استحالة الحل السياسي
خالد غزال *
تقدم المبادرة الأخيرة لمجلس الأمن نفسها مدخلاً لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية المندلعة منذ اكثر من ثلاثة عشر شهراً. على رغم ان النظام السوري ومعه المعارضة أعلنا عن قبول وقف اطلاق النار والاستعداد للاستجابة الى مبادرة الموفد الدولي كوفي انان، إلا ان الشك يبقى هو السائد خصوصاً ان مسلك النظام لا يوحي مطلقاً بالصدق في التزام وقف اطلاق النار، وهو ما يتأكد كل يوم من خلال شلال الدم المتواصل وأعداد الضحايا المسجلة. هناك ألف سبب وسبب يدفع الى القول باستحالة التوصل الى حل سياسي للأزمة السورية، وهو شك تقوم عليه معطيات كثيرة تتصل بالعقل السياسي والأمني للحاكم السوري، وعدم رغبته في التوصل الى حلول من ناحية، بل وعجزه عن الدخول في حل من ناحية اخرى.
لا يمكن التقليل من أهمية إرسال مراقبين دوليين الى سورية، حتى ولو كان العدد محدوداً. فمجرد قبول النظام بعملهم يعني ان قبضة التدويل تمسك بعناقه، وتضعه مباشرة أمام أعين المجتمع الدولي، حيث لن يصعب على المراقبين تعيين الطرف الذي يخرق وقف إطلاق النار الذي لم يجر الالتزام به أصلاً من جانب جيش النظام… ما يعني ان مجلس الأمن ستكون لديه الحجج لمحاولة فرض عقوبات او تشديد الحصار على النظام، حتى ولو كان ذلك بعيداً من قدرة المجلس او رغبته في التدخل العسكري. يتعاطى النظام مع التدويل الجاري المحدود الفاعلية بصفته فرصة لاستكمال عملية القمع سعياً الى إنهاء الانتفاضة، وهو ما يقول عنه معارضو النظام انه تمديد المهلة الزمنية لمزيد من القتل والتدمير.
يمتاز النظام السوري بخبرة واسعة في التعامل مع اللجان الدولية، والقدرة على إفراغها من محتوى مهمتها، وهي خبرة سبق له ان اكتسبها من إدارته الحرب الأهلية اللبنانية على امتداد خمسة عشر عاماً. يقبل بعمل اللجان وهو يضمر الالتفاف عليها وإغراقها في التفاصيل والتشكيك في موضوعية المراقبين، او تهديدهم أمنياً، على غرار ما حصل مع المراقبين العرب قبل أشهر. يدرك اهل النظام ان الذهاب مع البنود الستة لمبادرة كوفي انان قد تصل في خواتيمها، اذا ما جرى الالتزام بها، الى انهاء سيطرة العائلة الحاكمة على السلطة، والى تجييش الملايين من الشعب السوري ضد النظام في حال توقف القمع الدموي للمتظاهرين وتركت لهم حرية الحراك في مجمل المناطق السورية. ان النظام يدرك اكثر من غيره معنى بنود المبادرة وجوهر الأهداف الذاهبة اليها.
فوق كل ذلك وقبله، حسم النظام السوري منذ الأشهر الأولى للانتفاضة بجملة أمور بات من الصعب عليه التراجع عنها، في رأسها عدم الاستجابة الى مطالب الانتفاضة بالإصلاح وإدخال تعديلات على بنية النظام بما يتيح التخفيف من القبضة الأمنية، وإعطاء حيز من الحريات. جرى الحسم في هذا الخيار قبل ان تستفحل الانتفاضة وتشمل كل المناطق السورية، وقبل ان تتحول في قسم كبير منها الى العمل المسلح. اما اليوم، وبعد ان أحرق النظام كل الجسور والمراكب مع الشعب السوري، فيبدو من الاستحالة الوصول الى تسوية. وما يجعل هذه التسوية في حكم المستحيل هو القرار الواضح الذي اتخذه النظام بإدخال سورية في أتون الحرب الأهلية، واستثارة النزاعات الطائفية والإثنية، وممارسة أبشع انواع القتل الهمجي التي تستثير ردود فعل غرائزية من القوى المقابلة، وهو امر يعرفه اللبنانيون جيداً من خلال حربهم الأهلية والقتل المتبادل على الهوية. بات قرار الحرب الأهلية هو الخيار الوحيد الذي يرى النظام فيه الوسيلة لإدامة سلطته، على رغم إدراكه ان هذا الخيار سيذهب بسورية الى الجحيم. وعندما يكون قرار الحاكم تدمير البلد على أهله من أجل الحفاظ على السلطة، يصبح من الخيال الحلم بالخضوع الى تسوية.
يدرك النظام ان التدويل الحاصل سيبقى محدود الفاعلية، وأن أحداً من المجتمع الدولي لا يرغب في استخدام القوة العسكرية لإسقاطه، وأن قوى المعارضة مهما بلغ تسليحها لن تكون قادرة على قلب موازين القوى لمصلحتها وإنزال هزيمة بالجيش الرسمي. كل ذلك يجري ضمن شكوك واضحة من القوى الغربية بموقف يهدف الى انهاء الموقع السياسي والاستراتيجي لسورية، وتركها في حال من النزف والتدمير الداخلي بما يلغي اي قوة مقبلة لنظام قد يكون له موقف مناهض للاستراتيجية الغربية ولإسرائيل عندما يزول نظام الأسد. هذه العوامل مجتمعة، الداخلية منها والخارجية، لا توحي بقرب حل سياسي للأزمة السورية، بل ترجّح احتمال ديمومة الأزمة الى فترة طويلة، بما يؤدي الى انهاك سورية وإنهاء موقعها وتفتيت مجتمعها وتشرذمه تحت وطأة الاحتراب الاهلي.
* كاتب لبناني
الحياة