صفحات العالم

“الحل السياسي”… بين “الأصدقاء” و “الأعداء”/ محمد مشموشي

 

 

لا يقول «أصدقاء الشعب السوري»، ومعهم روسيا والصين وإيران أيضاً على عداوتها المعلنة له، إلا أن الحل السياسي هو الخيار الوحيد الممكن، واللازم بالضرورة، لوضع حد للحرب التدميرية المستمرة في سورية منذ أكثر من ثلاثة أعوام. مع ذلك، فلا يفعل «الأصدقاء» شيئاً جدياً، ولا يبدو أنهم سيفعلون، لتحقيق ما يقولون إنه الخيار الوحيد، بينما لا يترك الروس والصينيون والإيرانيون وسيلة لمواصلة الحرب وحتى لتصعيدها إلا ولجأوا إليها.

المبادرة اليتيمة في اتجاه هذا الحل، كانت بيان «جنيف – 1»، ثم مؤتمر «جنيف – 2» اللذين قتلهما النظام منذ اليوم الأول، بادعاء الموافقة عليهما في البداية، لكن بوضع عبوات ناسفة في طريقهما لدى البحث بتحويلهما إلى واقع. وفي ما بينهما، ثم بعد استقالة المبعوث الأممي – العربي الأخضر الإبراهيمي نتيجة فشله وفشلهما، لم يحرك هؤلاء أو أولئك ساكناً، لا لمحاولة إنقاذ الحل من الموت النهائي، ولا للبحث بإيجاد مبادرة جديدة تؤدي في النهاية إلى وضع حد للحرب المجنونة.

وعملياً، فبذريعة الحل السياسي هذا، فضلاً عما يقوله «الأصدقاء» عن خشيتهم من سقوط أية أسلحة نوعية تطلبها المعارضة للرد على حرب النظام في أيدي تنظيمات متطرفة أو إرهابية، يتم منع مثل هذه الأسلحة عن المعارضة من جهة، فيما تبقى أجواء سورية والعراق مفتوحة لكل أنواعها تتدفق على ترسانات النظام الضخمة أصلاً، من روسيا وإيران وكوريا الشمالية من جهة ثانية. بالتوازي، تقوم روسيا والصين بتغطية حرب النظام سياسياً عبر استخدامهما حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ثلاث مرات حتى الآن، في الوقت الذي تشترك إيران مباشرة فيها سواء بخبرائها ومقاتليها، أو بميليشياتها العراقية واللبنانية واليمنية والأفغانية.

هكذا، تتشكل صورة الحرب السورية الآن: كلام على الحل السياسي الموهوم في جانب، وعمل دائم على تسعير الحرب (200 ألف قتيل وعشرة ملايين نازح ومشرد وتدمير بنية سورية التحتية والفوقية حتى الآن) في جانب آخر. ليس ذلك فقط، بل تعمد إجراء انتخابات رئاسية لا يملك أن يشترك فيها إلا أقل من نصف عدد السكان، تنكراً لنص صريح في جنيف الأول والثاني يتحدث عن «هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات كاملة» تخلف نظام الأسد! هي «أحجية» عصية على الفهم، لكنها الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أو تجاهلها. وقد قيل وكتب الكثير عنها من نوع أنها مؤامرة مشتركة ضد سورية بهدف ضربها وربما حتى تفكيكها. أو أنها «لعبة الأمم» التي زج النظام، لأهدافه الخاصة (البقاء في السلطة)، سورية فيها وحوّلها بذلك إلى مجرد أداة في أيدي اللاعبين، أو أنها، إلى جانب ما وصف بـ «الربيع العربي» والملف النووي الإيراني وقضية أوكرانيا أخيراً، صورة من صور الحرب الباردة الجديدة في العالم. أو أنها تجسيد لولادة «إمبراطور» جديد في روسيا (فلاديمير بوتين) في مقابل مرض آخر وشيخوخته (باراك أوباما) في الولايات المتحدة، أو… أو… لكن الأسئلة تبقى أبعد من ذلك، بل أكبر من كل ما قيل وكتب في هذا المجال:

= ماذا عن ذبح شعب كامل بيد حاكمه (أحكمكم وأقتلكم، وليس أحكمكم أو أقتلكم؟ كما كانت الحال مع معمر القذافي في ليبيا)؟ وأين يقف ما يسمى «المجتمع الدولي» من هذا الذي يتم في العلن وعلى رؤوس الأشهاد في سورية؟ وماذا تحديداً عما يقال عن «الحل السياسي» الذي يفترض أن ينهي حرب هذا الحاكم ضد بلده وشعبه؟ وماذا أخيراً عن الذين يصفون أنفسهم بـ «أصدقاء الشعب السوري» ولا يفعلون إلا أنهم يرسلون برقيات تعزية بقتلاه، وضمادات لجرحاه، وبعض الطعام والملابس لمهجريه في الداخل وعلى الحدود… حتى لا ننسى الكثير من الكلام عن وحدة كيانه أرضاً وشعباً ومؤسسات، واستقلال دولته، وحرية وكرامة البشر فيه.

وتأسيساً على هذه الأسئلة، تطرح علامات استفهام (هي في الواقع علامات تعجب) على الشكل الآتي:

= إذا كان أحد هؤلاء «الأصدقاء»، الرئيس الأميركي باراك أوباما تحديداً، لا يريد التورط في حرب أخرى خارج بلاده بعد العراق وأفغانستان، ألا يمكنه أن يتورط في عملية سياسية (في سورية، وليس فلسطين هذه المرة) وعدم الاكتفاء بترديد مقولة إن الأسد فقد شرعيته ولن يكون له أي دور في مستقبل سورية؟

= وإذا كان هو، وأقرانه في الغرب خصوصاً، لا يملكون أن يوقفوا الحرب المتعددة الهوية ضد الشعب السوري، ويخشون فعلاً وصول أية أسلحة نوعية يقدمونها له إلى الأيدي الخطأ، ألا يستطيعون أن يقفلوا سفارات وقنصليات نظام الأسد في بلدانهم ويطردوا ممثليه والعاملين لمصلحته فيها… أقله تشجيعاً لهم على الانشقاق عنه؟

= استطراداً، وبغض النظر عن هشاشة «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» ووهن صلته بالداخل السوري، ألا يمكن تسليمه هذه السفارات والقنصليات… أقله أيضاً لتوجيه رسالة قوية إلى داعميه في كل من روسيا والصين وإيران، بأن لعبتهم مع النظام في سورية وصلت إلى نهايتها؟

= وإذا كان «الحاكم سعيداً» في بغداد، رئيس حكومتها نوري المالكي، يحظى بدعم واشنطن وطهران معاً، ويستعد الآن لولاية ثالثة بعد الانتخابات النيابية التي أجراها على قياسه، ألا يمكن أوباما، فضلاً عن غيره من قادة أوروبا، أن يهدده بفقدان هذا الدعم في ما لو أبقى على مزرابه المالي والبشري والعسكري للنظام في دمشق؟

= وفي السياق ذاته، لم يعد ينفع القول للأسد إن انتخاباته الرئاسية «مهزلة» موصوفة، وإن «أصدقاء الشعب السوري» في العالم لن يعترفوا بنتائجها، فموقف هؤلاء مما يسمونه «الحل السياسي»، ومواصلة أعداء هذا الشعب حربهم الهمجية عليه، هما ما يشجع الأسد على تصعيد وتيرة التدمير والإبادة الجماعية من جهة وإجراء انتخاباته الصورية من جهة أخرى.

بمثل هذه المقاربات فقط، يمكن من يحلم بـ «الحل السياسي» للحرب السورية أن يتقدم خطوة إلى الأمام، وإلا فإنه يؤكد أن «الأصدقاء» و «الأعداء» هم في الجريمة ضد الشعب السوري سواء… طرف في الكلام السياسي، والآخر في تسعير الحرب وتوفير ما يلزمها من سلاح وذخيرة.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى