الباطنية” الغربية في لحظة إنكشاف: ادعموا الأسد: حسين جمو
حسين جمو
هل هناك من يفكّر بصوت عال بعيداً عن باطنية الغرب السياسية تجاه سوريا، ويقول من دون خجل: “نريد تدميركم أيّها الأوغاد”؟ إنه دانييل بايبس، مدير منتدى الشرق الأوسط، وأستاذ زائر في معهد هوفر بجامعة ستانفورد الأميركية. لديه موقع يترجم مقالاته إلى العربية، ودعا علانية إلى تدمير الطرفين في سوريا، من دون أن تكون دعوته سرية على شكل توصية، يتم تسليمها إلى دوائر القرار الأميركية، كما جرت العادة.
قناعات قطعية
لا ينطلق المؤرخ والخبير الاستراتيجي دانييل بايبس في نظرته للشعوب المسلمة من الواقع، فهو لديه قناعة تاريخية قطعية أولاً، ثم يقوم بإثباته عبر وقائع حالية. ويمكن اختصار ما يريد قوله هو أن “هؤلاء قوم سيئون.. ومن الأفضل للعالم لو كانوا غير موجودين”. مثلاً لديه مقالة نقدية نشرها في السادس من مارس 2012 بعنوان : “النظرة إلى العرب قبل خمسين عاماً”، يتعرض فيها بتهكم على نقاط إيجابية في كتاب “العالم العربي” لديزموند ستيوارت (1924-1981)، وهو صحافي، مؤرخ وروائي بريطاني. كان كتاب ستيوارت يقول إن “العالم العربي قد تغيّر” في بعض النواحي عما كان عليه أيام الامبراطورية العثمانية. وتعليقات بايبس تقول: “هؤلاء مسلمون ولن يتغيروا”، وعلى سبيل المثال، فإن ستيورات يقول إن الزائر إلى هذه المنطقة يدخل “عالم علاء الدين وعلي بابا”، فيرد بايبس: “الزائر الآن يرى القليل من تلك الصورة العاطفية في عصر تنظيم القاعدة”.
بالتأكيد إن توصيف ستيورات ليس صحيحاً، وهو متأثر بالاستشراق العائد إلى ما قبل عصر النهضة الأوروبية، لكن في المقابل لا نفهم من تعليق بايبس المتشفّي غير أن “هؤلاء قوم لن يصبحوا سوى أكثر سوءاً مما كانوا عليه”. ويوجه اتهاماً قاسياً لستيورات بأنه “جاهل تماما بحقيقة التعالي الإسلامي منذ بداياته وحتى العصور الحديثة”، كما أنه اعتبر الكلام عن تحقيق المرأة تقدماً أمراً “يُصعق القارئ”.
ما سبق ليس عرضاً لأفكار بايبس أو دفاعاً عمّا لا يروق له، بل محاولة لتأكيد أن الرجل لديه قناعات قطعية راسخة، والواقع بالنسبة له عبارة عن ساحة للبحث عن الأدلّة.. فقط.
إدعموا الأسد
قدّم بايبس لقرائه الأميركيين مقالة كتبها في صحيفة “واشنطن تايمز” في 11 أبريل 2013 بعنوان “The argument for Assad”. ونقل بايبس المقال إلى موقعه الخاص بعنوان مغاير وأكثر دلالة : “Support Assad”.
يبرر بايبس دعوته بتفسير وقح ومليء بالكره: “قوى الشر تصبح أقل خطورة علينا عندما تعلن الحرب على بعضها البعض. هذا يبقيهم محصورين في نطاق محلّي، ويمنع أياً منهم من الخروج منتصراً وتشكيل خطر أكبر علينا. على القوى الغربية أن تقود الأعداء إلى طريق مسدود عبر مساندة الطرف الذي يخسر وذلك لإطالة أمد الصراع”. ويحاجج بايبس أن هذه السياسة لها سوابق في التاريخ، ففي الحرب العالمية الثانية كانت القوات النازية تتقدم شرقاً على الجبهة السوفياتية عندما قرر الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت دخول الحرب وتنسيق الجهود مع جوزيف ستالين. ويضيف بايبس: “كان جوزيف ستالين أكثر وحشية من بشار الأسد”.
ويشرح بايبس بإسهاب كيف تكرر الأمر خلال الحرب الإيرانية العراقية، ويؤكد أنه رغم ان كلا الجانبين يشكلان خطراً على الولايات المتحدة، لكن إيران كانت أكثر قوة من الناحية الأيديولوجية. لذا، يدعم المؤرخ بايبيس تكرار تغيير وجهة الدعم من طرف لآخر بحيث يتم إنهاك الطرفين.
الأسد صدّام!
في الحالة السورية يعتبر بايبس أن الأسد يأخذ دور صدام حسين، والمعارضة السورية تأخذ دور إيران. ويدعو إلى الإبقاء على الأسد وعدم السماح بسقوطه في يد من يسميهم بـ”الجهاديين”.. وعدم ترك أي طرف يحقق النصر. ولا ينسى بايبس دعوة الغربيين إلى الالتزام بالمعايير الأخلاقية، والمتمثلة بعزل المتحاربين عن المدنيين من الطرفين، بحيث يكون ميدان الحرب محصوراً بين الفريقين المتقاتلين. ويرى أن على الغربيين إيجاد آليات لإجبار الأطراف على الالتزام بقواعد الحرب، وإلا فإن على القوى الغربية التدخل ضد أي طرف يخرق الالتزام. وبهذه الطريقة يتم الإيفاء بـ”المسؤولية في الحماية”. أي أنه يجب توفير ساحات خاصة للقتال بين الثوار والنظام من دون ان يدفع المدنيون الثمن الأكبر. يقول بايبس: “في يوم الحظ، عندما يقاتل الأسد وإيران المتمردين (الثوّار) وتركيا إلى حد الإنهاك التام، حينها يمكن أن يذهب الدعم الغربي للذين لا ينتمون لا للبعث ولا للإسلاميين لإيصالهم إلى مستقبل أفضل”.
المعطيات الحالية تشير إلى خطأ وحيد في حلم بايبس بتدمير سوريا عبر هذه الطريقة، وهو أن الأمر دخل حيّز التطبيق منذ فترة طويلة، ولا ينتظر لفت نظر منه.
الثورة لم تخلق هذا المناخ.. إنها “الباطنية” السورية المحلّية المجسدة سياسياً في نظام الأسد في لحظة التقائها بـ”الباطنية” الغربية، وبالغيبيات الكبرى لكل الطوائف والأديان. انتصار الثورة وانتصارها غير المنقوص- فقط- كفيل بإبقاء الأساطير في متاحف الكنائس والكُنُس والجوامع والحسينيات.
بايبس.. المثير للجدل
دانييل بايبس، هو مؤرخ أميركي وكاتب صحافي، وخبير في شركة “ويكيسترات” الاسرائيلية التي تُعنى بالشؤون الاستراتيجية. وهو يهودي من أبوين هاجرا إلى الولايات المتحدة أثناء الاحتلال الألماني لبولونيا. درس التاريخ الإسلامي بتعمق، وأجاد اللغة العربية وأقام سنوات في مدن عربية وإسلامية، من بينها خمسة أعوام في القاهرة.
أسس منتدى الشرق الأوسط عام 1990، وتتبع لها مجلة وموقع الكتروني مثير للجدل “ووتش كامبوس” تم إطلاقه عام 2002، وركّز فيها على “تقويم” المقررات الخاصة بالشرق الأوسط في المدارس والجامعات الأميركية. واستطاع بايبس عبر الموقع تأسيس شبكة من المراقبين على كل الأفكار المتداولة كتابياً عن الإسلام والمسلمين. كما عمل على التشهير بأساتذة الجامعات الذين يوجهون اننقادات لإسرائيل، ونشر ملفات ثمانية منهم على الموقع لغرض التشهير.
يعتبر بايبس من أشد الداعمين لإسرائيل في أميركا، ويعارض بشدة قيام الدولة الفلسطينية حتى ولو على جزء صغير من الأرض. وكتب في أبريل عام 1990 (قبل 23 عاماً) مقالاً أكد فيه إنه إما ان تكون هناك دولة إسرائيل أو دولة فلسطين، ولا يمكن أن تتواجد كلاهما. واقترح أن يتم ضم قطاع غزة لمصر، والضفة للأردن.