الاقتصاد: عنوان الأزمة السوريّة
المرحلة المقبلة في سوريا اقتصادية بامتياز. فالاقتصاد سيكون عنوان الأزمة بالنسبة إلى المواطن السوري، ليس بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية وحسب، بل أيضاً بفعل قرارات حكومية، وخصوصاً منع الاستيراد، الذي بات يمثّل عنوان سجال بين النظام والتجار، الذين يحذّرون من استفادة المتظاهرين من مثل هذا الوضع
طارق عبد الحي
دمشق | ربما بات من الممكن القول إن المرحلة المقبلة في سوريا هي مرحلة الاقتصاد، وسط الضغوط الدولية على البلاد، والتي تتجه إلى المنحى المالي وسط ترقب للتعاطي الرسمي مع الأزمة، التي باتت حديث غالبية السوريين اليوم.
من خلال نظرة سريعة إلى حال الاقتصاد السوري خلال السنوات العشر الأخيرة، تبدو البلاد في مرحلة تحول من زمن الاشتراكية والدعم الحكومي الى زمن اقتصاد السوق الاجتماعي، وما رافق ذلك من دخول للقطاع الخاص على خط الاستثمار في مختلف القطاعات، من المصارف والتأمين والتعليم، الى النقل والسياحة والانتاج، وهو ما انعكس على شرائح المجتمع المحلي، فيما بدا واضحاً أن قطاعات أخرى كالزراعة والصناعة، والتي كانت تحظى بدعم حكومي، قد تراجعت لصالح تقدم الاقتصاد الخدمي. ومع بداية الاحتجاجات في الشام، في آذار من العام الجاري، بدأ جانب الاقتصاد يرتفع شيئاً فشيئاً مع تراجع عملية العرض والطلب اجمالاً، وهو ما أدى الى ركود شهدته الحياة الاقتصادية، مع هبوط ملموس في اسهم الشركات لدى سوق الأوراق المالية السورية.
لكن رغم كل هذا بدا النظام متماسكاً حتى الأشهر الأولى، ولم تجدِ العقوبات الاوروبية والاميركية، التي طاولت كبار المسؤولين في الدولة، إضافة إلى مجموعة من الشركات. إلا أن هذه الضغوط تحولت إلى جدية مع قرار حظر استيراد النفط السوري، والذي تعدّ الدول الاوروبية، وخصوصاً هولندا، الأكثر اعتماداً عليه، إضافة إلى كون النفط يغطي ثلث واردات الدولة، ما يعني بدء دخول سوريا في أزمة اقتصادية.
ملامح الأزمة الاقتصادية أكدها حديث لحاكم مصرف سوريا المركزي، أديب ميالة، الذي قال إن «على السوريين شد الأحزمة والاستعداد لأيام صعبة تنتظرهم». معطى آخر أكد مثل هذا التوجه، إذ عمدت الحكومة قبل أيام إلى إصدار قرار بحظر استيراد منتجات عدة، منها السيارات، وهو ما خلق موجة غضب شديدة لدى التجار ورجال الأعمال في الداخل، وصلت الى حد العراك وإلقاء الاتهامات بالخيانة. في حلب مثلاً، يقول أحد التجار ضمن مجال الكهربائيات إن «مثل هذا القرار سيؤدي إلى ازدهار عمليات التهريب، فيما ستتآكل المشاريع الاقتصادية المتوسطة والصغيرة». ويتساءل الشاب، الذي رفض ذكر اسمه ولو حتى مستعاراً، عن سبب صدور القرار بهذه الطريقة الصادمة، فيما كان وزير الاقتصاد قد وعد بمناقشة اي قرار مع الغرف التجارية والصناعية قبل أن يعلن عنه.
ويمضي الشاب في حديثه قائلاً: «لست خبيراً اقتصادياً، لكني لم أفهم مثلاً تضمين حظر مواد وإغفال مواد أخرى، كأجهزة الهاتف النقال». ونوه إلى أن «هذا القرار قد يصب في مصلحة المتظاهرين، لأن قطاعات كبيرة من التجار والعاملين في الاستيراد ستتضرر مصالحهم، ما سيدفعهم للنزول والانضمام للحراك الشعبي».
غير أن الانتقادات التي يوجهها التجار لا يبدو أنها ستفلح في دفع أهل الاقتصاد في العاصمة السورية، إذ أكد وزير الاقتصاد، محمد نضال الشعار، «أن هذا القرار سيادي ولا رجعة فيه». كلام يتقاطع مع آخر صدر عن حاكم المصرف المركزي، الذي أكد أن هذا القرار سيوفر ميزانية ضخمة لصالح خزينة الدولة تصل الى ستة مليارات دولار سنوياً.
إلا أن الشعار أبقى الباب مفتوحاً أمام احتمالات تعديل القانون. وقال في حديث لقناة «الدنيا»، المقرّبة من النظام في سوريا، إن «الحكومة ستتراجع عن قرار منع استيراد المواد التي يزيد رسمها الجمركي على خمسة بالمئة، إذا عاملت الدول العربية سوريا بالمثل». وأضاف: «لا نريد أن تتضرر صادراتنا». بدوره، ذكر موقع «سيريا نيوز» الاخباري أن الحكومة طلبت من وزارة الاقتصاد اعادة النظر بقرار منع الاستيراد واتخاذ اجراءات تحول دون رفع الأسعار ومنع استغلال القرار في حركة السوق، في المقابل استثنت وزارة الاقتصاد عدداً من المواد من الحظر وتشمل كلاً من الخيوط والأقمشة اضافة الى الخضر والفواكه الطازجة. وأوضحت الوزارة أن الهدف من استثناء الخيوط والأقمشة يعود إلى الحفاظ على صناعة الألبسة، وبالنسبة إلى الخضر والفواكه فإن ذلك لتأمينها في الاسواق دون أن يطرأ عليها أي ارتفاع.
غير أن هذه الإجراءات لم توقع الاعتراض، إذ يرى سهيل، وهو صاحب وكالة شركة عالمية للكهربائيات في دمشق، أنه إذا «كان هدف الفريق الاقتصادي هو الحفاظ على مخزون البلاد من العملة الصعبة في خزينة الدولة، فهم على خطأ، ويعكس هذا القرار ضيق الأفق لديهم، فمن المعروف أن التجار يعمدون إلى شراء العملات الاجنبية في السوق السوداء، ومن ثم تتوجه الاموال الى حسابات مصرفية في مصارف وسيطة لتتم عملية الاعتماد المالي، وعليه فإن تصرف الحكومة سيؤجج نقمة شريحة التجار عليها». ويضيف: «تبعاً لحال السوق في الفترة الأخيرة فقد قمنا وعدة شركات ضخمة بترشيد الاستيراد وتوزيع ما لدينا حسب الطلب على الصالات، وهناك عدد من الوكالات طلب من صالات البيع التريث قليلاً، واليوم حتى المصارف الوسيطة تخشى الدخول في عمليات جديدة معنا، خوفاً من فرض عقوبات عليها».
الاعتراض على القرارات لم يعد ضمن دائرة الأحاديث الجانبية أو حتى كلام الصحافيين، إذ أصدرت شركة لتصنيع الأجهزة الكهربائية بياناً، قالت فيه إن «هذا القرار متسرع، وإن كان الهدف هو حماية الصناعة الوطنية، فإن ذلك يكون بتقديم الأرض بسعر رمزي وخفض على الطاقة والضرائب، وكذلك رفع الرسوم الجمركية على المواد المستوردة المنافسة». وتوقعت الشركة أن «يغلق الكثيرون معاملهم وشركاتهم ويبحثوا عن البديل الذي قد لا يكون متوافراً في ظل الظروف الراهنة».
لكن من قال إن الأزمة متوقفة عند استيراد الاجهزة والمواد التي تزيد رسومها الجمركية على خمسة بالمئة؟ فهناك مفاجأة غير سارة كان أهل الزراعة هذه المرة على موعد معها. مفاجأة تمثلت في قرار مصر والسعودية ولبنان وإيران منع البضائع السورية من دخول اراضيها. ورغم أن السوريين هم المستفيد الرقم واحد من اتفاقية التجارة العربية الحرة، بحكم رجحان كفة صادرات سوريا من المحاصيل الزراعية على حساب وارداتها، فقد باتت اليوم الحلقة الأضعف بفعل قرار الحكومة، الذي سيؤدي إلى ضرر فادح بالقطاع الزراعي. كذلك يتحدث عدد من الخبراء الاقتصاديين عن أن قرار السلطة يشمل تعليق اتفاقيات عربية واقليمية كانت تسمح بدخول البضائع العربية لسوريا وفق رسوم رمزية، وبحكم القرار الجديد فإن السلع العربية لن تدخل الديار الشامية، ومن باب المعاملة بالمثل، قرر العرب التوقف عن استيراد منتجات سوريا، ما سيؤدي إلى مضاعفات خطرة للغاية.
في المقابل، تبدو الأسواق السورية عادية حتى اليوم لجهة توفر البضائع، واذا كانت الايام المقبلة ستبدو رمادية على صعيد تبيان قرارات الحكومة اللاحقة، فإن مخاوف بدأت تنتشر بين الناس من تفاقم الوضع الاقتصادي، مع حديث عن ارتفاع الأسعار وفقدان مواد سيطلبها السوريون في المرحلة اللاحقة، أهمها المازوت الذي تدور علامات استفهام حول توفره او ارتفاع سعره مجدداً في ضوء العقوبات الاوروبية.
ورغم حديث عدد من المسؤولين في دمشق عن بحثهم عن أسواق بديلة وتوافرها في آسيا وافريقيا وأميركا الجنوبية، مقتدين بالتجربة الايرانية بالتوسع نحو الصين، تتحدث التقارير الغربية عن أن إعراض الكثيرين عن شراء النفط السوري، سيخلق ازمة خانقة في المستقبل. ولا يزال أمام النظام السوري فترة من الزمن تمتد حتى تشرين الثاني، قد يتمكن فيها بالفعل من ايجاد سوق بديل للنفظ، إذا لم تضغط واشنطن والاوروبيون على الزبون الجديد لايقاف الصفقة.
وبين الاستيراد والنفط وحركة الأسواق، بدأ أهل الشام يتحسسون محافظهم المالية ويضبطون إنفاقهم، تحسباً لأيام صعبة، فأرجئت مشاريع السفر والزواج والتعليم الخاص، وحتى شراء بعض المواد، فيما غادر الأثرياء دمشق لتأسيس مشاريعهم في الخارج، وقد يلحقهم من يجد فرصة عمل في الخليج العربي او دول مجاورة، ليبقى الفقراء ومن قرروا المكوث في الشام رغم الانعطافة التي تمر بها البلاد.
ممنوع استيرادها
من بين ما شمله قرار تعليق المستوردات: السيارات السياحية والعربات المصممة أساساً لنقل الاشخاص وسيارات السباق والدراجات (بيسيكلات) بدون محركات وعربات نقل الأطفال وأجزاؤها، والألبسة وتوابعها، والسجاد وأغطية الأرضيات ومعظم الآلات والاجهزة والمعدات الكهربائية والبطاريات، ومولدات الكهرباء وأجهزة التنظيف بالشفط، وخلاطات المأكولات وعصارات الفواكه أو الخضر، والمصابيح الكهربائية والمسخنات الفورية للماء والأجهزة الحرارية الكهربائية لتصفيف الشعر، والميكروفونات وأجهزة تسجيل وإذاعة الصوت والصورة (الفيديو)، والعسل الطبيعي والألبان المخمرة أو المحمضة، والطماطم والبصل والثوم والملفوف والقرنبيط والخضر المماثلة والباذنجان والأسماك الطازجة أو المبردة…
الأخبار