الحمد لله مسجون وليس ميتاً/ كرم يوسف
لكل منطقة جغرافية في هذا العالم وبلد رصيده من الحكم والأمثال التي تأتي نتيجة حالة مجتمعية تراكمية لتقال في مناسبات مختلفة، ربما ليس بمقدور أيٍ كان أن يحفظ سلسلة هذه المقولات كاملة، لكنه يعرف عدداً جيداً منها ويستطيع التفاعل مع التي لا يعلمها، وتتعدد أشكال هذه المقولات لتستطيع أن تتناسب مع كل حدث. لا شك أنه ربما يصل الأمر إلى درجة أن تجد كتاباً بحكم وأمثال بلد ما، أو ربما تحفظ عدداً منها عن ظهر قلب مما يقوله شعب ما لأنها قريبة منك.
في سورية كبلد متعدد الإثنيات سوف تطالعك أرقام هائلة من هذه الحكم والأمثال والتي وصل الحال أيضاً بالعديد من الباحثين إلى نشر كتب تدونها لجمعها وتوثيقها وحفظها من الموت، حتى أنك تجد لعدد من المدن السورية كتباً خاصة بها في هذا الإطار، من بين هذه الحكم ما يقال في شكر الله على البقاء على قيد الحياة حين يحصل أي مكروه لأي إنسان.
ربما في القسم الأخير من هذه المقولات؛ وهو حمد الناس لله في كل الأحوال على حفظه حياة ذويهم وأقربائهم وأصدقائهم، هو ما ربطته المخابرات السورية بذاكرة الكثيرين من أبناء هذا البلد الذين اضطروا في كثير من الأحيان إلى بيع كل شيء بما فيه المنزل وأثاثه فقط لأجل إرشاء ضابط وإطلاق سراح أحد أفراد أسرتهم، أو الحصول على لقاء به أو معلومة تؤكد بقاءه حياً.
إلى جانب هذا الكم الكبير من الصور التراجيدية التي كانت تتم معايشتها من قبل السوريين على يد المخابرات كانت هناك صور أكثر جرحاً في الذاكرة بعد انطلاق الثورة السورية، حيث تأتي الحكايا دون توقيت محدد قبل الإفطار أو أثناء النوم، من بين هذه الحكايا ماكان الناس يقطعون آمالهم من عودة ذويهم الغائبين في سجون النظام، ولاحقاً، على أيدي كتائب مسلحة بعد وصول الجثث إليهم، وكل من لم تصل الجثث إليهم حتى لو رآهم من خرج حياً من تلك السجون فإن الآمال تكون معلقة إلى الأبد على احتمالات يرضي بها الناس ذاكرتهم في أن هذا الفرد من عائلتهم سوف يعود يوماً ما طارقاً باب الدار وعائداً إلى أحضان عائلته.
المشهد السوري ذاته في ترديد مقولة “الحمدلله مسجون وليس ميتاً” يتكرر ولكن في مكان بعيد عن الجغرافية السورية التي هجرها الملايين من أبنائها بعد حوالى خمس سنوات من الحرب مجهولة المعالم في نهاية مطافها، هذه المرة تردد المقولة نفسها، ولكن حين وصول معلومة إليهم من أحد أفراد أسرتهم أو ذويهم أو أصدقائهم تفيد بأنه في سجون بلغاريا أو تركيا أو اليونان أو صربيا أو مقدونيا بعد أن يكون الشخص الذي انقطعت الأخبار عنه قاصداً أوروبا عبر طريق البحر، وذلك مع تزايد حالات الموت من خلال الهجرة بطريقة غير شرعية عبر البحر حيث أشارت تقارير للأمم المتحدة أن مايزيد عن خمسة آلاف شخص فقدوا حياتهم نتيجة غرقهم في البحر.
لعل العوائل التي تردد مقولة “الحمدلله مسجون وليس ميتاً” هي من بين ممن يدفعون ضريبة الحرب باهظة الخسارات في سورية والتي ماعادت تجد أية بارقة أمل في مستقبل قريب آمن يمكن أن يجعلهم يصبرون على جروح الحرب الكثيرة، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد هناك من لا يعاني أكثر منهم، فأولئك الذين يسعون لإيجاد طريق ينجون به مع ذويهم إلى أقرب نقطة تحميهم من هول هذه الحرب هم غير مبالين بشكل وخطورة أي طريق بل أن مايهمهم هو أن يجدوا طريقاً ويقوموا بمحاولتهم فهم يعتبرون أنفسهم في عداد الموتى الحقيقيين بين برميل متفجر لا يقدر كم من الموتى سيخلف وبين صاروخ لا يعرف الامتناع عن جلب الموت ولكنه يأتي.
ربما قدمت الحرب في سورية صوراً في ذروة التراجيدية ومنها هذه المقولة التي يصعب التفاعل معها إلا أن يكون الإنسان سورياً معتاداً على سماعها نتيجة الموت الذي حل في هذا البلد أكثر من أي مكان، لكن هذا لا ينفي أن هناك قصصاً أخرى تصيب الأذن التي تسمعها بالموت، من الممكن أن تأتي الأيام القادمة بشيء منها بعد أن تهدأ هذه الحرب ويعود في وسع الناس السوريين النظر إلى الوراء وإلى هذه السنين بأنها أصبحت من الماضي ولن تعود وحين يهمون ببناء بيوتهم ووطنهم الذي صار خراباً.
(سورية)
العربي الجديد