الآن! الآن! وقبل فوات الأوان! / رسالة إلى يسار ٍ متردد
Camile Dagher
لا أزال أقرأ بين الحين والآخر لبعض اليساريين المزعومين الذين اختاروا ،للأسف الشديد الانحياز للأنظمة السائدة ،ومن بينها نظام الخزي والعار،والمذابح ضد الشعب الأعزل ،في دمشق ،بحجة أن الغرب الإمبريالي يقف وراء الثورات العربية الراهنة!!!!! وبحجة أكثر بؤساً بكثير مفادها أن اليسار لا يستطيع الآن أن يقود هذه الثورات ،وعليه أن يبني نفسه ويستعد للعب هذا الدور،بعد عشرين أو خمس وعشرين سنة!!!
لهؤلاء وأمثالهم نقول :للأسف! فأنتم أموات،وتتعفنون تحت شمس هذا الصيف القائظ ،ويجب الاهتمام بدفنكم ،على الفور،حرصاً على نظافة البيئة ،والصحة العامة..ولكن أيضاً حرصاً على الأخلاق الثورية التي لم تكونوا يوماً على علاقة بها ، لا من قريب ولا من بعيد،لا بل تمرِّغونها في التراب!!.
ما يحصل الآن ،على امتداد الجزء الأكبر من الأرض العربية إنما هي ثورات حقيقية،وإن تكن قوى معادية كثيرة تحاول حرفها عن مسارها الصحيح،أو إجهاضها ،عبر الالتفاف عليها ،مستفيدةً من نقص شديد ،على صعيد العامل الذاتي ،المتمثل بالمنظمات الثورية ،التي إما هي غير موجودة،أو هي من الضعف بحيث ليست جاهزة منذ الآن،وفوراً، للعب دور قيادي مركزي في هذه الثورات ،وتقديم البرنامج الانتقالي المناسب للجماهير التي تمتلك الشوارع،وإن يكن لقاء الكثير من الدم الزكي المراق ،وإقناع هذه الجماهير بالسير تحت لوائه،وبهديٍ منه.
في كل حال ،إن الموقف الصحيح لا يكون بالتهرب من المسؤولية الذاتية عن الواقع المحزن ،المتمثل بافتقاد الجاهزية للقيادة،بل بالسعي بكل ما أوتينا من قوة لاستناح الفرصة الرائعة التي يقدمها لنا تقدُّم الجماهير الثائرة إلى واجهة المسرح، وإبداء استعدادها لقلب الطاولة بالكامل ،وتغيير الشروط التي كانت تسمح باستعبادها واستلابها،وذلك لأجل كسب ثقة هذه الجماهير ،بالوقوف معها في أرض النار،وتحت قصف النظام القديم ،على دمويته وإجرامه ،وعنفه. مهمة اليسار الثوري الحقيقي تقضي بإعطاء البرهان ،على الأرض،وأمام الجميع ،على صدقه ،وشجاعته ،وإخلاصه لقضية التغيير. وبقدر ما يمكن ان يفعل ذلك،يمكن أن يتحول ،في هكذا ظروف، إلى قوة فاعلة،في مهلة قياسية.ذلك أن التاريخ يتحرك ،في الأزمنة الثورية، بسرعة قلَّ نظيرها ،وما كان يتطلب عشرات السنين على صعيد ارتقاء وعي حركة الجماهير،قد يكتفي ،في مثل الظروف الراهنة ،بالأسابيع والشهور ،وأحياناً بالأيام!!
ما يهم الآن أن نمتلك الجرأة ،التي تحدثت عنها روزا لوكسمبورغ ،في وصفها للبلاشفة ،وهي تقف أمام الدور الذي اضطلعوا به في العام1917 . ومع الجرأة الصدق،والاندفاع ،في الوقت المناسب،وقبل فوات الأوان، إلى واجهة المعركة!
الآن،مجدداً،وقبل فوات الأوان!!!