادرين على ذلك أولاً، وثانيا لأن لا مصلحة لهم في مثل هذا التدخّل. أيضاً، علينا أن نحسب إيقاع التدخل الأميركي والغربي بحسب اقترابنا من إسرائيل ومصلحة هذه الأخيرة. في سوريا الوضع معقد جداً. وأنا أؤيد الضغط الدولي الجدّي على النظام السوري، وليس التدخل العسكري. ولكن، في النهاية، الأمر مرهون بالشعب السوري.
طالما أنت ضد إسرائيل، كيف تعلّق على تصريحات برهان غليون بقطع علاقات سورية مع قوى المقاومة؟ وانطلاقاً من هنا ألا تعتقد أنه في ظل هذا البديل السيئ لا يجوز القول بسقوط النظام، لأننا سنحكم بنظام أسوأ؟
شارك في السؤال: ابو سلطان سورية
بداية، قرأت تصريحات برهان غليون حيث نشرت وهو لم يتحدث إطلاقاً عن قطع علاقة سوريا مع المقاومة. كذلك، السيد حسن نصر الله في خطابه، تكلّم عن نية برهان غليون قطع علاقاته مع حزب الله وحماس، في حين أن غليون لم يقم بذكر حماس على الإطلاق.
شخصياً، لم أحبذ الصيغة التي تكلم فيها برهان غليون عن حزب الله، وأفضل عليها صياغة رياض الترك للموضوع. في النهاية، موقف المعارضة السورية واضح: يجب على سوريا المحافظة على علاقات جيدة مع الجميع، ولكن بحسب الموقف من الشعب السوري. إلى الآن، إيران للأسف الشديد تتخذ موقفاً سلبياً من الشعب السوري ومؤيداً للنظام. وللأسف الشديد أيضاً وأيضاً أن حزب الله يتخذ موقفا جذريا بدعم النظام الاستبدادي في سوريا، وهذا خطأ. لكن الجواب على خطأ حزب الله وإيران لا يجب أن يقابل بخطأ وتشنّج.
نحن العرب لدينا مصلحة بوجود توازن في المنطقة، ولدينا مصلحة في بقاء روسيا في المنطقة، ولدينا أيضاً مصلحة في إقامة علاقات جيدة مع إيران، ومصلحة في قتال إسرائيل، لأن أول نقطة على جدول أعمال أي حكومة ديموقراطية في سوريا ستكون الجولان الذي لم يكن على جدول أعمال الحكومة السورية منذ 40 سنة.
لذلك، التحدي الأكبر الذي ستواجهه سوريا هو تحدي الجولان. وبتقديري أنا هذا يرتب على المعارضة السورية موقفاً عقلانياً ومتوازناً، رغم ما تلقاه هذه المعارضة من إيران وموقفها.
الاستبداد الحقيقي هو استبداد الطوائف..
وعلى اليسار أن يسأل: لماذا شطبت المقاومة الوطنية؟
هل هذه مرحلة الفرز بين المثقفين المؤدلجين وأشباه المثقفين، وسقوط القامات الكبيرة؟ هل هو زمن سقوط الصحافة المحسوبة على اليسار؟
شارك في السؤال: Maher Al Haj Hasan
بداية، ليس صحيحاً القول إن الثقافة اليسارية مؤيدة للنظام وللديكتاتورية، ضد الشعب. أنا لا أعرف يساريّاً أكثر من رياض الترك وياسين الحاج صالح وسمر يزبك وكل المناضلين. من هنا، القول بسقوط اليسار خاطئ. هناك مشكلة في لبنان، وهي مشكلة الصحافة اللبنانية، وهذه المشكلة ليست محصورة بجريدة بحد ذاتها، كالسفير مثلاً، بل تشمل كل الجرائد.
الثورات العربية من تونس إلى البحرين، برأيي، فضحت بيروت وأظهرت أن الاستبداد الحقيقي هو استبداد الطوائف، مما يعني أن النظام اللبناني هو من أكثر الأنظمة استبداداً. والدليل أنه من غير الممكن إقامة مظاهرة لتأييد الشعب السوري، ففي كل مرة يتمّ التظاهر فيها تقابل المظاهرة بالعنف والضرب. وهذا دليل على وجود مشكلة في بيروت وفي البنية السياسية والاجتماعية والثقافية اللبنانية التي آن الأوان لمواجهتها.
نحن كنا دائماً ندّعي أننا طليعة العالم العربي، واتضح أننا في مؤخّرة المؤخرة، ولذلك يجب أن نعيد النظر بأحوالنا وبحالنا، وهذا ينسحب على الصحافة بشكل أساسي. ولعبة الصحافة اللبنانية القديمة كانت قائمة على غياب الصحافة في العالم العربي، أما اليوم وبعد تحوّل الصحافة إلى الفضائيات حيث لا ضوابط، كشفت الصحافة اللبنانية عن هامشية جعلتها أكثر ارتباطا بالطوائف اللي تصدر عنها، فضلا عن وسائل الإعلام المرئية. طبعاً، الصحافة المكتوبة لا تزال أفضل من الإعلام المرئي، من حيث أنها أبقت على حد أدنى من المهنية. هذا يرتب علينا سؤالاً عميقاً عن معنى “التطييف” الذي حصل بعد نهاية الحرب وبعد اتفاق الطائف الذي حول لبنان إلى طوائف بشكل مطلق، وحول الإعلام إلى أداة بيد الطوائف، وهنا تكمن الأزمة.
أما بالنسبة إلى انقسام اليسار، فيسار الممانعة لم يطرح على نفسه السؤال التالي: “لماذا المقاومة الوطنية اللبنانية شطبت؟ ومن شطبها؟”. هذا سؤال موجّه إلى كل الممانعين الذين كانوا يؤيدون المقاومة الوطنية. وانطلاقاً من الجواب على هذا السؤال يبدأ النقاش. وأيضاً: “لماذا قام النظام السوري وحلفاؤه بمحو أي إمكانية لوجود مقاومة لبنانية غير طائفية؟ هم قاموا بشطبها بالقتل، وحسين مروة ومهدي عامل هم خير أمثلة. إذا كان لديهم الجواب، عندها سنرى أين تكمن الممانعة الحقيقية. وعندها أيضاً ندرك أن المسألة ليست بإطلاق النار على إسرائيل فحسب، علماً أنني لا يمكن أن أكون على الحياد فيما يتعلق بإسرائيل، وقد سبق وانسحبت من تيار سياسي في لبنان، في حرب تموز، لأنني رفضت أن أكون محايداً. ولكن إطلاق النار على إسرائيل له هدف وله بنية، كما أن إطلاق النار على إسرائيل ليس وسيلة لهيمنة طائفة على طوائف أخرى. إطلاق النار على إسرائيل مشروع وطني ومشروع ديموقراطي بالدرجة الأولى.
لو كان الشهيد سمير قصير موجوداً الآن وهو يشاهد الشباب العربي والربيع الذي بشّر به، كيف سيصف هذا المشهد؟
شارك في السؤال: محمد السعدي
لا أريد أن أتكلم بالنيابة عن الشهداء والموتى، ولكنني اعرف أن سمير قصير هو أول من تكلّم عن الربيع العربي، وعن ديموقراطية سوريا واستقلال لبنان. يكفي أن نقرأ له لنعرف موقفه. أما إذا أردنا أن نسأل عن التفاصيل اليوم، فالتفاصيل ليست موضوعاً نسأل عنه الشهداء، بل نجيب نحن عليه.
ألا يُغريك الآن الانتقال إلى مثقف عضوي بالمعنى الضيق للكلمة.. مثقف شباب الثورات وأحد منظريها باعتبارها “بروليتاريا العصر”؟
شارك في السؤال: حازم السيد
أولاً، هذا الأمر “كتير عليّ”. برأيي أن المثقف لديه التزام تجاه المجتمع، يجب إتمامه إن كان في ظل وجود الثورات أو لا. أنا شخصياً حاولت، ولا يمكن أن أجزم أنني نجحت في كل الأوقات، منذ بداية عملي ككاتب ومثقف أن أكون في صف المظلومين والضعفاء والذين لا صوت لهم، وأن أكون في صف العدالة. ولكن أن أكون مثقف الثورات العربية فهذا كثير، فالثورات العربية يجب أن تنتج، وهي برأيي دخلت في مرحلة أصبح من الضروري أن تفعل، ثقافتها الجديدة، وأملي أن يكون ما أكتبه جزءاً صغيراً من هذه الثقافة.
لماذا، برأيك، لم تنتقل عدوى الثورات العربية إلى لبنان حتى الآن؟ ولماذا يبدو احتمال اندلاع ثورة بعيداً جدّاً؟ هل من رابط بين انتصار الثورة السورية والتغيير في لبنان؟
شارك في السؤال: نزار عواد
لبنان هو أكثر بلد استبدادي، لأنه خاضع لاستبداد الطوائف. في سوريا مثلا الشعب يريد إسقاط النظام وبشار الأسد وعائلته وهيكلية النظام. ولكن في لبنان يجب إسقاط 6 أو 7 ديكتاتوريات دفعة واحدة. في لبنان مجموعة من المستبدين، كل طائفة لها مستبدّ، وبعض الطوائف عندها أكثر من مستبد واحد.
حتى نقوم بثورة في لبنان يجب أن نبني تياراً ديموقراطياً علمانياً بالكامل، متحرراً من الطوائف. وهذه مهمة ليست سهلة، وهي مهمتنا جميعاً، وإن فشلنا يفقد لبنان معناه. إذا لم يتطور لبنان نحو بلد ديموقراطي علماني فهو سيفقد كل المعاني. هذه مهمة ضرورية.
طبعاً انتصار الثورة السورية سيكون إيجابياً ليس فقط على لبنان، فسوريا هي عقدة بلاد الشام: عقدة لبنان وسوريا وفلسطين والأردن. وهذه البلاد مشبوكة بالصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. وبالتالي، انتصار الثورة السوريّة سيغيّر كل المعطيات في هذه البلاد، لأن مركز الصراع، وهو دمشق، سيكون مختلفاً. سيكون حراً ومتحرراً وديموقراطياً.
كيف تقيّم حراك إسقاط النظام الطائفي الذي شهده لبنان منذ فترة؟ لماذا برأيك مُني هذا الحراك بالفشل؟ وماذا يحتاج لبنان والشباب اللبناني بشكل خاص لكي يخوض معركته ضد النظام اللبناني الطائفي؟
شارك في السؤال:
في تلك الفترة كنت في برلين، ولم أستطع متابعة الحراك والاطلاع على تفاصيله مباشرة. كنت أتابع عبر الفايسبوك ورسائل الأصدقاء. كان انطباعي أن المشكلة تكمن في تحديد العدو. إذا كان النظام الطائفي هو العدو، فما هو هذا النظام؟ كانت الحركة عفوية، ولم تحدد أهدافها بشكل واضح وصارم، وهذا ما يحتاج إلى عمل فكري وثقافي.
في هذه النقطة، أقترح أن نعتبر الطائفية شكلاً من أشكال العنصرية. بدلاً من أن تقوم طائفة باضطهاد كل الطوائف، في لبنان كل طائفة تضطهد كل الطوائف. المجتمع اللبناني بشكل عام عنصري، لذا يجب أن نعرف أن تحرر المجتمع اللبناني من الطائفية هو تحرر من العنصرية. ثم أن النضال ضد النظام الطائفي هو نضال ضد كل الطبقة الحاكمة، مما يعني أن هذا النضال لا يمكن أن يتحالف مع جناح من الطبقة الحاكمة. وهذا النضال ليس فقط نضالاً ثقافياً بل نضال اجتماعي. ومن الضروري أن يتمّ الربط بين النضال ضد النظام الطائفي والنضال الاجتماعي.
ما تقوم به الطوائف هو تفريغ الدولة من مضمونها: لم تعد هناك مدارس رسمية، لم تعد هناك جامعة وطنية، الطبابة تقدّمها الطوائف عبر المستوصفات… الخ. وبالتالي بدلاً من أن يكون المواطن صاحب حقوق، يصير شحّاذاً. من هنا، النضال ضد النظام الطائفي ليس نضالا ثقافيا فحسب. عمليا يجب أن نربط بين الفكرة النبيلة التي تحرر المواطن من العنصرية الطائفية بمصالح هذا المواطن، باعتباره يمتلك حقوقاً. إذا استطعنا أن نجمع بين الاثنتين، يمكننا عندها القيام بثورة ضد النظام الطائفي.
بهذا المعنى، صرنا في لبنان كأننا في حلقة مفرغة..
شارك في السؤال:
كل مشكلة اجتماعية لها حلقة يجب كسرها. وكسر هذه الحلقة في الحالة اللبنانية هو الدمج بين المطلب الاجتماعي والمطلب الثقافي، بين قضايا ملموسة، مثل قضايا المرأة والزواج المدني وغيرها مع المطالب الاجتماعية.
وماذا بشأن الخوف المنتشر على الأقليات والذي ظهر في لبنان وكذلك بالنسبة لسوريا، من خلال تصريحات عدّة، كموقف البطريرك الماروني وتصريحات ميشال عون وغيرهما؟ هل هو خوف مبرر، خاصة أن البطريرك ربط هذا الخوف بمسألة الوجود المسيحي في الشرق..
شارك في السؤال:
أولا، لا أحبّذ استخدام هذا التعبير، فأنا لست من الأقليات بل أنا مواطن. وأنا أرفض أن أعامل باعتباري أقلية.
أعتقد أن قيادات الطوائف، خاصة في لبنان، محكومة بطريقة تكوينها. مثلاً، أول طائفة سياسية في لبنان هي الطائفة المارونية التي تكوّنت بتحالف مع الغرب. وكل طائفة لتتكون تحتاج لقوة خارجية تدعمها، وهكذا أصبح الشيعة طائفة والسنة طائفة بدعم من إيران والسعودية. المسيحيون استنفدوا الدعم لأن قيادات الطائفة المسيحية ارتكبت خطيئة جسيمة سنة 1982، وهي التحالف مع الاحتلال الإسرائيلي.
هذا هو وضع الطوائف، والأجدر بنا أن نسعى إلى تحرير الناس من هيمنة قوى تعتقد أن حماية مصالحها يجب أن ترتبط بالخارج، بدلاً من أن ترتبط ببعضها البعض. الارتباط بالخارج هو مصلحة الفئة الحاكمة التي تستغل المجموعة الطائفية وتقدّم لها الخدمات لتبقى مهيمنة عليها. والكلام عن أقلية وأكثرية يصبّ في هذا الإطار. من هنا، اعتبر أن كلام البطريرك هو أكبر إهانة للمسيحيين في الشرق، خصوصا مسيحيي لبنان وسوريا وفلسطين الذين لعبوا دورا أساسيا في تأسيس النهضة العربية. هذا الكلام هو إهانة للمسيحيين ولتاريخ المسيحيين وللثقافة الكبرى التي أنتجوها.
للحرب الأهلية اللبنانية أثر كبير ومحوري في كتاباتك. لماذا لا يزال الياس خوري متشبثا بالماضي في حين أنه يعيش اليوم حاضرا مختلفا؟ هل هو تمسّك بتلك الحقبة أو محاولة للهرب منها؟
شارك في السؤال:
أنا لست متمسّكاً بالماضي ولكن برأيي أن الحرب الأهلية لم تنته. لا أستعيد في كتاباتي الماضي، أنا أكتب عن الحاضر كما يُعاش، وهذه نظريتي في الأدب. حتى باب الشمس التي هي رواية تاريخية وحقبة تاريخية حول نكبة فلسطين تنطلق من الحاضر، من شخص يعيش في مخيم شاتيلا في بيروت.
برأيي أن الحاضر هو مفصل لقراءة الماضي ولاستشراف المستقبل، وأنا أنطلق دائماً من الحاضر، لكنني اعتبر أن الحرب الأهلية حاضرة. بالتالي الماضي هذا هو حاضرنا اليوم. كذلك أنا لا أكتب عن الحرب بل عن أناس عايشوا الحرب.
لا أهدف إلى تأريخ الحرب الأهلية، بل أكتب عن الإنسانية وعن معاناة الناس. أي لحظة يعيشها الإنسان هي لحظة كونية يعيشها كل الناس، ولذلك ربما ترجمت رواياتي إلى العديد من اللغات.
كيف تصف ياسر عرفات؟
شارك في السؤال: محمد السعدي
كتبت مقال طويلا عندما توفى أبو عمار. كتبت حينها أنه شخصية تجسّد التباسات وتعقيدات القضية الفلسطينية بكل إيجابياتها وسلبياتها. صحيح أنني أرى انه أخطأ في اتفاق أوسلو، لكنه رجل حفظ الأمانة حتى النهاية، لذلك يستحق الاحترام، وذكراه تستحق أن تبقى حيّة في نفوسنا.
أنا روائي.. أكتب لنفسي أولا وأخيرا
والأدب يعطي معنى لحياة لا معنى لها
لماذا الرواية؟ لماذا يقوم مثقف تحوي مقالة الرأي التي ينشرها في الصحف فكراً أكثر من الكثير من الأبحاث العربية بكتابة الرواية؟ ولماذا لم تدخل الفكر من باب البحث والتنظير والتفلسف؟ هل هي جدلية النص الروائي.. وإغراء القبض على ما تريد من الواقع وتشريحه؟ هل القدرة على أنسنة البطل هي ما يجذبك؟
شارك في السؤال: حازم السيد
أنا اعتبر نفسي روائياً فقط. أكتب مقالات ودراسات بصفتي مواطناً، ومن واجبي أن أساهم في اللحظة الاجتماعية التاريخية التي يعيشها الشعب. ولكن شخصياً، عالمي الحقيقي والكامل هو عالم الكتابة. أنا في الحقيقية لم أختر الرواية، بل اكتشفت، حين كتبت الرواية، أن هذه هي الطريقة الوحيدة لكي أعبّر. في اعتباري، أن كتابة القصة ورواية القصص هي أمتع ما في الكون، أو هي المتعة الكبرى. وحين أكتب رواية أعيش في داخلها وأصدّقها. عندما كتبت “يالو” تعلمت اللغة السريانية، وحين كتبت “باب الشمس” عشت في المخيمات، وحين كتبت “كأنها نائمة” عشت في عوالم المنامات. كذلك، عندما كتبت “سينالكول” عشت في طرابلس. تعلمت أشياء لم أكن أعرفها. هذه وسيلة لاكتشاف العالم. بالنسبة لي، الأدب يعطي معنى لحياة لا معنى لها.
كتبت القصة والرواية والمسرح. هل الأديب واحد حتى ولو اختلفت أنواع الكتابة؟ وأي نوع من الكتابة تشبه الياس خوري أكثر؟
شارك في السؤال:
كتبت مسرحيتان، وشاركت بكتابة مسرحية ثالثة، وكتبت مجموعة قصصية واحدة هي “مبتدأ وخبر”، وهي مجموعة قصص أرى اليوم أنها كانت مشاريع روايات. أنا روائي فقط. وفي الرواية آمل أن أكون قد وجدت أساليب جديدة، أما في المسرح فهذا ما لم أفعله.
في الغرب تترجم الروايات إلى أفلام سينما وتحقق نجاحات، لكن نادرا ما نراها في العالم العربي رغم أن الأفلام المبنية عن روايات أدبية غالباً ما تكون ناجحة، أين الحلقة المفقودة التي تمنع وجود مثل تعاون أو إنتاج كهذا؟
شارك في السؤال: ميثم قصير
هناك دائما التباس حول الرواية التي تصبح عملا سينمائيا. ولا أعتقد أن أي روائي يعتبر أن اقتباساً كهذا ينجح. الرواية عالم والسينما عالم آخر. وإعداد الرواية للسينما يحتاج لموهبة كبيرة. وأذكر هنا قولاً لسينمائي صديق، أن نجاح الرواية كفيلم يتطلب أن تكون الرواية سيئة.
ما رأيك بالحالة الأدبية الشبابية في لبنان وباقي البلدان العربية؟ أهي تغني الميدان الثقافي أم ترجع به إلى الوراء؟
شارك في السؤال: ميثم قصير
لا أقبل بلعب دور الأستاذ هنا. أنا زميل، وكل الشباب الذين يكتبون الروايات والشعر في العالم العربي هم زملائي. وبرأيي أن ما نقرأه يحتوي على الكثير من العناصر الممتازة والايجابية.
ألا ترى أن هناك اليوم استسهالاً في الكتابة..
شارك في السؤال:
في كل حقبة هناك استسهال في النشر، ويبقى الزمن هو الحكم الأخير.
هل لكم إطلاع على المشهد الإبداعي الموريتاني، وتحديدا في ما يخص الشعر والرواية؟ وما تقييمكم كناقد للمشهد الإبداعي الموريتاني عموما؟
شارك في السؤال: مولاي علي مولاي علي
لا استطيع الإجابة، لأن اطلاعي قليل وغير كاف للتقييم.
هل ترى أن من المبكر الكتابة عن الثورات العربية؟
شارك في السؤال:
ما من أمر مبكر، فلا حدود للكتابة. لكن أنا شخصياً لا استطيع أن أكتب عن الثورات العربية. فأنا أعيش في لبنان، ولو كنت في سوريا مثلا، ربما كنت سأكتب.
ماذا يعني لك نيل وسام جوقة الشرف الاسباني؟ وإلى أي مدى تتوجه في كتاباتك إلى القراء الأجانب؟ هل أنت راض عن ترجمة رواياتك أو انك ترى أن في الترجمة خيانة للنسخة العربية الأصلية؟
شارك في السؤال: رنا محفوظ
بصراحة فوجئت بالوسام، ولكن أشكرهم كثيراً وهذا شرف لي. ثانيا، أنا لا أكتب لا للقارئ الأجنبي ولا للقارئ العربي، أنا اكتب لنفسي أولا وأخيرا. والقارئ يقرأ كما يريد. برأيي، القارئ هو المؤلف الأخير للكتاب. القارئ حر والكاتب حر.
لم أفكر مرة لا بالقارئ العربي ولا بالأجنبي. يعنيني لاحقا، عندما ينشر الكتاب بلغة أجنبية، أن اقرأ ما يكتب عنه في الصحافة. لكن هذا ليس جزءا من اهتماماتي على الإطلاق.
الترجمة هي مصير الأدب. طبعا في الترجمة يخسر الأدب الجانب اللغوي الذي يعمل الكاتب عليه بجهد. ولكن إن خسر الكتاب بعد الترجمة بالقدر الذي يصير معه غير صالح للقراءة، فهو في الأصل ليس صالحا. الأدب يجب أن يكون قادرا على الخسارة لكي يبقى صالحا حتى بعد الترجمة.
لا مشكلة لديّ مع الترجمة، المهم فقط ألا يتمّ حذف أجزاء من الرواية، والمسّ بالكتاب بالنسبة لي مرفوض.
السفير