السوريون بانتظار «نوفمبر» أميركا/ إياد أبو شقرا
نشرت «الشرق الأوسط» في عدد أمس السبت نقلاً عن مصادر دبلوماسية غربية أن ستافان دي ميستورا، المبعوث الدولي لسوريا يتعرّض إلى ضغوط روسية أميركية الغاية منها دفعه لعقد جولة مفاوضات جديدة في جنيف.
في وضع طبيعي لا حاجة إلى ضغوط، لكن ما تعيشه الأزمة السورية تجاوز كل الحدود. واضطرار الأمم المتحدة لتوسّل نظام بشار الأسد و«قوى الأمر الواقع» فقط للسماح بإدخال الغذاء والدواء للمناطق المحاصرة – وبعضها محاصر منذ 2012 – دليل دامغ على هذا الوضع.
ثم ما عاد مفهومًا المعنى الحقيقي لمسمى «المجموعة الدولية لدعم سوريا». أي «سوريا» هذه المراد دعمها؟ وما هو مستوى التجانس والتنسيق بين أعضاء هذه «المجموعة»؟ وما هي أهمية أن تكون «دولية» عندما تتحوّل روسيا – إحدى القوى العظمى الراعية إلى قوة تدخل واحتلال، وتمنحها القوة الأخرى، الولايات المتحدة: «شيكًا على بياض» لتفعل ما تشاء، وتفسّر القرارات الدولية على هواها، ثم تبارك لها ما تفسره وتنفذه!
بمرور الأيام، وتساقط «الخطوط الحمراء»، انتهت أكذوبة «أصدقاء الشعب السوري» بعدما تبيّن أن عدد هؤلاء بالكاد يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. واليوم مع التماهي الروسي – الأميركي والتواطؤ الصيني المطلق مع موقف موسكو، والإحباط والعجز الأوروبيين إزاء سياسة واشنطن السورية ها هي صدقية «المجموعة الدولية لدعم سوريا» تنهار.. لاحقة بـ«أصدقاء» الجعجعة بلا طحين.
لقد كان الكثير من اللوم قد ألقي على المبعوث دي ميستورا خلال السنتين الأخيرتين، لكن من الواضح أن الرجل يعمل مغلول اليدين في جوّ غير مساعد على الخروج بأي نتيجة. ذلك أن موسكو ما عادت مستعدة للتخلي عن «أفضلية» ميدانية وسياسية كسبتها في منطقة استراتيجية كانت إلى عهد قريب شبه محظورة عليها. ولا واشنطن فيما تبقى من عهد باراك أوباما راغبة في إحداث أي تغيير يمس في تفاهمها مع قيادة إيران، لا في الجوهر ولا في التفاصيل، حتى على حساب استقرار الشرق الأوسط ووحدة أراضي دوله. ولا طهران، المحكومة بغطرسة الملالي ودموية «الحرس الثوري»، والمستفيدة من تفاهماتها مع الروس والأميركيين، في وارد التفريط في فرصة تاريخية سانحة للثأر من العرب ومسابقة الأتراك على زعامة العالم الإسلامي.
على أساس المعطيات هذه.. كيف يلام نظام قاتل على الاستقواء بمناخين إقليمي ودولي للمضي قدمًا في جرائمه؟
ثم هناك، في خلفية كل ما ذكرناه، الموقف الإسرائيلي الملتبِس في «براغماتيته»، وهو يقوم على سلسلة اعتبارات لا تعوزها الفطنة، أبرزها:
أولاً، أن إسرائيل كانت دائمًا «مرتاحة» في تعاملها مع نظام آل الأسد الذي مرّت يوم أول من أمس الذكرى السنوية السادسة عشرة على وفاة مؤسسه حافظ الأسد، مبتكر مفهوم «التعايش» الفعلي مع إسرائيل وراء واجهة «ممانعتها» منذ 1973. والقيادة الإسرائيلية، من واقع الخبرة الطويلة، تجيد التمييز بين الأقوال والأفعال، وبالأخص، عندما تأتي من أولئك المزايدين لفظًا في عدائها… والراغبين ضمنًا في التعايش معها.
ثانيًا، أن سوريا اليوم باتت أقرب ما يكون إلى كيان خاضع لحكم مشترك condominium، ذلك أنه ما عاد هناك وجود فعلي لنظام آل الأسد من دون دعم إيران وروسيا، طبعًا بمباركة أميركية وإسرائيلية. وما زيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتتالية إلى موسكو، وسط الصمت المطبق لـ«ممانعي» دمشق و«مقاومي» بيروت، سوى تأكيد للسقوف والتفاصيل التي ترسم المحاذير وهوامش المناورة.
ثالثًا، أن إيران ما كانت في يوم من الأيام بعيدة عن المزايدة في موضوع «المقاومة»، وهي منذ الثورة الخمينية عام 1979، ثم فضيحة «إيران كونترا»، ما كانت تسعى لمواجهة إسرائيل بقدر سعيها لإسقاط الأنظمة العربية عبر «تصدير الثورة». وهذا ما أثبتته وتثبته الأيام والتجارب.. من العراق وسوريا ولبنان واليمن.. إلى قلب فلسطين ذاتها، حيث رعت طهران وما زالت ترعى تمزيق النسيج الفلسطيني من الداخل لضمان انعدام أي فرصة لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
رابعًا، لن تُقلق اليمين الإسرائيلي المتشدّد «حرب» مذهبية إسلامية على مستوى الشرق الأوسط بأسره بين السنة والشيعة، لأنها ستخدم مصلحته سواءً لجهة صرف الأنظار عن مشاريع التهويد والاستيطان و«الترانسفير» المتحمس لها، أو لجهة إنهاك وتفتيت جبهة معادية محتملة تهدّد تلك المشاريع. وبالتالي، لا مصلحة لهذا اليمين – تحت قيادة «الليكود» وزعيمه نتنياهو – في رحيل نظام يعرفه جيدًا ولا يخشاه، بل كل ما يريده راهنًا هو التحكم في توزيع حصص النفوذ الإقليمي عن طريق ضبط حصة إيران أو وضع حدود لمطامعها برعاية كل من موسكو وواشنطن.
عودة إلى الضغوط على دي ميستورا، تبدي المصادر الدبلوماسية الغربية تشاؤمها من فعالية أي تحرّك دولي في ضوء ما تصفه بالسياسة الأميركية «الرخوة» إزاء إمساك موسكو بالكثير من الأوراق السورية. وتذهب بعيدًا للقول: إن وزير الخارجية الأميركي جون كيري «سلّم» عمليًا الملف السوري للروس، وإن كيري ومعه الرئيس باراك أوباما ووكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» يمثلون اليوم توجّهًا لا يرى في الشرق الأوسط سوى خطر لتنظيم داعش. ومن ثم، فهم يعتبرون أن كل الجهود يجب أن تصب لقتاله ولو اقتضى الأمر التعاون مع موسكو، لا بل، وربما، حتى الموافقة على بقاء الأسد إذا كان هذا هو الثمن الذي تريده موسكو لهذا التعاون. مقابل هذا الموقف – حسب المصادر ذاتها – هناك موقف وزارة الدفاع (البنتاغون) الذي لا يقتنع بصحة مقاربة البيت الأبيض، ولا يثق بالكرملين بل هو على قناعة تامة بأن محور «طهران – موسكو – نظام الأسد» يسعى للحل العسكري ويعمل على تطبيقه.
وهكذا، في ظل استبعاد أي تبدّل في موقف أوباما مع تسارع العد العكسي لرئاسته، وتزايد ملامح التقسيم الفعلي لسوريا وتعمّد القضاء على الاعتدال داخل المعارضة، من المرجح تفاقم معاناة السوريين.
… وفي ظل السلبية الأميركية والعجز الدولي، لم يعد أمام السوريين إلا انتظار انتهاء عهد أوباما قرب مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
الشرق الأوسط