الحساسية السورية إذ تُطارد ”حزب الله“/ مهند الحاج علي
بعد مضي خمس سنوات تقريباً على دخول حزب الله ساحة المعركة السورية، ومع اقتراب المواجهات من نهاياتها، تتسرب أنباء عن قلق في حارة حريك حيال ”المكتسبات“ الطويلة الأمد في دمشق. بيد أن الحزب، ونظراً لوجود جوانب دموية لتاريخ علاقاته مع النظام، لم يترك باباً لديمومة النفوذ إلا وطرقه، من بناء قواعد ومراكز عسكرية وأمنية، إلى تشكيل قوى مسلحة ومؤسسات خمينية. لكن هناك شعوراً بأن هذا النفوذ ليس بالثبات والاستقرار المطلوبين.
صحيح أن العلاقة الشخصية بين رأس النظام بشار الأسد والأمين العام للحزب حسن نصر الله ازدادت متانة، سيما مع انضمام الأخير لمسار الحرب وتغييرها. لكن العلاقة مع القيادات العسكرية والأمنية السورية ليست بالثبات أو الاستقرار ذاته، وهذا ما يُثير بعض القلق على المدى البعيد، أي في حال تلاشي اعتماد دمشق على الحزب كقوة قتالية في الميدان.
بيد أن العلاقة بين الطرفين كانت بعيدة كل البعد عن الندية منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى الانسحاب السوري عام 2005. خلال هذه الفترة، كان الحزب خاضعاً للإرادة السورية، وهذا الخضوع تطلب أحياناً تهذيباً دموياً في مجزرة فتح الله عام 1987، وأيضاً في مجزرة أيلول عام 1993. ولطالما وضع النظام قيوداً على النشاط الشيعي الخميني في دمشق، خففها الرئيس الابن من دون أن يرفعها بالكامل. حتى بعد الانسحاب السوري من لبنان، كان النظام شريكاً للحزب في النفوذ السياسي اللبناني، وليس العكس. تولى الحزب قيادة المواجهة مع أعداء النظام السوري في لبنان، لكن دون أن يعني ذلك تلاشي نفوذ النظام ودوره بالكامل. هذه الفوقية السورية في الملف اللبناني تمأسست لعقود في ظل الرئيسين الأب والإبن على حد سواء، ومن الصعب أن تتلاشى بسرعة.
بعد إنخراط الحزب في الحرب السورية، برزت حساسيات عديدة بين الجانبين، تطور بعضها الى اشتباكات. ترافق شعور الحزب بالثقة عسكرياً، مع احتقار لقيادات الجيش السوري كونها فشلت ميدانياً وتُعاني من ترهل وفساد وتسرب إلى الطرف الآخر. كانت تتسرب أخبار دائماً عن فساد الضباط السوريين وجرائمهم، وعدم وجود كفاءة قتالية مطلوبة لتحقيق تقدم. بات الجيش السوري عبئاً على الواقع الميداني، باستثناءات قليلة، بحسب هذه التقارير.
والمثير للاهتمام بأن هذه الحساسيات تضاعفت مع الحوادث والتصريحات العنصرية ضد السوريين في لبنان. كلما تزايد منسوب هذه الحساسية، شعر الحزب بها على الأرض في اطار تنسيقه مع الجانب السوري.
وربما هذه هي القضية الوحيدة التي تضع النظام مع المعارضة في خندق واحد، إذ أن الأول ورغم احترافه وتخصصه في قمع السوريين وإذلالهم، يرى هذه المهمة ”وطنية“ وسيادية، ولا يرغب في شريك خارجي فيها، سوى بما يتعلق بالجانب العسكري طبعاً. بعد وقوع اعتداءات على مواطنين سوريين في لبنان قبل شهور، سارعت السفارة السورية في بيروت الى ادانتها في بيان لافت، وبخاصة أنها تفاعلت في الداخل السوري الموالي كما المعارض أيضاً.
والحقيقة أن ”حزب الله“ لم يستثمر بالجيش السوري بقدر عمله على بناء قوة قتالية من الأقلية الشيعية الصغيرة (وربما الأصغر بين الأقليات) في سوريا. فالارتباط التاريخي للجيش السوري، ثقافة وتدريباً، بموسكو، تضاعف في ظل التدخل الروسي، ولم يضعف. وهو ما وازن النفوذ الايراني، وأدى بالتالي الى انحسار أثر الحزب على المؤسسة الأمنية والعسكرية. لذا آثر الحزب وخلفه ايران، العمل على بناء مؤسسات دينية وثقافية واجتماعية وعسكرية تتولى عسكرة شيعة سوريا. حتى هنا، مثّلت الحساسية السورية-اللبنانية عقبة بارزة. كما أن أعداد المقاتلين وقدراتهم اللوجستية لم تكن مقنعة بالقدر الكافي لتمثيل حالة مستقلة عن النظام السوري.
واللافت أو الجديد هنا، أن مؤشرات بدأت تظهر أخيراً على الجانب السوري حيال مستقبل هذه القوى الشيعية السورية. بمجرد شعوره بابتعاد خطر الانهيار، شرع النظام بإجراءات حيال الميليشيات وبينها الشيعية. أولاً، وبموجب قرار رئاسي، لم يعد بإمكان هؤلاء الظهور علناً وبسلاحهم داخل العاصمة السورية. وثانياً، بدأت محاولة الاحتواء للميليشيات الايرانية، بحيث تكون مثل تلك السورية، خاضعة لقيادة الجيش والاستخبارات.
لذا، وبحسب بعض المصادر، فإن قرار نقل تسديد رواتب هؤلاء المقاتلين إلى وزارة الدفاع السورية، يشي برفض لنفوذ إيراني مستقل، وبرغبة في استعادة الندّية بالحد الأدنى في العلاقات المستقبلية.
ولربما أسعفت النظام السوري خبرته اللبنانية، سيما واقع أن القرار السيادي بالحرب والسلم والعلاقات الخارجية، يتبخر حال السماح للإيرانيين ببناء نفوذهم المستقل. باتت التجربة اللبنانية درساً مهماً ومتواصلاً في اهتراء السيادة.
المدن