الحرية لسلامه كيله
ناهض حتر
سلامه كيله أردني من بير زيت, لكنه, كما عرفناه دائما, سوري الهوى والوجدان والإهتمام, قضى في سجون النظام السوري سنوات طوالاً بلا مسوّغ. فلا يوجد مسوّغ إطلاقا لاعتقال مثقف ومعاقبته على آرائه وكتاباته. ولكنها أسوأ ظاهرة عرفتها سورية. وهي ظاهرة سجناء الرأي. وحين اقترحنا عليه, بعد خروجه من السجن,الإقامة في عمان, قال إن أي قوة لا تستطيع منعه كعروبي يساري من الإقامة في عاصمة الأمويين, ولو كانت تلك الإقامة في زنزانة.
سلامه كيله معارض للنظام السوري, لكنه معارض, بقدر أكبر, لمجلس اسطنبول وللتدخل الخارجي في سورية وللعنف, سواء أتى من طرف النظام أم من طرف المعارضة. كيله معارض وطني يساري لا يملك سوى كلماته, ولم ينخرط في مجموعة مسلحة ولا تستضيفه قناة “الجزيرة” ليغطي الأكاذيب عن الوضع السوري.
خضتُ مع سلامه كيله, في الصحافة اللبنانية, حوارا ساخنا وحادا حول سورية. لكن الجريدة والكتاب والندوة هي الأمكنة المقبولة للصراع الفكري. وقد إنبريتُ لذلك الصراع بدوافع فكرية وانطلاقا من رؤى سياسية, وليس بطلب من جهة ما, ولا تسديدا لفواتير ما. ولذلك, فإنني أجد من واجبي أن أدين بشدّة إعتقال مواطني وصديقي سلامه كيله من قبل الأجهزة الأمنية السورية, وأطالب بإطلاق سراحه من دون تأخير. إن دفاعنا عن سورية, وحقها في التطور الديموقراطي الداخلي السلمي بالحوار وبعيدا عن التدخلات الإمبريالية والرجعية واستخدام العنف والسلاح, لا ينصرف إلى تأييد أعمى للنظام السوري, بل يستند إلى ما هو معلن من إصلاحات سياسية وتوجهات نحو التغيير, وخصوصا وقف ظاهرة سجناء الرأي كليا ونهائيا.
لن تخرج سورية من أزمتها الراهنة وسط تكالب الإمبرياليين والرجعيين عليها, إلا بتحالف وطني تقدمي يضمّ كل القوى والشخصيات القومية واليسارية والديموقراطية, على أساس برنامج من بندين : الحجر على حرية البزنس النيوليبرالي والفساد وإطلاق حرية العمل السياسي والفكري والحزبي للقوى الوطنية. والقوى الوطنية ليست تلك التي تؤيد النظام القائم, ولكن التي تنبذ الأجندات الخارجية المعادية للوطن, وتحرص على وحدته وسلامته وازدهاره.
وبهذا المعنى, فإن سلامه كيله مثقف وطني سواء كنّا متفقين معه أم لا, وسواء اكان يؤمن بإمكانية إصلاح النظام السوري أم لا.
للتوضيح, نحن نقف مع سورية الوطن الأم, بلد العروبة والمدنية والقطاع العام والمقاومة, وندافع عن سورية في وجه الإرهاب والظلام, بل ونؤيد الإجراءات الأمنية ضد المسلحين, ولكن ليس ضد المدنيين والمثقفين بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية والسياسية.
اعتقال مثقف مسالم مثل سلامه كيله مرفوض بحد ذاته, ومرفوض كمؤشرعلى أن النظام السوري – أو جناح داخله – لا يزال عاجزا عن التعايش مع الرأي الآخر. وهو ما يحبطنا بشدّة, نحن الذين نريد لسورية أن تخرج من الأزمة… لا لكي تعود إلى الماضي, بل لتبني نموذجا جديدا من إقتران الوطنية بالديموقراطية والمدنية بالحريات والمقاومة بالتنمية والتقدم الاجتماعي.
العرب اليوم