الحسم في بيروت
ساطع نور الدين
الازمة السورية تقترب من لحظتهاالحاسمة، والمسألة اللبنانية تدنو من ساعتها الحرجة. معادلة بسيطة، هي من فرط تكرارها من البديهيات التي لا يختلف عليها اثنان من اللبنانيين مهما كان انتماؤهما، ويسيران نحوها بلا تردد او خوف، بل بحماسة شديدة قل نظيرها في التاريخ اللبناني الذي لم يكتب يوما إلا بالدم.
لكن يغيب عن بال الجميع ان تلك الحماسة لن تكون العامل المؤثر في تحديد موعد تلك الساعة. هذه المرة يمكن ان يكون الدافع الخارجي مؤثرا اكثر مما كان في اي وقت مضى، وبناء على حساب بسيط أيضاً، هو ان معركة الدفاع عن النظام السوري او إطاحته لا بد ان تحسم اولا في بيروت قبل ان تحسم في دمشق.
وهذا قرار وليس مجرد خيار، مصدره الخارج العربي والاقليمي والدولي الذي يدرك اكثر من اي لبناني ان النظام السوري الذي جمع على مدى العقود الأربعة الماضية الكثير من اوراق المناعة والممانعة، كان ولا يزال يعتبر ان لبنان هو ورقته الأهم والأقوى بلا منازع. وهو تقدير يحظى بالإجماع في مختلف العواصم المعنية بالأزمة السورية، سواء التي تكنّ بعض الود للبنان او تتعاطف مع وضعه الصعب، وهي كانت ولا تزال تمثل قلة، او تلك التي تزدريه او لا تعيره اي اهتمام وهي الكثرة الغالبة، التي تعتبره مختبرا للازمة السورية الاكثر اهمية والأشد خطورة من جميع الأزمات والحروب والنزاعات التي شهدها لبنان.
صحيح ان اللبنانيين ذاهبون بوعي وتصميم نحو الانخراط في الازمة السورية وتفاصيلها الأمنية، لكن الأصح الآن هو ان ثمة قرارا عربيا ودوليا ضمنيا بأن يبدأ الحسم على الجبهة اللبنانية، التي يمكن ان تحدد وحدها مصير النظام في سوريا. فهي الجبهة الاكثر فعالية من المنطقة الأمنية التي يتردد ان تركيا تنوي إقامتها على حدودها مع سوريا، وهي الجبهة الأشد تأثيرا من عمليات التسلل او التهريب التي تشهدها بقية الحدود السورية مع العراق والأردن، وهي الجبهة المتصلة بالصراع مع العدو الاسرائيلي، وبالحوار مع الغرب.
قرار فتح الجبهة اللبنانية الاكثر اهمية والأقل كلفة من اي جبهة اخرى، لن يكون قرار سوريا وحدها او اسرائيل او ايران او تركيا او اوروبا او اميركا، الأرجح انه سيكون قرارا يتخذ بالإجماع وينفذ بالإجماع أيضاً. وليس من قبيل الصدفة أبدا ان تكون تلك الجبهة هي الاقرب الى مناطق المواجهة الأعنف بين النظام السوري وبين معارضيه، وهي الأبعد عن مراكز الصراع الخارجي على سوريا الذي انفجر دفعة واحدة الاسبوع الماضي وبات يتطلب تفجيرا أوسع وأكبر مما يجري في داخل سوريا.
الأدوات اللبنانية جاهزة ومستعدة لتنفيذ الأدوار المطلوبة من اجل حسم الأزمة السورية التي تستعصي على الحلول السياسية.. من دون التسبب بحرب او نزاع اقليمي على ما جرت العادة في لبنان الذي كانت وظيفته ولا تزال ان يوفر بديلا للحرائق الإقليمية المحظورة، ومن دون التنكر لحقيقة ثابتة وهي ان وحدة المسار والمصير بين بيروت ودمشق، ليست مصطنعة.
السفير