صفحات العالم

سقوط الأقنعة


عبدالعزيز التويجري *

أصاب الكاتب السوري ميشيل كيلو كبد الحقيقة حينما قال في مقال له نشرته «الشرق الأوسط» (5/9/2012) «إن إيران ترتكب بمعايير الإسلام غلطة استراتيجية تتجلى في الدعم الذي تقدمه لنظام سوري استبدادي يقتل مسلمين أبرياء لا ذنب لهم غير المطالبة بما أمرهم الله بامتلاكه: حريتهم وحقهم في الحياة الكريمة». وهذه الغلطة الاستراتيجية التي ارتكبتها إيران ولا تزال ترتكبها كل يوم، هي الطابع العام للسياسة التي تنتهجها على الصعيدين الداخلي والخارجي، منذ قيام النظام الجمهوري الذي يتمسح بالإسلام، ولكنه في حقيقة الأمر نظام طائفي عرقي يضع القومية الفارسية فوق كل اعتبار، ويتخذ من المذهب الإمامي الإثني عشري، مطيّة لتحقيق أهدافه في التوسّع والهيمنة. فقد وصل الانغلاق والإيغال في الغموض وتأجيج العداء لمن يخالف النظام الإيراني مذهبياً واعتقاداً، إلى مناوأة المسلمين السنّة الذين يشكلون أكثر من تسعين في المئة من مسلمي العالم، حتى بدا أن المذهب الذي تعتمده إيران وتروج له هو دين آخر.

من هنا يأتي هذا الالتواء في الـسياسة الإيـرانية، ويبـرز هذا التناقض الصارخ الذي يطبع مواقفـها إزاء قضــايا تمــس المـصالح الـحيـوية للعالم الإسـلامي في الـصـميم، وفي المقدمة منها احترام حق الشــعب السوري في الانتفاضة ضد حكامه الطائفيين الاستبداديين الذين يسومونه سوء العذاب، ويدفعون بالبلاد نحو الانهيار الكامل. فـفي الوقـت الذي كـانت طهـران تسـتضيف قمـة حركة عدم الانحياز، كان الحرس الثوري الإيراني يشارك الجيش وأجهزة الأمن كلها، في قتل الشعب السوري، وكانت إيران تقدم الدعم المالي والـعسكري واللوجــيسـتـي إلى الـنظـام الســوري حـتى يواصـل ارتكاب الجرائــم ضــد الإنــسانـية في بلــده. فـكان هـذا الموقف المـتنـاقـض من طـهران الـتـي تـسـلـّمت رئـاسـة حركة عدم الانـحياز، انـحيازاً كاملاً إلى الظـلـم والعدوان وانتهاك القوانين الدولية. وتتـناقض مع المبادئ التـي قامـت عليها حركة عدم الانحياز من جهة، وتتناقض مع الإسلام الذي تدّعي الجمهورية الإيرانية أنها قامت على أسـاسـه فحـملت الـصـفة الإسلامية في اسم الدولة، من جهة ثانية.

والواقع أن الأمور باتت واضحة أكثر من أي وقت مضى. وقد آن الأوان لكشف الأوراق في منتهى الصراحة، تنويراً للعقل العربي والإسلامي حتى لا يبقى خاضعاً للتأثيرات التي تمارسها طهران ومن يدور في فلكها في المنطقة على وجه الخصوص. فهذا النظام الطائفي العنصري المتطرف في عنصريته، يقف في الصف المعادي للشعب السوري، ويمعن في الدعم الفعلي والمشاركة الميدانية في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية في هذا البلد المنكوب بالنظام الديكتاتوري الطائفي الذي يجثم على صدره، ويكتم أنفاسه، ويمزق أوصاله، ويقود سـفيـنة بلاده إلى الغـرق. فكيف يلـتـقي الإسلام الذي تزعم طهران أنها تحمل رايته – بل تدّعي أنها الأحق بحمل رايته… كيف يقف الإسلام مع دعم نظام إجرامي يحارب الإسلام ويقتل المسلمين، ويمزق النسيج الوطني للشعب السوري الذي يتكون من سبع عشرة طائفة دينية وعرقية عاشت على مدى التاريخ، في انسجام وتناغم وتآلف ووحدة وطنية؟ لقد أحسن الكاتب السوري المعارض ميشيل كيلو، في إبراز هذا الرباط الوطني الذي يجمع بين مختلف الأطياف في سورية، وهو المواطن السوري الذي ينتمي دينياً إلى طائفة محدودة العدد، ولكنها جزء لا يتجزأ من المجتمع السوري لها حضورها الثقافي والفكري والتجاري المتميز. كما أحسن رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان عندما وصف النظام القمعي السوري بأنه نظام إرهابي.

لقد سقطت الأقنعة عن الوجوه، وظهرت الحقائق بادية للعيان، وعرف العالم الإسلامي حقيقة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحقيقة النظام الطائفي السوري و «حزب الله» المنقادين لها في المنطقة العربية، والجيوب الطائفية الأخرى التي هي في حكم الخلايا النائمة. عرف العرب والمسلمون أن من يدعم النظام السوري الطائفي، إنما هو يدعم طائفته ومذهبه، ويعمل لتحقيق أحلامه في الهيمنة على المنطقة العربية من خلال أتباع له مجندين دائماً لخدمة مصالحه الاستراتيجية. بينما هو يتظاهر بحماية الإسلام، ويتباهى بتمثيل الإسلام في العالم. والإسلام من ذلك كله براء.

لقد دقت ساعة الحقيقة، وآن لها أن تكشف للعرب وللمسلمين جميعاً الأقنعة عن وجه هذا النظام الطائفي العنصري الطامع، حتى تتبدد الأوهام وتستقيم الأفهام. فالنظام الإيراني أثبت بالأفعال والأقوال بُعده عن الإسلام الحق الذي يرفض الظلم والعدوان والجبروت والطغيان والفساد في الأرض وكسر إرادة الإنسان وامتهان كرامته، وانحاز هذا النظام إلى جانب الظالم الباطش بدوافع عصبيةٍ طائفيةٍ محضة، ولأهداف عنصرية توسعية يرفضها الإسلام ويحاربها.

ولست أدري هل تغيب هذه الحقيقة الساطعة عن منظمة التعاون الإسلامي؟ وهل تغيب هذه المعطيات الصارخة الفاضحة عن القيادات الإسلامية العلمية والثقافية والفكرية والإعلامية التي تصنع الرأي العام؟ فأغلب هؤلاء صامتون. والصامت عن الحق شيطان أخرس.

* أكاديمي سعودي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى