الخيارات الايرانية في سورية ما بعد الاسد
المواقف السياسية في ايران تؤخذ من منطلقين مركبين مع بعض وهو المنطلق الطائفي الشيعي ممزوجا بالمنطلق القومي الفارسي واحلام الامبراطورية الفارسية القديمة والتي لا تغيب عن الذاكرة الفارسية وتعمل جاهدة على ارجاعها، وكان اقامة الحكم الشيعي في العراق ووجود بشار الاسد في سورية وحزب الله في لبنان ومحاولات ايران ضم حركة حماس تحت جناحها في وقت من الاوقات رجوعا نسبيا لذكريات الامبراطورية الفارسية القديمة اليها. لذلك فزوال النظام السوري يمثل تراجعا حقيقيا لهذه الاحلام التي لن تتخلى عنها ايران بسهولة وستظل متشبثة بها بشتى الوسائل ، وما التصريحات الايرانية الحالية التي تحاول فيها التقليل من اهمية بقاء بشار الاسد في السلطة الا دليل على ان ايران تخطط ومنذ الان لمرحلة ما بعد الاسد بعد ان تيقنت انه زائل لا محالة.
ولكي تبقي ايران نفوذا لها في سورية فان عليها ان تتحرك باتجاه المجموعة الاقرب اليها مذهبيا وهي الطائفة العلوية باعتبار ان ايران لن تستطيع اتخاذ مكون سوري اخر حليفا ستراتيجيا لها عداها، وما سيسهل هذه المهمة على ايران هو استعداد ابناء هذه الطائفة من الناحية العسكرية للقيام بمهام مشابهة لما وكل به حزب الله في جنوب لبنان بسبب ان اكثرية التشكيلات العسكرية المهمة في سورية الاسد كانت تتكون من ابناء هذه الطائفة وكونهم الاقرب مذهبيا الى المذهب السائد في ايران مما يساعد في ترشيح الطائفة العلوية لتكون حليفة الجمهورية الايرانية مستقبلا. ورب قائل يقول ان العلويين لن يورطوا انفسهم في هكذا دور.. ولكن باستحضار التجربة العراقية الى الاذهان بعد الالفين وثلاثة ودراسة الدور الايراني في اثارة النعرات الطائفية والقومية بين ابناء العراق فسنعرف ان دفع العلويين بهذا الاتجاه لن يكون امرا صعبا على ايران، فقد كانت سورية الاسد في بداية الاحتلال الامريكي للعراق ( وبتنسيق مع ايران) ترسل افواجا من الارهابيين الى المناطق السنية والشيعية في العراق بحجة قتال الامريكان وتسببت في احداث خلخلة امنية فيه واثارة النعرات الطائفية بين ابناء الشعب العراقي وقد كان لهم ذلك فقد عاش العراق سنين عديدة يعانون من القتل الطائفي بدون ان يكون الفاعل مشخصا، و كانت اغلب التفجيرات تستهدف المناطق السنية لإبقائها غير مستقرة امنيا وسياسيا واداريا الى ان سيطرت الاحزاب الشيعية على الوضع السياسي في العراق بشكل كامل خصوصا بعد الانسحاب الامريكي. والان وبعد زوال بشار الاسد يمكن خلق موجة معاكسة من الارهاب للداخل السوري لاستهداف المناطق العلوية واتهام السنة في سورية بها ودفع العلويين للارتماء بشكل كامل للحضن الايراني (لحمايتهم) ، وبذلك يسقط العلويين في الشرك الايراني ليكونوا موطئ قدم لها داخل الدولة السورية كما هو حال حزب الله في لبنان.
السيناريو الثاني لإيران والذي من الممكن ان تلجا اليه( في حالة مشروطة ) هو التحالف مع حزب العمال الكردستاني في سورية. وعلى الرغم من ان التطورات الاخيرة على الساحة الكردية السورية تشير الى ان الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني قد دخل في تحالف مع القوى الكردية الاخرى في سورية الا ان هذا التحالف سيكون مرهونا بالخطوات التركية حيال هذا الحزب والوضع الكردي وكذلك التوجهات التركية حيال افرازات الثورة السورية بشكل عام. فحزب العمال الكردستاني يتقن تماما استغلال التناقضات في المنطقة وسوف يتخذ من الموقف الايراني الجديد ازاء سورية ورقة ضغط على تركيا لتسيير دفة التطورات بالشكل المناسب لها. ومن هذا المنطلق فان ايران سوف ترحب باي تقارب مع هذا الحزب مستقبلا والابتعاد عن المحور التركي للوقوف في الجانب المضاد للثورة السورية بما يتلاءم وتوجهات الطرفين.
اذا فشلت ايران في استمالة الطرفين السالفي الذكر وفي حالة تأكدها بان مصالحها قد اصبحت مهددة فلن يبقى امامها الا تهديد الوضع السوري بواسطة المالكي وبعض الاحزاب الشيعية الاخرى المتعاطفة معها في العراق وهذا التهديد قد يكون بتعكير الوضع الامني في داخل سورية كما قلنا سابقا او الدخول في مناوشات عسكرية على نطاق ضيق مع القوى الجديدة في سورية (حسب مبدا الهجوم خير وسيلة للدفاع) وبذلك فستقلل من خطر نتائج الثورة السورية على نفسها وخلط الاوراق فيها وفي نفس الوقت سوف ينوب عنها العراق في التصادم مع الحكومة الجديدة في سورية من دون ان تتدخل هي بنفسها في معمعة المشاكل هذه ، وكما هو متوقع من الساسة العراقيين في المنطقة الخضراء فانهم لن يرفضوا القيام بهذا الدور نيابة عن الجارة ( الشقيقة ) ايران، وموقف حكومة المالكي المسبق من الثورة السورية ووقوفه مع بشار الاسد الى هذه اللحظة يشير الى نوعية علاقة الجوار ( المتشنجة ) التي يخطط لها العراق مع سورية مستقبلا.
انس محمود الشيخ مظهر دهوك