الحرب في سوريا إلى الحرب عليها
عبد الاله بلقزيز
لم تعد المعركة، في سوريا اليوم، معركة بقاء نظام سياسي حاكم أو زواله، ومعركة انتصار المعارضات المسلحة – الداخلية والوافدة من خارج – أو هزيمتها، إنما هي أصبحت معركة بقاء دولة ووطن وشعب موحّد . وهي معركة لا يخوضها السوريون، فحسب، ضد وطنهم وشعبه ودولته، وإنما يخوضها أجانب وينفق عليها كثيرون من العالم والإقليم . ومن هؤلاء من يخوضها لتدمير سوريا، أو تقسيمها، أو إضعاف جيشها وقدارتها خدمة للكيان الصهيوني . ومنهم من يخوضها لإيصال حلفائه المقاتلين إلى السلطة ليكون له – من خلالهم – شأن في الإقليم وسياساته . ومنهم من يخوضها من باب النكاية والكيد ليعاقب نظاماً يخاصمه . وهؤلاء جميعاً، ولكنْ على تفاوت، لا يحسبون العواقب جيداً، ولا يفكرون في الذي ستصير إليه الأوضاع في المنطقة بعد خراب بلاد الشام، وهم جميعاً يملكون تفجير الأوضاع، لكنهم لن يملكوا – قطعاً – التحكم في نتائجها ومآلاتها .
من يتحدث عن “معركة ديمقراطية” في سوريا، يضحك على نفسه، لا على الناس! فما من أحد يصدق أن ديمقراطية ما، في الكرة الأرضية، يمكن أن تأخذ شكل حرب تدمير الدولة والاقتصاد والمقدرات، وتحصد أرواح عشرات الآلاف من المواطنين، وتعود بالبلد إلى ما قبل الدولة الحديثة، وتمزّق النسيج الاجتماعي والوطني فتطلق العصبيات الطائفية والمذهبية من كل قيد وعقال، وترمي بملايين الأطفال خارج المدارس، وبملايين الناس خارج بيوتهم: نازحين أو لاجئين . إذا كان هذا ثمن “الديمقراطية” التي يريدون لسوريا، مثلما أرادوها للعراق وليبيا، فلا أحد مستعد لأن يدفع هذا الثمن الوحشي القذر، وسيوجد من الناس من يقول حينها: ألف رحمة على الاستبداد، فهذا، على سوئه، يضمن للناس أمنهم وحياتهم، والحق في الحياة أقدس حقوق الإنسان جميعاً .
وما من أحد يصدّق أن “جيش الديمقراطية” المسلح والمقاتل، الذي “يجاهد” في سبيلها، تَعلم حرفاً من أبجديتها، إذ كيف لمن يريد إقامة “إمارة إسلامية” – على مثال إمارة طالبان – ولمن يريد أن يستنسخ نموذج “الديمقراطية” الإخوانية في مصر وتونس، وقبلهما غزة، أن يكون جيشاً للديمقراطية، أو أن يحمل مشروعاً سياسياً للبناء الديمقراطي؟ كيف يمكن لفكرة “الفرقة الناجية” أن تتعايش في رأس إنسان مع منظومة قيم سياسية مثل الحريات والحقوق والتعددية والاختلاف؟! كيف يكون ديمقراطياً من يعتبر المعارضة مروقاً وخروجاً على الجماعة؟ ثم أية “ديمقراطية” هذه التي يكون “البلطجية” والمرتزقة أبطالَها وفرسانَها وصُنّاعَها؟
على المرء أن يكون على قدر محترم من الغباء حتى يصدّق أُزْعَومَة “الديمقراطية” هذه، التي يقترحونها على سوريا بالدم والحديد والنار . عليه أن يحتقر نفسه وعقله وآدميته حتى يقبل أن يكون في جملة المدافعين عن هذه الجريمة، أما أن يكون لهذه “الديمقراطية” السورية مؤيدون يعقدون لها مؤتمرات الدعم والمساندة، فتلك لعبة الدول التي تحكمها المصالح لا المبادئ، والتي يقوم فيها الضغط والابتزاز، من الكبار على الصغار، مقام الإقناع والتفاهم . وإذا كان للدول أن تسلك مثل هذا السبيل، لأن ذلك من أخلاق السياسة الدولية في هذا العصر، فليس يحق للمثقفين والإعلاميين والحزبيين أن يخطئوا في المبادئ، وأن ينساقوا إلى ترديد تَفاهات وتُرهات: إمّا عن خطأ في التقدير، وإمّا لمصلحة صغيرة فالخطأ فيها خطيئة، لأنه خطأ في حق الأوطان والشعوب .
ومن المسلّم به أن الحرب لم تعد – منذ زمن – حرباً في سوريا، وإنما أضحت حرباً على سوريا، يهندسها ويقودها تحالف دولي وإقليمي أخطبوطي، ويُسخّر لها المال والحدود المفتوحة التي يتدفق منها السلام والمسلحون، والدعم اللوجيستي اليومي من أنحاء المحيط الجغرافي بسوريا كافة . ومن المسلمّ به أن جيش هذه الحرب متنوع الجنسيات، بعد أن سمّوا بلاد الشام “دار جهاد”، وأن جحافل المقاتلين المُستورَدين من خارج، أكثر فتكاً بالبلاد والعباد من مقاتلي الداخل، ولكن ذلك لا يُعفي السوريين من مسؤوليتهم عن تدمير بلادهم، وتذبيح شعبهم، من أجل سلطة لن تكون لهم، ومن أجل مستقبل سيقرره لهم غيرُهم، فمن لا يملك قراره الوطنيّ المستقلّ، لا يملك أن يصنع مصيره بمشيئته .
أما الذين يوقدون، من الإقليم، النارَ لهذه الحرب، ويسخّرون لها المال والإعلام، ويلمّعون صورة المقاتلين، فيخطئون كثيراً إن اعتقدوا أن الفوضى والإرهاب سيظلان محصورين في نطاق سوريا لا يبرحانها، فلقد أطلقوا، هم، العفريت من قمقمه، وليس يسعهم أن يعيدوه من حيث جيء به .
الحليج