السوريون في الأردن..رعب “الرمي على الحدود” يطارد اللاجئين وأطفالهم/ عمّان ـ محمد الفضيلات
يعاني الطفل السوري اللاجئ في الأردن حمزة (16 عاماً)، من كوابيس تطارده في أحلامه، بعدما كانت قاب قوسين أو أدنى من التحقق على أرض الواقع، إذ كان حمزة معرضا للطرد إلى بلاده سورية، والمنع من دخول الأردن، حيث تقيم أسرته اللاجئة، هربا من الحرب الدائرة بين قوات النظام السوري والمعارضة في مدينتهم درعا، التي تركها حمزة والعائلة ليستقروا بشكل مؤقت، كما يقول، متابعا” أصدرت السلطات الأردنية قراراً بترحيلي، قسراً إلى بلادي، لمخالفتي القوانين الأردنية، لكن القدر تدخل في اللحظة الأخيرة، ونجاني الله مما كان ينتظرني في بلادي، وما كان ينتظر عائلتي هنا”.
حمزة -اسم مستعار- هو الابن الأكبر لعائلة سورية مكونة من ثمانية أفراد، لجأت إلى الأردن قبل ثلاث سنوات، وتقيم اليوم في بيت مستأجر في مدينة أربد ( 69 كيلومتراً شمال العاصمة عمّان)، بعد أن خرجت قبل قرابة العام من مخيم الزعتري أكبر مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن، الموجود في مدينة المفرق ( 75 كيلومتراً شمال شرقي عمّان) بكفالة، طمعاً في تحسين ظروف عيشها، لتجد نفسها في أوضاع أكثر سوءاً، فرضت على الطفل العمل في محال لبيع الدجاج.
المعونة لا تكفي
في حديثه لـ ” العربي الجديد” اشتكى والد حمزة، أوضاعه المعيشية الصعبة، وعجزه عن إعالة أسرته، الأمر الذي اضطر ابنه للعمل مقابل أجر شهري مقداره 100 دينار أردني، نحو (141 دولارا أميركيا)، الوالد الأربعيني مصاب في ساقه بما يعيق قدرته على العمل، يقول “والله الظروف الاقتصادية صعبة كثيرا علينا، أدفع 120 ديناراً أردنياً ، قرابة (169 دولارا) بدل إيجار شهري للمنزل المكون من غرفتين وحمام ومطبخ، فيما يبلغ دخلي الشهري 104 دنانير فقط نحو (147 دولارا)، هي المعونة التي أحصل عليها من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”.
بصعوبة بالغة كانت معونة مفوضية اللاجئين تكفي الأسرة، مع راتب حمزة، بما يمكنهم من دفع إيجار البيت والحصول على الطعام”، لكن عمل حمزة لم يستمر سوى أربعة أشهر، بعدها تم توقيفه خلال حملة على العمالة المخالفة، لتقرر السلطات ترحيله قسراً إلى بلاده، وهو ما بات يصطلح عليه بـ “القذف” أي رمي اللاجئ على الناحية الأخرى من الحدود”.
“القذف” في انتظار اللاجئين
نقل حمزة إلى مخيم رباع السرحان – نقطة استقبال على الحدود الأردنية السورية -، تمهيداً لإبعاده (قذفه)، بعد أن قررت لجنة أمنية خاصة ترحيله، ولكن في اللحظة الأخيرة، تدخل محام متخصص بالدفاع عن اللاجئين السوريين، أبقى الطفل في الأردن، بشرط حجزه في مخيم الأزرق للاجئين السوريين (100 كيلومتر شرق عمّان) حتى يتم تصويب أوضاعه القانونية. يحمد الوالد الله على أن ابنه لم يُبعد، ويقول ” لو قذفوا حمزة كان رجعنا على درعا، ابني على باب الله وما كان بقدر يعيش لحاله، ونشكر المحامي على تدخله”.
المحامي حازم شخاترة والذي أنقذ تدخله الطفل حمزة من الإبعاد، يوضح لـ”العربي الجديد” أن المشكلة التي واجهت اللاجئ لم تكن تتمثل في مخالفته لقوانين العمل، التي تمنع عمالة الأطفال وعمل غير الأردنيين دون تصريح، بل أيضاً عدم توثيق الخروج النظامي للأسرة من مخيم الزعتري في السجلات الإلكترونية لوزارة الداخلية، ما جعلهم متهمين بالهاربين من المخيم”، وأضاف أن اللجنة الأمنية في رباع السرحان قررت بعد تقديم الإثباتات التي تثبت سلامة الوضع القانوني لوجود العائلة خارج المخيم، التراجع عن قرار ترحيل الطفل حمزة، شريطة حجزه في مخيم الأزرق إلى حين توثيق أوضاع أسرته في السجلات ومن ثم العمل على إعادة تكفيله من المخيم ليعود إلى أسرته.
الرمي إلى المجهول
تضم اللجنة الأمنية الخاصة، التي تصدر قرارات الإبعاد (القذف)، ممثلين عن مختلف الأجهزة الأمنية، إضافة إلى ممثلين عن مديرية إدارة مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن التابعة لوزارة الداخلية الأردنية، يصف شخاترة القرارات التي تتخذها اللجنة بـ”الرمي في المجهول”، تشير سجلات المحامي إلى تعامله منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2014 وحتى مارس/آذار الماضي، مع 18 لاجئاً سورياً صدر بحقهم قرارات بالترحيل، يكشف “تم إنقاذ 7 لاجئين فقط والبقية نفذ فيهم القرار”.
” وبحسب شخاترة فإن أسباب الترحيل تراوحت بين مخالفة قوانين العمل أو الإقامة خارج المخيمات بشكل غير شرعي، أو بسبب وجود قيود أمنية، أو مخالفات أخلاقية، لكنها جميعاً تصنّف من يصدر بحقه القرار بأنه “خطر على أمن الأردن”، ويرى أن التطور الإيجابي يتمثل في أن اللجنة سمحت أخيرا بحق الاعتراض على القرار، وهو ما لم يكن يسمح به سابقاً.
كانت أول حالة إبعاد قسري للاجئ سوري، تعامل معها المحامي شخاترة، عندما قررت السلطات الأمنية إبعاد لاجئ ألقي القبض عليه في مطار الملكة علياء الدولي أثناء توجهه إلى تركيا.
يروي المحامي قصة اللاجئ قائلا “اسمه حيدر، وكان في منتصف الثلاثينيات، بعد أشهر من وجوده في الأردن أراد نقل مكان لجوئه إلى تركيا، لكن جواز سفره كان منتهيا ويحتاج إلى تجديد”، وبحسب شخاترة فإن اللاجئ استطاع تجديد جوازه في السفارة السورية في عمّان، مقابل 800 دينار أردني، قرابة ( 1134 دولارا) دفعها لأحد الوسطاء، لكنه وقبل صعوده إلى الطائرة ضبط بتهمة استعمال جواز سفر مزور، وجرى إبعاده إلى سورية.
اللاجئة السورية أم ناهد، تمتلك قصة غريبة مع الإبعاد القسري، إذ رفضت العودة للعيش في مخيم الأزرق للاجئين السوريين هي وبناتها الثلاثة، وهي العودة التي كانت ستنقذ زوجها من الترحيل. تقول “ضبط زوجي حيث كان يعمل في أحد المحال التجارية، وبعد أن عرض على الجهات الأمنية قررت قذفه إلى سورية”، تكشف السيدة لـ “العربي الجديد” أن زوجها اتصل بها قبل أن ينفذ فيه القرار طالباً منها الموافقة على عودة الأسرة للإقامة في المخيم لفترة مؤقتة يتم خلال تصويب أوضاعهم والخروج بشكل نظامي من خلال كفالة، مقابل عدم ترحيله، لكنها رفضت. وتبرر قرارها “احنا هربنا من المخيم لأنو العيشة صعبه كثير هناك، بخاف أرجع على المخيم، بخاف يصير على بناتي يبقوا في المخيم”.
الأردن ينفي اتهامات هيومان رايتس ووتش
تطارد الأردن اتهامات إعادة اللاجئين السوريين قسراً إلى بلادهم، وسط نفي أردني مستمر، ففي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2014، اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” السلطات الأردنية بـ”انتهاك التزاماتها الدولية” بعد ترحيلها على نحو قسري لاجئين سوريين “مستضعفين” إلى سورية، وقالت المنظمة في تقرير حمل عنوان “الأردن: لاجئون ضعفاء أعيدوا قسرا إلى سورية: “أوقفوا عمليات الترحيل وحققوا في إطلاق النار”، وأضافت المنظمة أنه من بين المرحلين قسراً رجال جرحى وأطفال بدون مرافقين بالغين”، معتبرة ما أقدمت عليه السلطات الأردنية يمثل انتهاكا لمبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي، والذي يمنع الحكومات من إعادة الأشخاص إلى أماكن تتعرض فيها حياتهم أو حريتهم للخطر، وهي التهم التي نفاها في حينها المتحدث باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني.
الداخلية تتحفظ على الرد
في الوقت الذي تتحفظ وزارة الداخلية الأردنية، عن الرد على القضية، فإن مصدراً رسمياً أردنياً أبلغ “العربي الجديد” أن اللجنة الأمنية تستند في قراراتها إلى التشريعات الدولية التي تستثني من حق عدم الرد والطرد، الفئات التي تشكل خطراً على الأمن الوطني، وقال المصدر إن “التشريعات الدولية تتيح لبلاده عدم قبول المقاتلين حتى لو ألقوا السلاح كلاجئين إنسانيين، لأسباب أمنية وسياسية تتمثل بحق البلد المضيف للاجئين بحفظ أمنه واستقراره”.
” وتابع المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه أن “قرارات القذف تتم وفق منهجية وأسس معتمدة من خلال لجنة تقابل الشخص وتأخذ قراراتها بالإجماع”، نافياً وجود عشوائية أو انتقائية في قرارات اللجنة. وكانت الجهات المعنية قد تحفظت على الكشف عن عدد اللاجئين السوريين الذين تم إبعادهم قسراً إلى بلادهم، بعد اعتبارهم مهددين للأمن الوطني.
من جهته يؤكد أستاذ القانون الدولي أنيس القاسم أن “المبدأ العام في التشريعات والقوانين الدولية ينصّ على عدم الإعادة القسرية، خاصة عندما تكون إعادة اللاجئ تشكل خطراً على حياته وسلامته”، لكن القاسم يشير إلى وجود استثناء “إذا كان لدى الدولة أسباب جدية تثبت أن الشخص يشكل خطراً على أمنها الوطنين فلها أن تتخذ إجراءات بإعادته”، وشدد في حديثه لـ “العربي الجديد” على ضرورة أن تتصرف الدولة بحكمة في هذا الأمر، لأنها ستكتسب سمعة سيئة أذا ثبت عدم صدق مبرراتها لإعادة أي شخص قسراً إلى بلاده.
ويضيف القاسم “إذا اقتنعت الدولة المضيفة أن شخصاً يشكل خطراً على أمنها وأثبتت ذلك، وفي نفس الوقت كانت إعادته لبلده الأصلي تشكل خطراً على حياته، فإنه ووفقاً للشرائع الدولية يحق اختيار بلد آخر ليرحل إليه، وهنا تصبح الأردن ملزمة بالتعامل مع اختياره.
يذكر أن الأردن يستضيف بحسب إحصاءاته الرسمية قرابة مليون ونصف المليون لاجئ سوري، يسجل منهم لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن قرابة 670 ألف لاجئ فقط، ويقيم 80 في المائة منهم خارج المخيمات الرسمية للاجئين.
العربي الجديد