إنها الحرب قادمة
عبد الباري عطوان
تشاك هيغل وزير الدفاع الامريكي الذي يطوف بالعواصم الخليجية لبيع طائرات وصواريخ حديثة لمواجهة اي تهديد ايراني، حسب قوله، اعلن امس ‘ان المخابرات الامريكية لديها قدر من الثقة المتفاوتة بأن النظام السوري استخدم اسلحة كيماوية على نطاق محدود وغاز السيرين بشكل خاص’.
بعد هذا التصريح لمستر هيغل بدقائق معدودة سارعت وزارة الخارجية البريطانية الى التأكيد على ان لديها معلومات تظهر ان اسلحة كيماوية استخدمت في سورية، ودعت الرئيس السوري بشار الاسد للتعاون مع الجهات الدولية لإثبات انه لم يأمر باستخدامها.
لا نعتقد ان صدور هذين الموقفين، وفي تنسيق محكم، هو من قبيل الصدفة، فهاتان الدولتان كانتا العمود الفقري في الحروب الثلاث الاخيرة التي شنها الغرب، وحلف الناتو على وجه التحديد، لتغيير الانظمة في افغانستان والعراق وليبيا.
الرئيس باراك اوباما قال اكثر من مرة ان استخدام النظام السوري لأسلحة كيماوية هو ‘خطّ احمر’، وان الرد الامريكي عليه سيكون مجلجلا.
الان جاء التأكيد على اختراق هذا الخط من مصدرين استخباريين، اولهما امريكي، والثاني بريطاني.
مسؤول امريكي يقول ان كل الخيارات مطروحة وآخر، يؤكد ان ادارته تتشاور مع حلفائها اذا تجاوزت سورية الخط الاحمر، فيرد نواب امريكيون بان الخط الاحمر تم تجاوزه بالفعل. انها خطة جرى اعدادها بعناية لتهيئة الرأي العام الامريكي للحرب.
اسطوانة اسلحة الدمار الشامل التي استخدمت في العراق تدار حاليا وبشكل مكثف، وغدا ستبدأ اجهزة الاعلام العربية والعالمية في اعلان حالة الطوارئ وتنظيم مقابلات مع الخبراء الذين سيملأون الشاشات بأجهزة الحواسيب، التي تؤكد استخدام الاسلحة الكيماوية وضحاياها، والمطالبة بصيغة مباشرة او غير مباشرة بالتدخل عسكريا، وفي اسرع وقت ممكن.
نحن اليوم نقف على ابواب حرب اقليمية، وربما عالمية، وننتظر ساعة الصفر على وجه التحديد، ولا نستغرب ان موعد اشعال هذه الحرب قد جرى الاتفاق عليه في غرف العمليات العسكرية الامريكية والبريطانية قبل اشهر، وما تبقى هو موعد التنفيذ.
‘ ‘ ‘
واشنطن شهدت في الايام القليلة الماضية حجيجا لزعماء عرب الى البيت الابيض، بدأ بالشيخ محمد بن زايد ولي عهد إمارة ابوظبي، ثم الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، وامس الشيخ حمد بن خليفة امير قطر، واليوم العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، وقبل منتصف الشهر المقبل السيد رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا الذي سيكون ‘حسن الختام’.
هذا الحجيج ليس للسياحة، ولا لبحث خطة السلام العربية لحل الصراع العربي ـ الاسرائيلي، انه ‘مجلس حرب’ ومن اجل توزيع الادوار والمهام، والاطلاع على الخطط الحربية والسياسية، وتقاسم تكلفة الحرب ماليا.
غير مسموح ان تطول الأزمة السورية اكثر مما طالت، لان غياب الحسم يثير قلق حلفاء واشنطن ومخاوفهم، ويعزز وجود الجماعات الجهادية الاسلامية على الارض، ويزيد من حالة اليأس والاحباط في صفوف فصائل المعارضة المسلحة ‘المعتدلة’، ويضاعف من الخوف الاسرائيلي من احتمالات وصول الاسلحة الكيماوية الى ايدي جماعات متطرفة، ولهذا لا بدّ من التحرك بسرعة.
لا نعرف كيف ستكون طبيعة التحرك العسكري لإطاحة النظام السوري، لأن هذه من الاسرار العسكرية، والحرب مفاجآت، ولكننا نعرف جيدا ان تقارير المخابرات الغربية عندما تتعلق بالأسباب والذرائع لغزو بلد عربي او اسلامي دائما كاذبة ومزورة، ومن المؤلم اننا نكتشف كذبها بعد دمار البلد المستهدف، واسألوا الاشقاء العراقيين.
فهل من قبيل الصدفة ان نقرأ تقارير استخبارية في صحيفة فرنسية معروفة عن سماح الاردن بمرور طائرات عسكرية اسرائيلية في اجوائه، في حال صدور قرار بضرب الاسلحة الكيماوية السورية؟
‘ ‘ ‘
نضع ايدينا على قلوبنا، ليس خوفا على سقوط النظام، فلم نكن يوما في خندقه، وانما خوفا على سورية الوطن، وخوفا من تفتيت منطقتنا على اسس طائفية وعرقية، واغراقنا في حروب اهلية طائفية دموية تتواضع امامها الحرب الحالية في العراق.
تصريحات وزير الاعلام السوري التي اطلقها من موسكو، وربما بإيحاء من قيادتها، وقال فيها ان نظامه لن يستخدم الاسلحة الكيماوية مطلقا سواء ضد شعبه او ضد اسرائيل، جاءت كمحاولة استباقية لإجهاض نوايا واشنطن ولندن بإثارة مسألة استخدام الاسلحة الكيماوية، واستخدامها كغطاء لأي ضربة ضد سورية، ولكنها تأخرت كثيرا في نظر هؤلاء، ولهذا قد لا تعطي ثمارها.
المطلوب من الرئيس الاسد هو ما كان مطلوبا من الرئيس الراحل صدام حسين، وبعد ذلك العقيد الليبي معمر القذافي، اي ان يقدم جميع اسلحته الكيماوية والبيولوجية الى التحالف الامريكي ـ البريطاني، ثم بعد ذلك الرحيل، او مواجهة الموت مثل الاثنين، اذا ما رفض، بمحاكمة او بغير محاكمة.
هل سيرضخ الاسد لهذه المطالب؟ نشك في ذلك، ولهذا علينا ان نستعد لحرب جديدة قد تكون مختلفة عن الحروب الثلاث السابقة، وقد لا تكون، من حيث الاسلوب والنتائج، لكنها حرب سنكون نحن كعرب ومسلمين ضحاياها.
القدس العربي