صفحات المستقبل

البوصلة “الزائغة” من حمص الى عرسال


عمر حرقوص

وصل المراقبون العرب إلى المدن السورية.. دخلوا مدينة حماه فاستقبلتهم بتظاهرة كبيرة جداً، ذهب وفد منهم باتجاه حمص فتفاجأ بالعدد الكبير للمتظاهرين الذين استقبلوه كأنهم يلاقون صديقاً عزيزاً غاب منذ قرون. كانت المدينة مقسومة بين شوارع فيها تظاهرات وأخرى فيها اطلاق نار.

الشبان السوريون المشاركون في الانتفاضة، حاولوا تنبيه وفد المراقبين العرب إلى حال شوارعهم والى المناطق التي منعوا الوصول إليها، وفي الوقت نفسه حاولوا تنبيههم من أن يغير “النظام” خريطة البلد ويأخذهم بعيداً عن حمص. كتب الصحافي السوري مسعود عكو على صفته “الفايسبوكية” “إلى وفد الجامعة العربية ولأن النظام السوري خبيث بلكي ياخدكن لمكان تاني غير حمص: حمص يمر فيها نهر العاصي وفيها ساعة معروفة، القديمة والجديدة ولا تنسوا جامع خالد بن الوليد وناعورة حمص الحديدية وقلعة الحصن وشارع الدبلان والسوق المسقوف ولا تنسوا حلاوة الجبن الشهيرة. بلكي أخدوكن على القرداحة وقالوا هاي حمص؟؟!”.

موقف مسعود هو جزء من التعليقات الساخرة للشبان السوريين على “الرعب” الذي عاشه النظام جراء وصول “المراقبين” إلى حمص، وغيرها من المدن السورية، هم يدركون أن هذه الخطوة ليست بكافية لتغيير الظروف ومنع “الشبيحة” من اطلاق النار عليهم، لأن المراقبين يمرون في المدن والبلدات كالراحل في البيداء، يقتله العطش ليصل إلى واحة أخرى، ولذلك اتكال الشبان أن يكون الوقت القليل الذي يحصلون عليه من زيارات “الوفد” هو لاظهار حجم التظاهرات السلمية.. فيما ينتظر النظام خروج “المراقبين” ليبدأ اطلاق النار على المتظاهرين واعتقال ما أمكن منهم كما حصل في حماه وريف دمشق.

لعبة كرّ وفرّ تجد السخرية لدى المتظاهرين رغم الموت والقذائف المدفعية التي تطلقها الدبابات، ولكنها سخرية يرافقها الموت الذي يطال الأطفال والنساء والرجال كأنه قدر تعيشه سوريا بانتظار التغيير الذي سيتأخر ولكنه بالتأكيد لن يتأخر عن القدوم.

إلى جانب سوريا، هناك بلدة لبنانية صغيرة نسبة لهذا العالم الكبير، تدعى عرسال، أهلها يعيشون بقوت يومهم، يقاومون الاحتلال الاسرائيلي في ثمانينات القرن الماضي، ويسقط منهم الشهداء في جنوب لبنان مع الأحزاب العلمانية من “قلعة أرنون” إلى شبعا والنبطية و”أبو قمحة” وغيرها من المناطق، بلدة تاريخها الطويل معروف بالانتماء إلى لبنان رغم المسافة البعيدة التي عاشوها بعيدا عن الوطن، هذه البلدة تعيش اليوم على حدود النار والقهر ورصاص “شبيحة” النظام السوري.

في عرسال والمزارع المحيطة بها، يعشش البرد والثلج، ويسكن بين ثنايا هذين العاملين الطبيعيين عائلات هربت من القتل والقمع في سوريا، يعيشون في ظروف صعبة جداً، يستقبلهم أهالي عرسال بنخوتهم المعروفة عبر التاريخ، يفتحون بيوتهم للناس ويقدمون لهم ما يستطيعون، ينقلون الجرحى الذين لا توجد مستشفى لإيوائهم، ويحملونهم لساعات في الجرد قبل أن يصلوا بهم إلى مستشفى في عكار.

أهالي بلدة عرسال “المقاومة” لم يجدوا في الرصاص الذي يطلق عليهم من الجيش السوري إلا صمتاً من حكومة غارقة بصناعة الأفلام “البوليوودية” بين وزير عمل يمثل دور الفقير ووزراء آخرين يمثلون دور الجَشع، فيما الشعب يمثل بالنسبة إليهم نموذج الفتاة الهندية التي تغني وتغني وتغني، حتى يبح صوتها، فينتهي الفيلم وحال الشعب كما هي لا تغيير ولا تعديل. وعرسال وضعها أسوأ من وضع الناس هنا في هذا البلد، فهي “المتهمة” حيناً من وزير دفاع البلد بشكل يكاد يعيد البلدة إلى قرون غابرة، فيما تاريخ أبنائها الممتد من الناقورة إلى صور وبنت جبيل والنبطية وكفرشوبا وغيرها من خلال “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” يكاد لا ينفع في التذكير إن نفعت الذكرى.

حالنا في هذه البلاد هو حال الانتظار، يأتي المراقبون العرب، فيفرح أهل حمص ويتظاهرون بعشرات الآلاف، يختفي المراقبون فيهطل الرصاص والقصف على “بابا عمرو” و”الخالدية” و”باب سباع” وغيرها من أحياء حمص كتأديب لا مجال للهرب منه.

ينتظر أهالي عرسال أن يأتيهم دعم الدولة اللبنانية لانقاذ العائلات السورية التي فرت إلى لبنان طلباً للأمن، فيأتيهم الرد باتهامهم بالانتماء إلى القاعدة وأخواتها. إذاً، يبقى الانتظار سيد الموقف من اليوم وحتى يغيّر الناس بأيديهم أمرهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى