الصراع السنّي – السنّي/ حسام عيتاني
مع كل فظاعة يرتكبها تنظيم «داعش» وما يعادله، تتصاعد الدعوات إلى إصلاح ديني يحول دون استخدام المتطرفين النصوص الشرعية لتسويغ أعمالهم وترويجها. تُوجّه الدعوات عموماً الى «الإسلام المعتدل» الذي يتعين عليه ان يُصلح نفسه ليتولى مهمة التصدي لخصمه المتطرف الميؤوس من إصلاحه.
بيد أن الدعوات هذه تنطوي على خلل مركزي. ذلك أن صراع الاعتدال والتطرف يُصور على انه يجري على أرضية شقاق داخل الجماعة السنّية ويتخذ شكل تنابذ بين فقهين ومرجعيتين دينيتين ونظرتين الى الاسلام ومهماته الدنيوية.
الأمر ليس كذلك. بل قل إن عرض الأمر على النحو هذا غير كافٍ. فالصراع داخل الجماعة السنّية يضمر في عمقه صراعاً اجتماعياً واستطراداً، سياسياً. تصوير الإسلام المعتدل بالقادر على تصفية التطرف وإفحامه شرط صفاء النوايا، لا يمت الى الواقع بِصِلة. استعراض الفئات الاجتماعية التي شكلت روافد التطرف في العقود الأربعة الماضية يقدم صورة جلية الوضوح للنكبة التي ألمّت بالمجتمعات العربية والاسلامية منذ ذلك الحين. وقد أطنب كتّابٌ كثر في شرح ارتباط الافقار والتهميش والإقصاء السياسي بظواهر التطرف. وبلغ الأمر حدود الكارثة مع مطلع القرن في ظل رسوخ اقتصاد ذات رأس مال شديد المركزية مرتبط بقلة حاكمة غالباً ما تلجأ الى علاقات القرابة العائلية والطائفية لتبرير استبدادها. هكذا كان العراق وسورية على سبيل المثال. تفاقمت المأساة عند مجيء بديل يضاهي النظام القديم سوءاً، على ما أظهرت سياسات نوري المالكي الطائفية. فأضيف النهج الثأري الى الاقصاء والإفقار.
وأفاد التطرف، على ما هو معلوم، من نسخة متشددة لفقه الجهاد استلّها من فتاوى صدرت أثناء الأزمات والحروب التي شهدها التاريخ الاسلامي. في المقابل، لا يبدو «الاسلام المعتدل» قادراً على إصلاح نفسه لعلّة تمثيله جزءاً من ايديولوجيا السلطات المسببة للأزمة. الترهل والخوف من المستقبل والاعتقاد بإمكان توظيف المتطرفين لتصحيح موازين قوى اقليمية مختلّة (ضد إيران على سبيل المثال)، عوامل تعيق أي إصلاح أو سعي اليه.
فالمطلوب إصلاحه لا يتعلق بالعبادات ولا بتفاصيل الوضوء والطهارة، بل يصل مباشرة الى علاقة الدين بجماعة المؤمنين وشكل تدبّرهم لأمرهم، الى السياسة بكلمة واحدة والتي لا بد أن تشمل المؤمنين وغيرهم في معزل عن التعامل الذمّي. أي الى السلطة الدنيوية وتداولها وموقف الدين منها، وهو ما امتنع التيار الرئيس في الاسلام السنّي عن أخذ موقف صريح منه منذ قرون.
مسألة الإصلاح الديني تعني إذاً الولاية والإمامة الكبرى والشورى ومنه تصل الى القضاء (الذي ما زال يدور في حلقات مفرغة منذ صدور «المجلة العدلية العثمانية» في النصف الثاني من القرن التاسع عشر). عليه، يدرك «المعتدلون» ان مطلب الإصلاح لا يمكن أن يقتصر على حرمان المتطرفين من القدرة على الترويج لجرائمهم، بل يصل الى تغيير المشهد الاجتماعي – السياسي في العالم الاسلامي برمته وهذا ما يثير الخوف في دوائر وأوساط واسعة.
وعندما تصدر عن شيخ الازهر وإمامه الأكبر دعوة الى قطع أطراف عناصر «داعش» وصلبهم وقتلهم رداً على إحراق التنظيم الطيار الاردني فما ذلك غير علامة على امتناع الاصلاح على المؤسسة السنّية الأعرق، واستسهال اللجوء الى ذات ادبيات الخصم المتطرف هرباً من المواجهة الأصعب مع الذات. الصراع السنّي – السنّي ما زال في مراحله الاولى.
الحياة