الأسد يستنفد صبر المجتمع الدولي
“حتى متى تعتقد أنه بمقدورك
استنفاد صبرنا؟!”
(شيشرون مخاطباً كاتيلينا
في مجلس الشيوخ الروماني)
د. نقولا زيدان
يخطئ الذين يتساءلون لماذا لم نهدأ قط منذ نشوب الثورة السورية عن كتابة المقالات التي تساند الشعب السوري وعلى وتيرة واحدة دون توقف أو ضعف أو تخاذل، ويخطئون أكثر عندما يعتريهم ملل آثم وضيق مدان فيقدّمون لنا النصائح بضرورة معالجة مشكلات أخرى في غير مكان من العالم العربي. ذلك أن الانتفاضة السورية لم تتوقف بتاتاً عن تصدر رأس الأولويات منذ سنة كاملة من هموم الشعوب العربية في توقها الى الحرية والعدالة والديموقراطية. وانها مسألة قومية وطنية وانسانية مبدئية بامتياز.
ان الانتفاضة السورية في معركتها المحتدمة الجارية الآن تمثل منعطفاً مصيرياً وتاريخياً في حاضر الربيع العربي ومآله ومستقبله. فإما أن ينتصر الشعب السوري،الذي يقدم نيابة عن الشعوب العربية ما يفوق العقل والمخيلة من الآلام والمعاناة والبذل الأسطوري لتحقيق أهدافه الكبرى العادلة والمشروعة، أهداف الثورة العربية الحديثة، أو تتمكن القوى الفاشية والظلامية داخل سوريا وخارجها في الوطن العربي بأسره من كسر سواعدها وليّ رقبتها فتعيدنا مرة أخرى الى عهد السجون والزنازين وكمّ الأفواه ومصادرة الرأي وكبت الحريات وذلك على ركام هائل من المدن المحترقة والجثث المبعثرة والأطفال المذبوحين والفتيات المغتصبات والأشلاء والشظايا المجبولة بالدم المسفوح. إنها المعركة الفاصلة الدائرة الآن. سمّها ما شئت سواء ستالينغراد أو العلمين أو مونتي كاسينو، أو هانوي أو ديان بيان فو. القوى الفاشية بمواجهة القوى الديمقراطية، هكذا نعم! بل القوى الهرمة الصدئة بمواجهة القوى الجديدة الحية الصاعدة.
إنه دفاعاً عن طموحاتنا العربية يخوض الشعب السوري معركته. فإما الوقوف بإصرار وثبات وعناد بطولي الى جانب هذا الشعب الحامل صليبه فوق بحر حقيقي من الدماء حتى النهاية دون تخاذل أو ضعف أو تلكؤ، وإما الانحياز الخياني الى جانب الطغاة، ولا موقف ثالث آخر قط.
من منعطف الى آخر، ومن مفصل الى مفصل، ومن جامعة الدول العربية الى مجلس الأمن، الى هيئة الأمم ذهاباً وإياباً، الى المراقبين العرب، الى الرسائل وطلبات التوضيح وبروتوكولات تحديد الألفاظ والمفردات، الى المراقبين الدوليين، كلها دهاليز وأنفاق ومتاهات أدخلنا فيها نظام دمشق الفاشي كي نفقد رشدنا وصوابنا حتى يسقط من أيدينا الخيط الموصل، لكي يظل متربعاً فوق رقاب السوريين.
والآن الى أين يريد نظام الأسد الذهاب بنا، وماذا يعدّ لنا من ضروب وفنون تلاعيبه ونفاقه وكذبه المتمادي؟ أي فخ جديد وكمين موصوف مبتكر يرمي إيقاعنا فيه؟.
منذ أيام خرج علينا النظام السوري بلسان “بثينة شعبان” بلعبة شيطانية جديدة ملخصها أن النظام الأسدي في الوقت الذي بدأت طلائع المراقبين الدوليين تطأ مطار دمشق، يحذر المجتمع الدولي انه ليس مسؤولاً عن أمن وسلامة هؤلاء المراقبين إلا إذا شاركت أجهزته الأمنية بتحديد خطط سير (itinéraires) هؤلاء المراقبين بصورة مسبقة، بل عليها أن ترافقه في كل جولاته الاستطلاعية والتفقدية! (انتهى البلاغ).
ان النظام الأسدي يريد التلاعب بعقولنا والاستخفاف بنا. انه يريد إعادتنا الى نقطة الصفر، أي الى النتيجة المفلسة التي أودى إليها المراقيبن العرب منذ أشهر خلت، وهي فرض خطط السير التي تتوافق مع اخفاء والتعتيم على أماكن الجرائم والمجازر والمحارق التي ارتكبها، وهي فظائع تقشعر لها الابدان ويندى لها جبين الانسانية، بل أسوأ من ذلك بكثير، انه يعد العدة لمخططات تفجيرية وكمائن مسلحة ليردي فيها عدداً من هؤلاء المراقبين، حتى يعودوا أدراجهم، تماماً كما فعل مراقبو الجامعة العربية. لعل هذا ما دفع الجنرال “وود” لمغادرة دمشق معتذراً على متابعة مهامه.
من لم يدرك بعد عليه أن يفعل. إن نظام دمشق مصرّ في هستيريا دموية على متابعة حربه ضد الشعب السوري، مهما كان الثمن. فالحرب مستمرة والصراع في ذروته الآن، وهو ذاهب الى حتفه حتى الرمق الأخير.
المستقبل