الثورة السورية إلى أين
تامر العوام
بعد أكثر من مئة يوم على انطلاق الشرارة الأولى للثورة السورية والتي بدأت ترسم خطوطها العريضة بينما لا زال النظام يصر على تسميتها نظرية المؤامرة وبينما يسميها المحتجين بالثورة السلمية لاسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد
وكون النظام السوري من أكثر الأنظمة في العالم مراقبة للمعلومات بغض النظر عن المصدر سواء كان المصدر من النظام نفسه أو من معارضيه والمراقب للوضع السوري يرى تضارب المعلومات المصرح بها من مصادر النظام نفسه فتختلف التحاليل والتأويل وهذا ما عكس بالضرورة على الطرف الآخر للمعادلة اي عند المحتجين أو المعارضة اعلام غير واضح المعالم ومرتبك له اشكالياته ايضا وذلك بسبب التلوين المختلف داخل المعارضة والهوة التي زرعها النظام بين الشارع السوري والمعارضة وطبعا مع غياب كامل لوسائل الاعلام الحيادية والمتهمة كلها بالعمالة عدا المحطات الرسمية والشبه رسمية
وهذا ما جعل الشأن السوري خاضع للتأويل والضبابية حتى بدا لي الكتابة في هذا الموضوع بتفاصيله ضرب من الجنون
ومع هذا هناك بعض النقاط التي يجب علينا الوقوف عندها خاصةً بعد زيارتي لمخيمات النازحيين السوريين على الحدود السورية التركية أي داخل سورية قبل أيام من دخول قوى الأمن والجيش إليها وطبعاً زيارة المخيمات التي ضمت أكثر من أثني عشر ألف نازح وهنا نعود للنقطة الاساسية ونطرح بعض الأسئلة
هل ما يحدث في سورية مؤامرة دولية ومن عدة جهات
هل توجد جماعات سلفية أو ارهابية مسلحة تقتل قوات الأمن والجيش
هل الغرب يريد فعلاً تغير النظام السوري كآخر نظام عربي ممانع
هل هناك آفاق لحل سياسي في سورية
بدايةُ لا يختلف اثنين عاقلين على أن الغرب أو حتى الدول المجاورة والتي تبحث عن دور اقليمي تركيا وايران يبحثون عن مصالحهم في ربيع الثورات العربية وبالطبع هذه المصالح يجب أن يجدوا مؤيدين لها على الأرض ولهم ثقل في الشارع السوري والغرب
وأمريكا يبحثون منذ زمن عن بديل محتمل للنظام السوري خاصة منذ بداية ما سمي بربيع الثورات العربية وهذا يدحض نظرية النظام لأن الغرب حتى الآن لم يجد البديل عن النظام السوري أو نستطيع القول أنه وأقصد هنا الأوربيين أكثر من الأمريكين بدؤوا البحث عن بديل محتمل للنظام السوري خاصة مع غياب كامل للمعارضة السورية بما فيهم الأخوان المسلمين وكلنا يعلم أن سورية بلد تعدديات طائقية وعرقية وقومية اي أن وجود الأخوان المسلمين على الأرض بشكل تنظيمي ضعيف أي أن البديل غير موجود وعلى الجميع انتظار صناديق الاقتراع وهذا ما يجعل القوة العظمى في العالم حتى الآن وبعد سقوط أكثر من ألف وستمائة شهيد وعشرات الالاف من الجرحى والمعتقلين والمهجرين لم تفقد نظام الأسد شرعيته اعتقد أن العالم كله بما فيه اسرائيل يريد بقاء نظام
الأسد وهذا لا يعني أن اسرائيل تحب بشار الأسد ولكنه افضل الموجودين على الأرض بالنسبة لهم
النقطة الثانية وهي الأخطر وهي المجموعات السلفية أو الارهابية وارتباطها الحتمي كما يقول النظام السوري مع الخارج ولهذا وبناء على دراسات قام بها جهاز الأمن السوري منذ أكثر من ستة أشهر وقد عقدت عدة اجتماعات أمنية لدراسة كيفية الرد على احتجاجات متوقعة في سورية فلقد ركز النظام على وجود هذه الجماعات في المناطق الحدودية وذلك لاقناع الرأي العام بعمالتها وتهريبها للاسلحة وكانت البداية في درعا التي لم تنجح كل محاولات النظام على دفع الأهالي لاستخدام القوة للرد على عصابات الشبيحة والأمن إلى درجة أنهم تركوا بعض الأسلحة في الشارع كي يقوم الأهالي باستخدامها ضدهم كي يعطى الأمن الفرصة للرد بطريقة قوية على العكس فلقد ازدادت المظاهرات وكان الشعار واضح الموت ولا المذلة وتظهر هذه الخطة بشكل واضح في آلية قمع باقي المظاهرات التي قامت في ريف دمشق وحمص والحسكة وعامودا التي لم يسقط بها حتى الآن قتلى وأفصد المناطق ذات التجمعات الكردية لكن النظام وجد الفرصة سانحة مع امتداد المظاهرات إلى محافظة ادلب الحدودية ليقوم بعملية مداهمة إلى أكثر من ست وعشرين منزلا في جسر الشغور ويختار العوائل المحافظة بين الساعة الثانية والرابعة فجرا لاقتحام المنازل بطريقة غير اخلاقية أي أن بعض العوائل كانت النساء فيها نائمة وكلنا يعلم ما معنى أن تنتهك حرمة منازل فقط لأسباب لها علاقة بأن أفراد منها شاركوا بالمظاهرات وليس لسبب جرمي لأن النظام نفسه أطلق سراح كل من اعتقلهم في هذا اليوم وعندما قاموا بالتظاهر بنفس اليوم تم اطلاق النار عليهم وأثناء التشيع في اليوم التالي قتل الأمن اربعة عشر شخص وقام بمداهمة البيوت ونهب وتكسير محتوياتها وكما ركز على قتل بعض المهربين الذين كانت تربطهم مع أجهزة الأمن علاقة الكل يعرفها في سورية ودفع بعدة أشخاص لدفع الأهالي على حمل السلاح بعد أن سرب خبر اغتصاب فتيات في معمل السكر ولم يتدخل الجيش في المناوشات التي قامت بين المهربين ومفرزة الأمن على الرغم أنها استمرت سبع ساعات وهذا يدل على أن الأسلحة المستخدمة كانت عبارة عن اسلحة صيد وبعض المسدسات ولدي اسماء الاشخاص المهربين المتعاملين مع الأمن
لقد شهدت الحدود التركية السورية في الاشهر الأخيرة حركة تهريب غير اعتيادية مع تنسيق كامل مع الأجهزة الأمنية وقسم كبير من الأسماء التي حصلنا عليها مرتبط منذ سنين بعمليات تهريب كان لأجهزة الأمن نصيب من أرباحها سواء كانت سلاح أو دخان
…. أو
لقد عمل حافظ الأسد على اضعاف كل مراكز القوة في سورية ومن ضمنها الجيش وقوى الأمن أو الفعليات الحزبية عبر شراء بعض الشخصيات أو قمع بعضها وداخل مؤسسات الدولة تجد الكثير من مراكز القوة ولكن ليس لها تأثير بشكل فردي وغير مسموح لها أن تعمل بشكل جماعي وهي مهددة دوما واذا ما شعر النظام بخطر من إحدى هذه المراكز فيكون الرد حاسم وسريع ويوجد أمثلة كثيرة في ذاكرة الشعب السوري محمود الزعبي الذي قتل نفسه بثلاث طلقات وغازي كنعان وعبد الحليم خدام ورياض سيف ومأمون الحمصي عضوي مجلس الشعب
حتى طالت آلية التفكير هذه الخاصة بالنظام الشارع السوري بقواه السياسية والعشائرية والدينية لقد شنت أجهزة الأمن في السويداء بين سبعينيات وثمانينات القرن الماضي حملة صادرت فيها الأسلحة القديمة التي حارب بها الثوار الفرنسيين وعادت قيادات الثورة حتى أبن القائد العام للثورة السورية الكبرى تم توقيفه عدة مرات بسبب آرآه السياسية
والسلفيين اللذين يتكلم عنهم النظام هو من جندهم وعمل على ايجادهم حينما طلبت ايران من النظام السوري الضغط على الأمريكين في العرق ومكتب بانياس الذي كان يستقبل المتطوعين كان موجود أمام أعين النظام وبهجت سليمان وعبد الحليم خدام وآصف شوكت كانوا المسؤوليين عن هذه العمليات أنا لم أسمع في سورية عن مهاجمة محل لبيع الكحول من قبل هذه الجماعات ماأريد أن أعلم به كيف دخلوا ولمن يعملون وكيف ادخلوا السلاح وهل هم مرأيين لأننا سوريون ولم نرهم أو نسمع بهم من قبل
النقطة الأخيرة بصدد موضوع الممانعة أي أن النظام السوري الممانع وإن هذه الثورة هي ضرب لأخر معاقل المقاومة بالبداية يجب الاعتراف وبشكل صريح أن النظام السوري هو افضل السيئين من باقي الأنظمة العربية هذا ما يستطيع أن يراه الكل على الملأ فهو النظام الداعم لحركات المقاومة الفلسطينية و حزب الله ولكن الحقيقة تختلف تماما فالنظام السوري لازال على قيد الحياة فقط لدعم الاسرائيلين له وليس لأنهم يحبونهم بل لأنهم يخافون من المجهول اذا ما تغير النظام السوري
وكل المشاكل التي احدثها النظام السوري عبر حلفائه الفلسطنين أو حزب الله هي رد على محاولات الأمريكين أو الأوربيين على احداث تغير داخل النظام وكلما ازداد الضغط على النظام السوري كان على حزب الله أو حماس الرد على الغرب عن طريقة اثارة مشاكل مع اسرائيل وهذا ما صرح به علانية ابن خال الرئيس رامي مخلوف فحرب تموز هي الرد على فرنسا عندما طلبت سحب الجيش السوري من لبنان ومحاصرة النظام السوري
لقد استخدم النظام السوري هذه الورقة التي تسمى ممانعة لتخوين كل الحركات الاحتجاجية وربطها بنظرية المؤامرة أما من باع الجولان في اروقة الكونكرس ولم يطلق رصاصة واحدة هناك رغم كل ما فعله الاسرائيليون هناك فهو ليس مقاوم كل المراقبين لصفقات الأسلحة العلنية والسرية الخاصة بسورية يجد أن النظام السوري لم يتزود بأسلحة حديثة أو تتناسب مع نظرية الممانعة بل يجد أن الجيش السوري غير قادر على الصمود في وجه اي معركة مرتقبة مع جيش العدو الاسرائيلي هذا الجيش الذي تستطيع أن تدفع فيه خمسة آلاف ليرة شهرياً لضابط وحدتك أو كتيبتك وتداوم في منزلك
الممانعة التي أوصلتنا إلى تسليم عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني وبيع لواء اسكندرون إلى تركيا بعد أن نشب الخلاف الذي يذكره الكل عندما هددت تركيا باشتياح دمشق في أربع وعشرين ساعة هل هذا بسمى في اللغة العربية ممانعة
في النهاية من يريد أن يمانع يدخل النفط السوري إلى الموازنة ولا يرسله الى البنوك الغربية ولا يجعل ميزانية رامي مخلوف أكبر بأربع وأربعين مرة من ميزانية الجيش في بلد يسميه بلد أشتراكي إلىكل المعزلين على النظام السوري أو اللذين لازالو غارقين بكذب هذا النظام نقول لهم في سورية لا يوجد سلفين ومن احتضن اللبنانين في حرب تموز هو الشعب السوري وليس العصابة الأسدية والممانعة التي ستلحق بالتغير الذي بدأ في مصر هي المعارضة الوطنية التي ليس لها أجندة خارجية بل لها مشاريع وطنية لبناء دولة مدنية حديثة تتسع لكل أطياف الشعب السوري وتحترم مواطنيها ولا ترسلهم للحدود عزل لكي يموتوا ويتفاخر بدمائهم الطاهرة المذيع البديع في التلفزيون السوري دماء الفلسطينين غالية علينا ودماء السوريين لن تباح دون محاسبة ومن لازال لديه شكوك أنها مشاريع خارجية فلقد رأينا هذه الأنظمة الهزيلة ولأكثر من اربعين عام ماذا فعلت بمستقبل امتنا العربية
وهنا نقول نحن نريد فقط اسقاط النظام
تامر العوام