صفحات العالم

هدية غربية لروسيا


ساطع نور الدين

في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده الرئيس الاميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في واشنطن قبل ثلاثة ايام، جزم الرجلان في أنهما ليسا في مسار تصادمي مع روسيا حول الأزمة السورية، وردّدا أكثر من مرة، جواباً على أسئلة الصحافيين، أنهما لا يسعيان الى تحقيق مكاسب استراتيجية من تلك الأزمة على حساب موسكو.

كانت ترجمة هذا الموقف الاميركي البريطاني الموحد في تأجيل طرح مشروع قرار على مجلس الأمن الدولي يدعو إلى الشروع في عملية تغيير النظام السوري، ويفسح المجال للمبعوث الدولي والعربي كوفي أنان بأن يختبر فرصة التوسط من أجل انهاء العنف وإطلاق عملية سياسية تنهي الأزمة، او على الاقل تحتوي تداعياتها الخطيرة.

لكن المغزى الفعلي لهذا الموقف الاميركي البريطاني الذي يبدو أنه يحظى بإجماع غربي، وباعتراض او تحفظ عربي واضح، هو التسليم بمرجعية روسيا في سوريا ودعوة الكرملين الى التحرك من أجل ابتداع الحل الذي يراه مناسباً، سواء كان بتغيير نظام الرئيس بشار الاسد ام بتغيير سلوكه، من خلال عملية انتقال سلمية غير محكومة حتى الآن بأي شروط مسبقة او بأي مهل زمنية.

خلاصة الموقف الغربي هو حثّ روسيا على انهاء الأزمة السورية مع الاحتفاظ بسوريا كموقع حليف وشريك يصحّ القول إنه الموقع الاخير بالنسبة الى الكرملين في العالمين العربي والاسلامي وفي البحر الابيض المتوسط.. وهو لم ولن يشكل في تلك الحالة اي تهديد جدي، لأي من حلفاء الغرب سواء اسرائيل ام تركيا ام العراق ام حتى لبنان على تواضع وهشاشة حجمه ودوره في هذا السياق الاقليمي.

الأمر لا يمثل تنازلات غربية او هدية أميركية الى روسيا. فالاميركيون الذين يتركون دولة مهمة وغنية مثل العراق ولا يكترثون لدولة لا تقل اهمية مثل مصر او حتى ليبيا او سواها.. لا يرون في سوريا، لا سيما في حالتها الراهنة، هدفاً جذاباً او غنيمة مغرية، وقد وجهوا اكثر من إشارة، آخرها في مؤتمر تونس لأصدقاء سوريا، الى انهم غير مهتمين وغير معنيين بأي دور جدي عسكري او سياسي في الأزمة السورية.

كرة النار السورية هي في ملعب روسيا، التي يبدو أنها صارت أكثر حيرة وتردداً، فهي تارة مع الاسد وتارة مع النظام من دونه وتارة مع سوريا من دون الاثنين، لاسيما بعدما أدركت ان الغرب لا يريد خوض «حرب باردة مصغرة»، ولا يريد المساومة على تلك الكرة الملتهبة.. ولعلها تشتبه في أن ثمة كميناً غربياً، او اشتباكاً اقتصادياً وسياسياً مع دول الخليج العربي، يمكن ان يفيد الاقتصاد الغربي أكثر بكثير من الصراع على بلد يفقد قيمته الاستراتيجية يوماً بعد يوم.

انه دور روسيا الآن أن تتقدم بمبادرتها الخاصة التي تعوّض الفشل الحتمي لمهمة أنان.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى