الشائعات تغزو دمشق/ صبر درويش
يباشر وفيق وعائلته بتجهيز غرفة لهم في قبو البناء الذي يقطنون فيه، وسط العاصمة دمشق، تخوفاً من أي ضربة عسكرية محتملة، قد توجهها الولايات المتحدة للنظام السوري، في الوقت الذي تعيش فيه العاصمة السورية دمشق حالة من الترقب والخوف.
كل لحظة تحمل أخباراً جديدة وتوقعات بما لا تحمد عقباه، وخصوصاً أن الجميع أصبح شبه متأكد بأن قرار قصف العاصمة دمشق قد اتخذ، وأن المسألة مسألة وقت لا أكثر. يقول وفيق “في كل لحظة يتأكد خبر الضربة العسكرية، وفي كل لحظة يشتد شعورنا بالخوف، سارعت إلى تجهيز الغرفة الواقعة في قبو البناء الذي أقطنه، بكل المستلزمات الضرورية، من مواد طبية وبعض الأغذية المعلبة، والمياه والأغطية، كما قمت بالتواصل مع بعض أصدقائي القريبين مني كي يشاركوني الملجأ مع عائلاتهم، ماذا يمكن أن نفعل غير ذلك؟”.
فمنذ العام 1973 لم تتعرض العاصمة دمشق لأي هجوم عسكري كبير، وهي اليوم تقف أمام هجوم وشيك، حيث لم تخض غالبية السكان تجربة مماثلة. ما الذي يتوجب علينا فعله؟ هذا هو السؤال الذي يدور على ألسنة الجميع، الذين لم يختبر غالبيتهم تجربة الحرب ومجرياتها، بيد انهم شاهدوها تحدث على مقربة منهم، في العراق عام 2003 وأرعبتهم مجرياتها وتداعياتها، وهم الذين استقبلوا في ذلك الوقت آلاف اللاجئين العراقيين، الذين رووا للسوريين عن جحيم الحرب وما لحق بهم.
في هذه الأجواء المشحونة بالقلق، يجري سجال واسع بين السوريين، معارضة وموالاة حول جدوى الضربة.
أليسار وهي واحدة من ناشطات المعارضة، تقف بحزم ضد أي تدخل عسكري خارجي، وتحذر من أن “هذا التدخل إن تم، ستكون ضريبته باهظة”، كما لا تخفي خوفها وقلقها وهي التي لديها أسرتها التي تقطن العاصمة دمشق.
في المقابل، تقول أم علاء، وهي أيضاً إحدى ناشطات المعارضة: “نظام (بشار) الأسد هو ولا أحد سواه من جر البلاد إلى هنا، وحماية الشعب السوري مسؤولية سياسية وأخلاقية على المجتمع الدولي، والتدخل لا بد منه، كي يوضع حد لجرائم الأسد”.
في الحقيقة، يشعر السوريون بشكل عام بحالة من التشوش في مواقفهم. نصر وهو أحد الناشطين الشباب يقول: “حقيقةً ليس لدي أي موقف من هذه القضية، كونها تأتي في سياق صراع اقليمي ودولي في المنطقة واعادة تشكيلها، ورغم أنها قضيتنا المباشرة لكن لم يعد للسوريين أي يد في ذلك”. وأضاف ”لن تأتي هذه الضربة تلبيةً لطلبنا، وحتى لو رفضناها فلن نستطيع ردعها اذا اتخذ قرار بذلك“. ومضى يقول ”اكثر ما يشغلني وقف عجلة الموت بأي طريقة وبأي ثمن وبعد ذلك لنا حديث آخر قد يكون له جدوى”.
الخلافات الحادة بين السوريين حول الموقف من التدخل العسكري الخارجي بغض النظر عن الموقف من النظام الحاكم، يدعمها كل طرف بحجج يرى أنها تساند موقفه، بيد أن المشترك بين الجميع حجم الخوف الكبير الذي يسيطر عليهم.
ريم ناشطة اعلامية، كانت قد نزحت من مدينة داريا متوجهةً هي وعائلتها إلى العاصمة دمشق، تقول: “أنا ضد الضربة العسكرية لسوريا، فهي حتماً ستضعفه ولكنها لن تسقطه، ومن جهة اخرى يتواجد في العاصمة دمشق حوالي خمسة ملايين نازح”. وتتساءل إذا ما قصفت العاصمة “وين بدها تروح بحالها الناس“، وذلك على عكس صبا التي ترى أن “المدنيين سيكونون بمنأى عن أي اصابة” لأن الضربة ستستهدف، من وجهة نظرها “القوات العسكرية حصراً”.
جرى الحديث عن أن العوائل الموالية للنظام باشرت بالرحيل والسفر خارج البلاد، ثم جاء من يكذّب الخبر ويشكك في صدقيته. كذلك تناقل الناس أخباراً عن اخلاء الوزارات من الموظفين، ثم تم نفي الخبر، بينما آخر الأخبار أتت من معضمية الشام في ريف دمشق، حيث تواترت أنباء غير مؤكدة عن اخلاء الحي الشرقي بشكل شبه كامل من ساكنيه المعروفين بجيش الدفاع الوطني. وقد تم الحديث عن رؤيتهم مغادرين عبر شاحنات كبيرة تحمل ما استطاعوا اخراجه من بيوتهم، وسلوكهم باتجاه الطريق العسكري المحاذي لجبال الفرقة الرابعة.
كما وردت أنباء عن اخلاء كل من مساكن يوسف العظمة، مساكن الفرقة الرابعة، مساكن الحرس الجمهوري، مساكن سرايا الصراع، مساكن السومرية، وهذه المواقع العسكرية كلها في محيط دمشق العاصمة.
من جهة أخرى، عمد الكثيرون من موظفي القطاع العام إلى الاتفاق في ما بينهم على عدم الذهاب إلى وظائفهم، وذلك خوفاً من أي تطورات عسكرية مفاجئة.
هكذا يعيش السوريون، في ظل ثقل الإشاعات التي تزيد من القلق ومن توتر الأجواء المشحونة أصلاً.
يقول لؤي وهو أحد مقاتلي الجيش الحر في ريف دمشق: “كل شيء مشوش بالنسبة لي، لماذا قصفوا الغوطة بالكيمياوي؟ ما الذي استفادوه؟ ألم يكن يعلم النظام أن جريمته لن تمر؟”. ويتابع بالقول: “لا أثق بدول العالم ولا بأميركا، وأنا الآن غير متيقن من شيء على الاطلاق، متيقن فقط من أن معركتنا ستطول كثيراً”.
هكذا يجد السوريون أنفسهم مضطرين إلى مراقبة عدم وجود أي مكان آمن من القصف والانفجارات في بلادهم. كما لم يعد للسوريين من مكان ينزحون إليه، هم الآن ينتظرون الموت المرتقب، فلا المدن المحررة آمنة ولا العاصمة او الأماكن التي كانت محايدة، آمنة، في ظل الضربة العسكرية المرتقبة، فأين المفر؟ هذا ما تتساءله العشرات من الأسر السورية، ولا وجود لإجابات حقيقية.
المدن