الإصلاح كواجهة للحل الأمني
عبدالله إسكندر
الحوار غير قائم بين الحكم السوري والمعارضة. العلاقات السورية-العربية شبه مقطوعة. غالبية دول العالم تندد بممارسات الحكم السوري وتطالب بإجراءات لوقفها. ومع العقوبات الخارجية التي تطاول شخصيات أساسية في النظام ومؤسسات يشتبه بأنها وراء تمويله، تتزايد المطالبات الدولية بتحويل الملف السوري الى محكمة الجنايات الدولية بشبهة ارتكاب جرائم ضد الانسانية، وذلك رداً على الامتناع عن تلبية المطالب الشعبية. في حين ان العمليات الحربية ضد المدن السورية ومعاقل الاحتجاج تحصد كل يوم أعداداً من الضحايا تفوق اليوم السابق.
أي أن الحكم السوري يعيش عزلة داخلية وعزلة إقليمية ودولية، بفعل رفضه التعامل مع الحركة الاحتجاجية ومطالبها، وفي الوقت نفسه يصعّد حملات القمع الدموي ضد مواطنيه. في هذا الوقت بالذات يطلق هذا الحكم الدعوة الى استفتاء على دستور جديد، واضعاً الخطوة في إطار البرنامج الإصلاحي.
لكن احداً، لا في الداخل ولا في الخارج، باستثناء «الحلفاء الإستراتيجيين»، اعتبر ان هذا الاستفتاء هو فعلاً في اطار خطة إصلاحية. ولا يتعلق هذا الامر بمضمون الدستور، الذي أعلن أن استفتاء شعبياً سيجري بعد ايام للمصادقة عليه، إذ إن المسألة تتجاوز الجانب القانوني الدستوري إلى الوظيفة السياسية التي سعى اليها الحكم السوري.
لقد شابت هذا الإعلان ثغرات كثيرة جعلته غير ذي معنى إصلاحي. رغم نصه على تعديل المادة الثامنة وتحديد ولاية الرئيس، وهما من المطالب التي كانت رفعت في بداية الحركة الاحتجاجية.
فالأصل في الأصلاح ان يتناول أسس الحكم وكيفيته، وذلك من خلال أوسع حوار ومشاركة ممكنة للذين يعترضون على الوضع، ولا أن يكون مجرد بحث لتقنيين تحت رعاية الحكم وإشرافه. إن الإصلاح في جوهره سياسي، ولا يمكن ان يكون إلا سياسياً. وهذا ما يفرض الحوار السياسي مع المعارضة بكل أطيافها، خصوصاً تلك التي تمثل الشرائح الواسعة من المواطنين…
ومن أجل إمكان إجراء مثل هذا الحوار، لا بد من استقرار أمني وإطلاق فعلي للحريات ليتمكن كل صاحب رأي من إبداء رأيه والدعاية له من دون خوف. وواضح أن هذا المناخ ليس قائماً في سورية اليوم. وإنما ما نلاحظه هو العكس تماماً، من حملات عسكرية واعتقالات وقتل مستمر. فكان يُفترض قبل البدء في هذه العملية، تهدئة الوضع الامني والسياسي، عبر سحب القوات العسكرية من الشوارع ووقف القتل واطلاق جميع معتقلي الرأي ووقف ملاحقة جميع المعارضين السياسيين، لا بل توفير حمايتهم القانونية. وواضح ان ما نلاحظه لا يستجيب هذه الظروف التي يجب ان تكون بديهية من اجل الاصلاح.
واكثر من ذلك، يصح التساؤل عن كيفية إجراء هذا الاستفتاء في ظل عمليات عسكرية ومواجهات مسلحة تشهدها غالبية المدن السورية، في شكل او آخر. هكذا، ليس هناك مناخ سياسي أو أمني يتيح فعلاً أن يكون الاستفتاء شفافاً ونزيهاً، ما يفقده أي قيمة إصلاحية.
اما لماذا استعجل الحكم بإطلاق الدعوة الى الاستفتاء، فذلك لا يمكن فصله عن حاجته الماسة لتوفير أوراق في أيدي حلفائه، خصوصاً بعد الفيتو في مجلس الامن، إذ إن الحكم لم يترك وسيلة إلا واستخدمها للإعلان أنه وعد وزير الخاريجة الروسي لافروف بالإسراع في إعلان إصلاح، ما يتيح لموسكو الاستمرار في الدفاع عنه في مواجهة خصومه.
واليوم بعد سقوط آلاف الضحايا من السوريين واختفاء آلاف آخرين، ومع استمرار الحملات العسكرية، يفقد الحكم شرعية القيام بأي إصلاح، فهو متهم بالقتل وعليه أن يجيب عن ذلك. ولا يعفي المسؤولين فيه من المحاسبة مجرد إعلان استفتاء على دستور. فالمسألة الآن هي المحاسبة للذين تورطوا بدم السوريين وليس توقع إصلاح منهم.
لقد جاء هذا الإعلان في ظل استمرار الظروف السياسية التي أدت إلى اندلاع الحركة الاحتجاجية واتساعها. ولا تظهر أي إشارة الى تغيير النهج الرسمي والتخلي عن الحل الأمني. ولذلك يمكن الاعتقاد ان الاصلاح المقترح هو استمرار لهذا الحل وواجهة جديدة له.
الحياة