‘الحرية’.. عنما يستلب الديكتاتور انسانية انصاره
احمد العجيلي
‘هي هي الحرية اللي بدكن ياها’، أصبحت هذه المقولة مثار سخرية بين معظم السوريين المؤيدين للنظام أو المناهضين له على حدٍّ سواء. إذ إنه ومع انطلاقة الثورة السورية، وانتشار فيديوهات التعذيب والاعتقال التي مارستها القوى الأمنية بحقّ المعارضين، وترافق عمليات التعذيب مع سيل من السباب والشتائم، كانت تلك المقولة تثير نوعاً من الشماتة المشوبة بالسخرية في نفوس مؤيدي النظام، في حين أنها كانت تمثل نوعاً من التحدي ومصدراً من مصادر الأمل والتصميم على متابعة النضال في نفوس المعارضين ومناهضي النظام.
غير أنّ اللافت في هذه المعادلة التي عملت على فرز السوريين بين معارضٍ ومؤيدٍ للنظام، هو ما تنطوي عليه هذه الجملة من دلالات تشير بصورة أو بأخرى إلى هول المصيبة التي نزلت بهذا الشعب منذ ما ينوف عن أربعة عقود.
هل من المعقول أن يغيب معنى كلمة ‘الحرية’ عن أذهان السوريين طوال تلك السنين؟ وهل يمكن لهذه الكلمة أن تفقد مدلولها الحقيقي عند أنصار النظام ومؤيديه؟ وهل استطاع النظام البعثي الاستبدادي القائم على القهر والقمع أن يُلغي هذه المفردة من قاموس السوريين على مدى تلك العقود؟
مما لاشكّ فيه أنّ استهجان مؤيدي النظام وشبيحته لطلب الشعب حريته، واستخدامهم لهذه المفردة كنوعٍ من السخرية، والاستهزاء من المعارضين ومطالبهم، يدلّ من جهة على جهلهم بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة، وهو ما يفسّر تماديهم في الاعتقال والقتل والتنكيل، ومن جهة ثانية يشير إلى مدى قدرة النظام على تطويع هذه الفئة من الشعب، واستلاب عقولهم، الأمر الذي ينذر بخطر عظيم داخل المجتمع السوري. فالأمر تجاوز الوقوف على معاني هذه الكلمة والاختلاف في تفسيرها ومعرفة مدلولاتها. فالنظام من خلال قمعه واستبداده لم ينجح في قتل معاني الوطنية والانتماء إلى الوطن والتضحية في سبيله فحسب، بل استطاع إلغاء إنسانية الإنسان في نفوس شبيحته ومرتزقته على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والدينية والمذهبية.
من هنا يأتي خطر جهل هذه الفئة من السوريين معنى كلمة ‘الحرية’، فالأمر لا يتوقف عند تفسير لغوي معين، أو اتخاذ موقف سياسي تبعاً لذلك التفسير، بقدر ما يدل هذا الجهل على موت الروح الوطنية والانتماء إلى الإنسانية في نفوس أولئك الساخرين المستهزئين بها.
فمن يقتل طفلاً يتوسل إليه ويبكي بين يديه بينما هو يُشهر مديته في وجه هذا الطفل كي يحزّ رقبته، هو قطعاً لا ينتمي إلى جنس البشر، وحتى الوحوش الأكثر شراسة وضراوة لا تقتل بهذه الطريقة الإجرامية التي يندى لها جبين الإنسانية، ومن يهدم الرؤوس فوق ساكنيها من نساء وأطفال وشيوخ هو قطعاً يجهل معنى الحرية ويحاربها بسبب جهله بمعانيها بالدرجة الأولى، وتبنيه فكرة معبوده الجلاّد الذي جعل منها مثار استهجانٍ وسخريةٍ بين مؤيديه من جهة ثانية، هذا الجلّاد الذي جعل من أتباعه قطيعاً من الذئاب التي تنهش لحوم السوريين بكلّ وحشية، ودون أدنى رادع أخلاقي أو إنساني.
وبناءً على ذلك، فإنّ أهمية الثورة السورية تأتي من خلال إصرارها على تصويب كثير من الأخطاء في التعاطي مع مفاهيم أساسية وعامة من قبيل: الحرية، الخير، العبودية، الشر…
وسعيها إلى تأسيس مفاهيم تمثّل حلماً طالما حلم به السوريون من قبيل: الديمقراطية، العدالة، المساواة، دولة القانون.
‘ كاتب سوري
القدس العربي