ابعثوا الأسلحة إلى سوريا وأريحونا
سوسن الأبطح
يروي مشتغلون في التهريب الحدودي بين سوريا ولبنان، أن «فاعلي الخير»، كما يسمونهم، وبعضهم أفراد متعاطفون مع الثورة السورية، صار لهم وسطاء لبنانيون يزودونهم بالسلاح أو المال، على أن يتكفل هؤلاء بتوصيل الأمانة لمن يستحق في سوريا وتأمين تهريبها عبر الحدود. وبما أن لبنان كان ولا يزال محطة «ترانزيت» العرب، وحقه من «الكومسيون» محفوظ، فإن بعض السلاح والمال، وأحيانا أغلبه، يحتفظ به الوسطاء اللبنانيون للاستعمال الشخصي، ربما لشعورهم بأنهم أحق بالتبرعات من الثوار السوريين الذين ينافحون عنهم بـ«الروح والدم» في المظاهرات.
والسلاح الذي يفترض أنه مرسل لإسقاط النظام في سوريا بات يظهر في طرابلس، لقنص المارة أو التصويب على الجيش، وربما للاعتداء على الجيران. والمعارك الأخيرة والشرسة التي شهدتها طرابلس ودامت أربعة أيام، أظهرت بوضوح أن كم السلاح قد ازداد بين أيدي فئات مستجدة، ما عاد لها من مرجعية ولا ضابط، بما ينذر بشر مستطير. وحين يقول لك السياسيون وأصحاب الزعامات والوجاهة إن الأمور تفلت من أيديهم، فعليك أن تصدق. فقد بدا الوزراء الطرابلسيون الخمسة في الحكومة، هذا عدا النواب، وكأنهم ضائعون في معمعة تتجاوزهم.
صارت المدينة وكأنما هي محكومة من المشايخ الجدد. حتى أولئك المشايخ الذين كنت تراهم على التلفزيون منذ سنة فقط على اعتبار أنهم حماة أهل سنة، صاروا خارج السياق، وإن بقيت لهم بعض الإطلالات الإعلامية الشكلية. فهناك جيل جديد، عليك أن تتعرف عليه وتفهم مقاصده ومصادره.
كي تعرف ما يجري في أي منطقة، مثلا، بات عليك أن تبحث عن الشيخ فلان أو الشيخ علان، وبينهم من تحولوا إلى نجوم من العسير الوصول إليهم أو التحدث معهم، لاشتداد الطلب، وكثرة الاتصالات.
هذه الفورة الإسلامية التي يبدو أنها تتماشى مع ما يجري في المنطقة، وتتناغم مع نداءات نصرة أهل السنة في سوريا، تجد لها بعض الآذان الصاغية، لكنها تواجه بنفور كبير من الأهالي. فالطرابلسيون محافظون بطبعهم، لكن السماحة والاعتدال ديدنهم. وما يحدث في مدينتهم اليوم يذكرهم بزمن «حركة التوحيد الإسلامية» التي حكمت طرابلس في الثمانينات من القرن الماضي، يوم غابت الدولة بسبب الحرب الأهلية، ولا تزال هذه التجربة الإسلامية ذات طعم مرير وأليم في الذاكرة الجماعية الطرابلسية. ومن المفارقات الفاقعة أن طرابلس رغم كل ما يحكى عن تطرفها والحركات الإسلامية فيها، لم تنتخب نائبا إسلاميا يوما وتوصله إلى المجلس النيابي، باستثناء فتحي يكن، رغم محاولة هؤلاء المستميتة للحصول على كرسي، وتوسلهم الأحزاب التي يصفونها بـ«العلمانية» ليدخلوا على لوائحها.
الفوضى عارمة اليوم في طرابلس، إلى حد أنك لا تعرف من الذي قطع الطرقات مثلا وأشعل الإطارات وشل حياة نصف مليون إنسان ذات سبت، حتى لو كنت صحافيا وأجريت اتصالات طوال النهار. لن تفهم أيضا لماذا اشتعلت معارك راح ضحيتها 8 قتلى و60 جريحا، لمجرد أن جهازا أمنيا قبض على شاب لم يسمع أحد عنه من قبل، علما بأن الدولة اللبنانية توقف أكثر من 200 إسلامي وتتركهم في السجون، منذ أكثر من خمس سنوات، من دون محاكمات ولم يحظوا، لا مجتمعين ولا متفرقين، بمعارك دموية من هذا العيار.
من الأحاجي مثلا أن ترى معدما يحمل مدفع «آر بي جي» يصل سعره إلى 800 دولار، أو أن تسمع زخات الكلاشنيكوفات تلعلع على مدار الليل والنهار، في أفقر منطقة في لبنان على الإطلاق، علما بأن سعر الطلقة الواحدة يصل إلى خمسة دولارات. كل الجهات السياسية اللبنانية من دون استثناء تقول إنها تريد في لبنان هدوءا واستقرارا، فمن إذن يزود هؤلاء الفقراء بالسلاح بمثل هذا السخاء؟
حلفاء حزب الله في طرابلس لا ضرورة للبحث عن مصادر تسليحهم، أما الطرف الآخر الذي ينكر كل علاقة له بالسلاح، فأمره عجب، حين يكون مدججا وقابلا لأن ينفجر ويفجر الآمنين معه.
معركة نهر البارد التي دامت أكثر من ثلاثة أشهر بين الإسلاميين والجيش اللبناني عام 2007 يقال إن الإسلاميين استخدموا خلالها الأسلحة التي تبخرت من العراق وهربت إلى لبنان وكدست في مخيم نهر البارد. والسلاح اليوم في لبنان أمره يتعاظم، وكمه يتكاثر، فيما يقول الثوار السوريون إنهم يتلهفون لطلقة أو رشاش. فإما أن سياسة النأي بالنفس ومخاطر الحدود تمنع هؤلاء من توصيل الأمانة كاملة، أو أن ثمة من يدعي بذل النفس في سبيل الثورة السورية، ويفعل غير ذلك.
وفي كل الأحوال فإن التجاذبات السياسية في لبنان لا تصنع وحدها حربا. ويخشى بعد أن تحول لبنان إلى أفضل بلد حدودي لتهريب السلاح إلى سوريا – بحسب ما تقول المعارضة السورية – أن يُخطَأَ الهدف ويُصوَّبَ الرصاص لاغتيال الدولة اللبنانية بدل إسقاط النظام السوري.
الشرق الأوسط