الخناق يضيق على الاسد
عبد الباري عطوان
اذا كانت المبادرة الخليجية التي جرى طبخ بنودها في الرياض وبدعم من واشنطن نجحت في اجبار الرئيس اليمني علي عبد الله صالح على الرحيل الى امريكا، عبر البوابة العمانية، فإن الذين يقفون خلف مبادرة جامعة الدول العربية، التي توصل اليها وزراء الخارجية العرب فجر امس الاول، هم خليجيون بالدرجة الاولى، ويريدون النهاية نفسها للرئيس بشار الاسد ،طال الزمان او قصر، فهؤلاء يملكون المال، والكثير منه، مثلما يملكون الدعم الامريكي الغربي، وفوق كل هذا وذاك هناك احتجاجات شعبية تطالب بإصلاحات ديمقراطية مشروعة.
الرئيس بشار الاسد يقف وحيدا تقريبا في مواجهة جامعة عربية لم تعد لبلاده هيبة فيها، ولا قدرة على صياغة قراراتها، بل لم تعد عضوة فيها، والاهم من ذلك ان ابرز حلفائه الخليجيين الذين وقف والده معهم بقوة لاخراج القوات العراقية من الكويت يريدون الآن اخراجه من الحكم، بعد ان انقلبوا عليه، مثلما انقلبوا على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من قبله، بعد ان انتهى دوره في هزيمة ايران وتقليص خطر تهديداتها لأنظمتهم.
وعندما نقول ان الرئيس الاسد يقف وحيدا، فإننا نشير الى وقوف اصدقائه من بقايا محور دول الممانعة على الحياد ازاء هذه المبادرة العربية التي تطالبه بالتنحي، فالجزائر امتنعت، وكذلك العراق، وكان لبنان هو الدولة الوحيدة التي نأت بنفسها كليا عنها. اما الروس الذين دعموه طوال الاشهر الماضية بقوة، وحركوا حاملات طائراتهم وسفنهم الى قاعدتهم البحرية في طرطوس، واستخدموا ‘الفيتو’ لمنع اي عقوبات ضد بلاده، فإنهم بصدد تغيير موقفهم فيما يبدو، فلم يعارضوا المبادرة العربية ولم يؤيدوها، واكتفوا بتسريب تصريح لمسؤول كبير اسمه ميخائيل مارجيلوف المشرع وأحد ابرز المقربين للرئيس ديمتري ميدفيديف يقول فيه ان روسيا لا تستطيع ان تفعل للرئيس الاسد اكثر مما فعلته.
هذا التغيير في الموقف الروسي ربما يكون مرده الى تطابق مبادرة الجامعة العربية مع مقترحات روسية جرى تداولها بقوة قبل ثلاثة اشهر، طالبت الرئيس الاسد بتسليم السلطة الى نائبه فاروق الشرع، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تحضّر لانتخابات برلمانية ورئاسية، وتدخل اصلاحات سياسية شاملة. وتزامنت هذه المقترحات مع تصريحات قوية للزعيم الروسي فلاديمير بوتين وجّه من خلالها ‘تهديدا مبطنا’ للرئيس الاسد بقوله ‘اما ان تبدأ بإصلاحات حقيقية او ترحل’.
النظام السوري رفض مبادرة الجامعة العربية الاخيرة باعتبارها تشكل انتقاصا من السيادة وتدخلا في الشأن الداخلي السوري، وهو رفض يذكرنا برفض مماثل للرئيس اليمني علي عبد الله صالح، ثم قبول مشروط بإجراء بعض التعديلات، وعندما جرت تلبية طلبه ماطل في التوقيع، وكل ذلك من اجل كسب الوقت، ولا نستبعد ان يتكرر السيناريو نفسه من قبل القيادة السورية.
من الواضح ان هذه الهجمة العربية على سورية ،التي تزامنت مع رحيل الرئيس صالح، تريد ان تقول اننا تخلصنا من الديكتاتور اليمني، والآن نريد ان نركز جهودنا، ونكثفها، لتغيير الرئيس السوري بالطريقة نفسها، للانتقال الى انظمة اخرى، قد يكون من بينها النظام الجزائري.
‘ ‘ ‘
وربما ليس من قبيل الصدفة ان تتزامن ضغوط الجامعة العربية على رأس النظام السوري مع اقرار وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي حظرا نفطيا شاملا على ايران، ودخول حاملة طائرات امريكية جديدة الى الخليج العربي عبر مضيق هرمز، في استفزاز واضح للأخيرة، واحراج لقيادتها التي قالت إنها لن تسمح بعودة هذه الحاملة او غيرها الى المنطقة. فرأس النظام الايراني مطلوب ايضا، حتى لو تخلص من طموحاته النووية، وما حدث للعقيد الليبي معمر القذافي عبرة لا بد من اخذها بعين الاعتبار.
انه الزمن الخليجي بامتياز، فالمراكز العربية الثلاثة التي صاغت تاريخ المنطقة على مدى عشرات القرون معطوبة تماما، فسورية تواجه ثورة شعبية، والعراق ممزق ويمكن تصنيفه بأنه دولة شبه فاشلة، محكومة بديكتاتورية طائفية هي واحدة من اكثر خمس دول فسادا على وجه المعمورة، اما مصر الضلع الثالث في هذا المثلث فتعيش مرحلة انتقالية صعبة ابعدتها عن كل دوائر التأثير في المنطقة.
دخول المملكة العربية السعودية على الملف السوري بقوة، او انتقال دورها وتدخلها من السرية الى العلنية، سيشكل صداعا كبيرا للرئيس الاسد ونظامه حتما، ولا نعرف ما اذا كان هذا الدخول المفاجئ هو ازاحة للدور القطري ام بالتنسيق معه، فقد فاجأ الامير سعود الفيصل الجميع عندما سرق الاضواء، وبعد صمت طويل، بإعلانه عن سحب مراقبي بلاده من فريق المراقبين العرب لان النظام السوري لم يتوقف عن قتل مواطنيه، وهؤلاء، اي المراقبون السعوديون، ‘لا يمكن ان يكونوا شهود زور’. والاخطر من ذلك اندفاع الامير السعودي لعقد لقاء مع الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري، في اعتراف نادر وسريع بالمجلس على غير عادة الحكومة السعودية التي لم تعترف مطلقا بالمجلس الانتقالي الليبي حتى بعد سقوط نظام القذافي، الذي تكن له كراهية مطلقة لأسباب يعرفها الجميع.
الدور السعودي لاسقاط الرئيس بشار الاسد قد يكون حاسما، فالسعودية تملك نفوذا قويا في لبنان وداخل سورية، واكثر من 500 مليار عوائد نفطية سنوية، وتقدم المملكة نفسها على انها زعيمة للطائفة السنية، علاوة على مكانتها كحليف واشنطن الاكبر في المنطقة.
عشرة اشهر مرت منذ بدء الانتفاضة السورية والنظام في دمشق لم يقدم اي مبادرة حقيقية للاصلاح تكون بديلا عن الحلول الامنية، فماذا كان يضيره لو اوقف آلة القتل الدموية مبكرا، وقدم كل رموزها الى المحاكم، ودعا المعارضة الوطنية الشريفة لتشكيل حكومة وحدة وطنية، ودعا لانتخابات برلمانية ورئاسية مثل دول عربية اخرى، بل شكل حكومة جديدة من غير المعروفين الذين لا يجيد وزراؤها غير تأليه الحاكم وامتداح عيوبه على انها محاسن جمة.
‘ ‘ ‘
صحيح ان تقرير رئيس فريق المراقبين العرب امتدح تعاون النظام السوري، وتحدث عن عنف وقتل من الجانبين، واكد ان اعمال القتل خفت منذ وصول هؤلاء، وان النظام سحب آلياته من المدن، وان هناك عصابات مسلحة وقوات جيش منشقة تمارس القتل ايضا، ولكن الصحيح ايضا ان كل هذه الخطوات والتجاوبات جاءت متأخرة للأسف الشديد.
الذهاب الى مجلس الامن لتدويل الملف السوري لن يكون خطوة ناجحة، فمثلما هناك ‘الفيتو’ الامريكي في انتظار اي مشروع قرار عربي يدين اسرائيل، هناك الفيتو الروسي والفيتو الصيني لمنع اي تدخل دولي في سورية، والروس والصينيون لن يلدغوا مرة اخرى بعد اللدغة القاتلة التي اصابتهم في مقتل في ليبيا.
لا نعرف ما هي خطوة النظام السوري المقبلة، ولكن ما نعرفه ان الخناق يضيق عليه وعلى حلفائه الايرانيين، وقد يحتاج الى معجزة للنجاة، في زمن انعدمت فيه المعجزات. فالاستمرار في الحلول الامنية انتحار، والرضوخ للضغوط العربية اهانة، حسب مفردات قاموسه.
وهذا يعني اننا امام طريق مسدود لأمد قصير على الاقل. وربما يفيد التذكير بان السيد عبد ربه منصور هادي نائب الرئيس اليمني لا يشرف على المرحلة الانتقالية في اليمن، بل هو مرشح التوافق لانتخابات الرئاسة، فهل نرى السيد فاروق الشرع نائب الرئيس السوري يقوم بالدور نفسه، وهو ابن درعا حيث انطلقت شرارة الانتفاضة الاولى؟
هناك من يتحدث عن هروب الى الامام، اي حرب مع اسرائيل، تقلب كل المعادلات في المنطقة، او حرب ايرانية ـ امريكية، او ايرانية ـ اسرائيلية في الخليج تفعل الشيء نفسه، ولكن الاكثر ترجيحا في حال عدم تحقق اي من الاحتمالين المذكورين، ان تنزلق سورية الى حرب اهلية دامية، خاصة ان الانشقاقات تتزايد في صفوف الجيش، والثورة المدنية تتحول بسرعة الى انقلاب عسكري.
القدس العربي