صفحات العالم

الانتظار السوري


ساطع نور الدين

حتى الآن لا تزال المعارضة السورية تستفيد من سلوك نظام الرئيس بشار الاسد الذي يمكن ان يقودها الى السلطة بأسرع مما يتوقع الكثيرون من المعارضين والموالين عل حد سواء. وهي ستظل مدينة لذلك النظام بأنه ساهم في انتاجها وفي تنظيمها وتطويرها وتوسيع شعبيتها، اكثر مما هي مستندة الى خطابها السياسي او الايديولوجي او حتى الى كفاءاتها التنظيمية او رموزها القيادية.

واذا ما ظل النظام يسير في الاتجاه المعاكس لأي منطق، كما هو متوقع، فان ذلك يفرض على المعارضة تحديات جدية لم تثبت حتى الآن انها قادرة على مواجهتها، على الرغم من مرور اكثر من ثمانية اشهر على الانتفاضة الشعبية التي تبدو اليوم انها عند مفترق بين ان تظل وحدها في الشارع تتلقى الضربات المتتالية، وبين ان تنزل تحت الارض لتعيد تنظيم نفسها وطريقة عملها، وتقف خلف العسكريين المنشقين والمدنيين المسلحين الذين يخوضون معركة الدفاع عن المجتمع المدني من دون اي دوافع سياسية واضحة، وبدافع الانتقام الفردي في اغلب الاحيان من القمع الذي تمارسه السلطة واجهزتها بحق المدنيين العزل بشكل خاص.

التقدير الثابت هو ان النظام يسير نحو حتفه. وهو اساء حتى استخدام الخيار الامني الذي لم يسمح له حتى الآن بالزعم انه يسيطر على مدينة درعا مهد الانتفاضة، ولا على اي من المدن والبلدات الاخرى التي تحدته سياسيا، والتي كان يرسل اليها الجيش والامن فيتسبب في اشعال غضب سكانها وتجذير مطالبهم السياسية، من دون ان يمتلك القدرة البشرية والمالية مثلا على ابقاء الوحدات العسكرية والامنية منتشرة بشكل دائم في تلك المدن والبلدات.

تحذير الامم المتحدة امس من حرب اهلية، مبالغ فيه الى حد بعيد، لأنه حتى الآن لا يمكن التمييز بسهولة بين من هم داخل النظام وخارجه، كما لا يمكن رسم خطوط تماس محددة طائفية او سياسية او حتى امنية بين المدن او في احيائها… والاهم من ذلك انه ليس لدى المعارضة استعداد او حتى تفكير بتغطية مثل هذا الخيار الانتحاري، لا سيما ان الخيارات البديلة لم تستنفد، وهي لن تستنفد ما دامت السلطة تخسر رصيدها ودورها كل يوم.

لكن الاعتماد على الخدمات المجانية التي يقدمها النظام للمعارضة السورية لا يوفر مخرجا او حلا للازمة، ولا طبعا الاستناد الى حقيقة ان الطموح الجذاب للمعارضين على اختلافهم افضل من القدر السيئ الذي يمثله النظام. لعله آن الاوان للخروج من هذه البداهة والتعامل مع مشروع دفع سوريا نحو حرب اهلية باعتباره خطرا داهما يستدعي الاسراع في انجاز المرحلة التنظيمية والمباشرة في التحدث مع الجمهور السوري باللغة التي يتظاهر من اجل سماعها ويدفع ضريبة الدم من اجل ارسائها، لغة التغيير السياسي المنشود الذي يتخطى شعارات السلمية والوحدة الوطنية ويترجمها الى مفردات واضحة ومحددة لا تستبعد حتى التفصيل في الانتخابات الرئاسية والنيابية والبلدية، مهما بدا مثل هذا البرنامج سابقا لاوانه.

سوريا تنتظر مثل هذه اللغة التي يمكن ان تطغى على لغة الرصاص او حتى ان توقفها.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى